راكبو الدراجات الكولومبيون يحاولون الخروج من الفقر إلى المجد في أوروبا

يقطعون 70 ميلا في جبال الأنديز هربا من زراعة البطاطس ورعي الأغنام

كولومبيون يحدوهم هدف واحد هو التنافس في سباقات الدراجات المهمة في أوروبا («واشنطن بوست»)
TT

في منطقة جبال الأنديز وسط كولومبيا؛ حيث تتراوح خيارات الحياة بين زراعة البطاطس ورعي الأغنام، يحلم أولاد، مثل جوهان كارديناس، بركوب الدراجات حتى يصلوا إلى المجد في جبال الألب والبرانس الفرنسية.

إنهم يبدأون رحلتهم عند بزوغ الفجر ويقطعون نحو 30 أو 40 أو 70 ميلا، في أغلب الأحيان، ويكون معظم الرحلة في ممرات جبلية ضيقة. ويعيدون الكرَّة مرة أخرى في اليوم التالي، وفي اليوم الذي يليه، ويحدوهم هدف واحد هو أن يأتي يوم يكونون فيه جيدين بدرجة كافية للتنافس في سباقات الدراجات المهمة في أوروبا.

وعلى الرغم من أنه ليس مشهورا على نطاق واسع خارج عالم الدراجات، فإن راكبي الدراجات الكولومبيين مشهورون بالأداء المتميز في المرحلة الأكثر قسوة من أي سباق، وهي مرحلة السباق في الجبال؛ فالكثير قد نشأ في ولاية بوياكا؛ حيث يظن الكثير من الأولاد أنهم عندما يقومون بركوب الدراجات مسافة ميل في هذه الجبال الشاقة، سوف يبتعدون عن الفقر.

ويعتبر جوهان واحدا من هؤلاء المتسابقين الواعدين، لا يزال في الـ16 من عمره، كما أنه رقيق الصوت وخجول، لكن عندما يصعد إلى الدراجة، يتحول إلى شخص عنيف دون تردد ويصر على الوصول إلى القمة، كما أنه جسور للغاية؛ حيث يتسابق في الجبال شديدة الانحدار.

يقف على الدواسات، ويخفض رأسه ويحكم قبضته على مقود الدراجة، ويصك على أسنانه ويحافظ على متوسط السرعة حتى لا ينزلق. وقال جوهان: «إذا لم تستطع تحمل المعاناة، فكيف تكون جيدا؟».

وقال إسرائيل أوتشوا، الذي تسابق في أوروبا ولا يزال يتسابق وهو في الـ47 من العمر: «ركوب الدراجات محل شغف بوياكا، كما أن بوياكا عنصر قوة في مجال الدراجات».

وانطلق يذكر أسماء تلو الأخرى من أبطال السباق الذين نشأوا هنا في المدن الصغيرة وتلألأوا مثل الجواهر.

وقال أوتشوا، مشيرا إلى راكبي الدراجات الشباب الذين يتدربون على الطريق نفسه: «الرجال المحترفون يحثون المتسابقين هنا حتى يسيروا على خطاهم، وحتى يتمكنوا من أن يحلوا محلهم في المستقبل».

ويتمتع المتسابقون الكولومبيون بأجسام رشيقة ويكونون رجالا متواضعين يحيط بهم الأوروبيون ذوو الشأن على طول هذه المساحات الممتدة والشاسعة التي تشهد تسابق راكبي الدراجات بسرعة شديدة ساعة بعد ساعة.

لكن عندما يبدأ الطريق في الانحدار، كما يحدث بصورة مستمرة في كل سباق، يبدأ الكولومبيون في الظهور.

وقد قام لويس (لوتشو) هيريرا، الذي اجتاز مرحلة الجبال، على الرغم من إصابته نتيجة حدوث تصادم، في سباق «تور دي فرانس» عام 1985، بوضع معيار الشجاعة بالنسبة لركوب الدراجات في كولومبيا.

مؤخرا، قام فيكتور هوغو بينا بوصف نفسه بأنه هازم الجبال في فريق لانس أرمسترونغ، كما أن سانتياغو بوتسرو مشهور أيضا في عالم ركوب الدراجات بملك الجبال الذي وصف أسلوبه في التسابق العنيف ذات مرة بأنه أسلوب «مجنون، مغامر، محارب».

