إغفاءة الطفل أكثر تعقيدا مما يبدو

خليط من بيولوجيا فردية تشتمل على تطور عصبي وهرموني وتوقعات ثقافية

عندما ينمو الأطفال ويقتربون من سن المدرسة يبدأ معظمهم في مقاومة الاستمرار في الغفوة أو يتخلون عن تلك العادة
TT

ما الذي يجعل الطفل يغفو؟ يحب معظم الآباء إغفاءة أطفالهم الصغار ويعتبرون هذه الأوقات لحظات للاستراحة وإعادة لشحن طاقة الآباء والأطفال على حد سواء، إننا جميعا معتادون على الشعور بالقلق الذي يحدث عندما تتأخر إغفاءة الأطفال بصورة زائدة عن الحد أو لا تأتي تماما. لكن سلوك الإغفاء نفسه أصبح من المسلمات، حتى من قبل العلماء المختصين بدراسة طب النوم، كما يعتبر أطباء الأطفال مشاكل الإغفاء في أغلب الأحيان على أنها «تضع حدا» لمشاكل الآباء.

لكن الباحثين يتعلمون الآن أن العملية ليست بسيطة للغاية: فالإغفاء لدى الأطفال سلوك معقد، خليط من بيولوجيا فردية، تشتمل على تطور عصبي وهرموني وتوقعات ثقافية وسلوكيات الأسرة.

وما يريد الآباء معرفته في العادة هو طول المدة التي يجب أن يغفو فيها الطفل. ويعود تاريخ هذا القلق إلى مئات السنوات: ففي العقد الأول من القرن العشرين، نشر خبراء أوروبيون دراسات أصلية قامت بقياس أنماط النوم لدى الأطفال وفي الحال بدأوا يخشون ألا يكون الأطفال يحصلون على قدر كافٍ من النوم.

واليوم، يعتقد باحثون أن كل طفل صغير يغفو لأن ما يسمى بضغط النوم يحدث بصورة سريعة في دماغهم، أي أن الحاجة إلى النوم تتزايد بسرعة خلال ساعات الاستيقاظ لدرجة أن الإغفاءة تعد ضرورة بيولوجية. ولا تتعلق المسألة فقط بطول المدة التي يحتاج الأطفال فيها إلى النوم في اليوم بأكمله. وبسبب النشاط المعقد والمكثف الذي يحدث في أدمغتهم شديدة النشاط والمتصلة جيدا بالعالم الخارجي، نجد أن الأطفال الصغار أقل قدرة على الاستمرار فترات طويلة من الوقت دون نوم.

في أوائل الثمانينات من القرن الماضي، افترض الدكتور ألكسندر بوربيلي، أستاذ علم الصيدلة بجامعة زيوريخ بسويسرا، وجود «عمليتين لتنظيم النوم»؛ العملية الأولى هي «عملية إيقاعية»، تم تحديد موضعها في مكان محدد من المخ، وهي تعمل مثل الساعة، وتقوم بربط النوم بجداول زمنية ودورات النور والظلام، بغض النظر عن المدة التي استغرقناها أو لم نستغرقها في النوم. وتتفاعل هذه العملية مع العملية الأخرى «العملية المتعلقة بالاستقرار الداخلي للكائنات الحية» التي تعمل بصورة مختلفة، وتدفعنا بشدة نحو النوم كلما طال بقاؤنا مستيقظين وتعمل على بناء ضغط النوم، ويمكن قياسها باستخدام تسجيلات رسم المخ.

وقال الدكتور أوسكار جيني، طبيب الأطفال ومدير مشروع تنمية الطفل في مستشفى الأطفال الجامعي في زيوريخ، إن الإغفاء يحدث «لأن الأطفال لديهم استقرار داخلي أسرع للنوم، حيث ينمو لديهم ضغط النوم بصورة أسرع، إنهم لا يستطيعون بدرجة كبيرة البقاء مستيقظين لفترة أطول».

وبصورة عامة، فإن الأطفال الجدد ينامون لفترات قصيرة خلال الأوقات التي تقع بين إطعامهم نهارا وليلا. وعندما يكبرون، ينامون ليلا ليستيقظوا نشطاء في وقت مبكر من الصباح كما يغفون في الصباح؛ ليعودوا ويستيقظوا مرة أخرى للعب وتناول الطعام، ثم يغفون مرة أخرى في وقت الظهيرة.