وغيرهم العشرات الذين حازوا الشهرة والثروة في إسبانيا وإيطاليا وفرنسا، علاوة على عدد ضخم من السباقات هنا في كولومبيا.

إن الأولاد في بوياكا لا يعلمون سوى إنجازات «النخبة»، كما يطلق على المتسابقين المحترفين هنا.

وقال لويس كارديناس، مدرب في أكاديمية ركوب الدراجات: «89% من الذين يتدربون على هذه الرياضة من الفقراء، فعندما يكونون صغارا، يبدأ شغفهم بالسباق».

إن هذا الدافع مرتبط بما يعتبر أفضل مكان للتدريب لمتسابقي الجبال – الطرق الملتوية التي ترتفع مسافة 9.000 قدم أو ما يزيد على ذلك. كما تشهد بوياكا طقسا من الممكن أن يتغير بصورة سريعة، فمن الممكن أن يتحول من مشمس ومعتدل إلى ممطر وبارد. ويبدو كما لو أن هذا المكان قد تم تصميمه خصيصا لاختبار شجاعة راكبي الدراجات.

وفي صباح أحد الأيام القريبة، كان أولاد في «أكاديمية كارديناس»، التي سميت على اسم فيليكس كارديناس الذي فاز بسباق الدراجات ذات مرة في الدورة الأوروبية، على الطريق وهم يرتدون اللون الأحمر الذي يميز الأكاديمية ويتسابق الركاب الذين تبلغ أعمارهم نحو 14 عاما بسرعة شديدة ويرتدون حقيبة ظهر محكمة الإغلاق وسيقانهم ممتدة وصدورهم بارزة تكاد تلمس مقود الدراجة.

كان أحد هؤلاء المتسابقين، جوهان، الذي لا توجد صلة قرابة بينه وبين المدرب، يتمتع بقدرة خارقة على زيادة السرعة؛ لذا كان الجميع يحاول تقليده.

وصاح المدرب كارديناس بالركاب: «الجميع معا، والآن، جوهان، انطلق، لمسافة 500 متر، أسرع».

وقال كارديناس: إن جوهان ودانيال بايز، 15 عاما، لديهما فرص أفضل حتى يصبحا محترفين. لكنه يرى أن جميع المتسابقين واعدون، حتى الوافدون الجدد الذين يمتازون بطول القامة والنحافة والذين يجاهدون حتى يتمكنوا من مسايرة الآخرين.

وقال كارديناس: «الهدف هنا هو التحكم الشديد في درجاتهم، وهذا يؤدي إلى تجنب الحوادث في سباقات الدراجات».

ويمارسون ركوب الدراجات على طريق سريع ممتلئ بالشاحنات، في بلدة بايبا الصغيرة، على طول الوادي الأخضر، ويقومون باعتلاء جبلين منحدرين متخطيين أبقارا حلوبا ومزارعين قساة.

وصاح كارديناس عند اقتراب السباق من نهايته: «اضغطوا على الدواسة، لم يبق سوى نصف كيلومتر، أحكموا قبضتكم على الدراجة.. برافو». وعند انتهاء السباق، كان المتسابقون يلهثون، وابتسم كارديناس ابتسامة تنم عن الرضا. وأضاف: «التعب جزء من الرياضة، إذا لم تكن لديك القدرة على تحمل التعب، لن تكون لديك القدرة على التدريب، والأهم من ذلك، لن تكون لديك القدرة على المنافسة». وفي هذه الجبال، لا تقتصر التضحية على المتسابقين الشباب.

تدير ماريفيلي ليغويزامون، والدة جوهان، مطعما خارج منزلها، ويقوم والده يفيرسون كارديناس بكل أعمال البناء التي يجدها.

وقالت والدة جوهان: «إن جوهان لا يأكل، بل يلتهم الأكل». وأشارت إلى أن الرياضة التي يمارسها تتطلب استبدال الإطارات والفرامل وغيرهما من المعدات بصورة متكررة. وعندما احتاج جوهان إلى دراجة مرتفعة الأداء لاستخدامها في السباقات، قاما بشراء دراجة بمبلغ 6.000 دولار، بعد أن قاما ببيع منزل صغير للأسرة لتمويل عملية الشراء هذه. وقالت ليغويزامون: «إنه أملنا، ونطلب من الله أن يرعاه ويسانده في هذه الرياضة حتى يصبح محترفا».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»