وفي بعض الأحيان وبعد مرور عام، تتقلص هاتان الغفوتان إلى غفوة واحدة فقط، تكون عادة في وقت متأخر من الصباح أو وقت مبكر من الظهيرة. وقال الدكتور جوديث أوينز، طبيب الأطفال ومدير قسم طب النوم بالمركز الطبي القومي للأطفال بواشنطن «إن تعليل أخذ غفوة الظهيرة بحلول الثالثة مساء هو بناء دافع كاف للنوم حتى تتمكن من النوم مساء». وعندما ينمو الأطفال ويقتربون من سن المدرسة، يبدأ معظمهم في مقاومة الاستمرار في الغفوة أو يتخلون عن تلك العادة. لكن هناك قدرا كبيرا من التنوع الفردي هنا، كما يعاني الكثير من الآباء مع الطفل الذي يبدو متحمسا لعدم أخذ غفوة. وتحدث المشاكل في بعض الأحيان لأن التخلي عن الغفوة يتعارض مع البرنامج اليومي للآباء أو النظام اليومي داخل مراكز الرعاية اليومية. وفي بعض الأحيان يرى الآباء فورة غضب الأطفال وتذمرهم والسلبية التي تحدث نتيجة لشعورهم بالتعب وهذا دليل على أن الطفل ليس مستعدا لأن يستكمل يومه دون أن يغفو. وقال الدكتور أوينز: «إنه بحلول سن الخامسة، يقلع 80 في المائة من الأطفال عن الإغفاء، وهذا يعني أن واحدا من كل 5 أطفال يستمر في الإغفاء».

وكان الدكتور جيني، أحد مؤلفي دراسة كبيرة نشرت عام 2003 بصحيفة «طب الأطفال» التي قامت بقياس مدة النوم خلال فترة الطفولة. وقام هو وزملاؤه بتسجيل انخفاض مدة الغفوة نهارا وزيادة المدة التي يقضيها الأطفال في النوم ليلا أثناء فترة نمو مجموعة من الأطفال السويسريين. كما وجدوا أن احتياجات الأطفال من النوم وأنماط النوم تعمد إلى أن تكون متوافقة في العاشرة من العمر. وبعبارة أخرى، فإن الأطفال الذين ينامون فترات تقل عن نظرائهم وهم رضع عندما يكبرون يحتاجون إلى أن يناموا فترات أقل أيضا. وأوضحت دراسة أجريت عام 2005 على أطفال أميركيين تتراوح أعمارهم بين 3 و8 سنوات وجود اختلافات ملحوظة بين الأطفال البيض والسود أيضا. وبينما كانت مدة النوم الكاملة التي تستغرقها المجموعتان متشابهة، فإن الأطفال السود يغفون فترات أطول كما أنهم عندما يكبرون يتخلون عن الإغفاء.

ورغم النتائج الغريبة، لا تزال دراسة أنماط الإغفاء في بدايتها. كما أن الخبراء على وشك فهم الأسس البيولوجية وراء ذلك.

وقد أجرت الدكتورة مونيق لو بورغواز، عالمة متخصصة في طب النوم بجامعة كولورادو في بولدر مع زملائها الدراسة الأولى عن كيفية تأثير الإغفاء على استجابة كورتيزول اليقظة، وهو اندفاع إفرازات هرمونية معروف أنها تحدث بعد فترة قصيرة من الاستيقاظ في الصباح. وقد أوضحوا أن الأطفال يحدثون تلك الاستجابة بعد أخذ إغفاءات قصيرة في الصباح والظهيرة، وليس في المساء، وربما تكون مساعدة الأطفال في الاستجابة لضغوط اليوم أمرا قابلا للتكيف.

ومن خلال وضع حد لنوم الأطفال الصغار بصورة تجريبية، ثم تحليل سلوكهم أثناء تركيب ألعاب الألغاز بعضها مع بعض، تقوم مجموعة الدكتورة لو بورغواز بتحديد ما إذا كانت كيفية الغفوة - أو عدم الإغفاء - تؤثر على أساليب استجابة الأطفال للمواقف المختلفة. وقالت «إن الأطفال النائمين لا يكونون قادرين على مسايرة التحديات اليومية في عالمهم»، عندما يتخلى الأطفال عن أخذ غفوة واحدة «يكون هناك القليل من الإيجابية والكثير من السلبية وكذلك انخفاض المشاركة المعرفية».

لكن بالنسبة للآباء والعلماء على حد سواء، هناك الكثير من الأسئلة غير المجابة مثل متى يكون الوقت مبكرا للغاية للإقلاع عن الإغفاء؟ أو متأخرا جدا للتمسك بالإغفاء؟ وكيف تؤثر الأنماط الأسرية والعادات الثقافية على العمليات الإيقاعية والعمليات التي تتعلق بالاستقرار الداخلي للطفل؟

وقالت لو بورغواز: «أعتقد أن هناك حاجة ماسة للبالغين بصورة عامة أن يكونوا منسجمين مع فسيولوجيا الأطفال. وأن يعلموا ما هي قدرات الأطفال وما هي حدود طاقاتهم؟».

إن هذا السلوك اليومي في فترة الطفولة، الذي يكون في العادة مصدرا لعناء الأسرة، هو نتيجة التوقعات العائلية والثقافية بالإضافة إلى البيولوجيا المعقدة، التي تتغير عندما يكبر الطفل.

وقال الدكتور جيني: «إذا توقف الطفل عن الإغفاء، فإن هذا يمثل النضوج العصبي».

* خدمة «نيويورك تايمز»