خطابات الزعماء في الأمم المتحدة كانت مطبوعة.. حسب الأصول

رؤساء المكسيك ولبنان والأرجنتين شذوا عن القاعدة وقدموها مكتوبة بخط اليد.. لماذا؟

TT

الرسالة المكتوبة بخط اليد تعكس عادة علاقة شخصية بين كاتبها ومتلقيها، وهذا بعكس الرسائل المطبوعة، التي ينظر إليها على أنها رسمية بلغتها ومحتواها. لكن ماذا بالنسبة للخطابات الرسمية لزعماء الدول، وكيف تفهم هذه المسألة، خصوصا عندما يقف بعضهم على منصة في المحافل الدولية الرسمية وبيده خطاب مكتوب بخط اليد في عصر تسيطر عليه التكنولوجيا الحديثة. فما هي المسألة الشخصية في الموضوع.

وفي هذا الأسبوع وبسبب حساسية الموضوع المطروح أمام الأمم المتحدة وهو مشروع قرار لقبول عضوية فلسطين كدولة في المنظمة الدولية، نشرت العديد من الصور لرؤساء الدول وهم يلقون خطاباتهم أمام الجمعية العامة في دورتها الجديدة. وتبين من الصور التي نشرت أن معظم الخطابات للرؤساء كانت مطبوعة، لكن بعضها كان مكتوبا بخط اليد.

وفي لقاء الأمم المتحدة كان زعيم كل دولة خطابه يضع المطبوع على منصة إلقاء الخطب أمامه، وكان هذا هو المتوقع، لأنه أصبح معروفا أن هناك خبراء يساعدون الرؤساء في كتابة خطبهم الرسمية، والتي تعتبر وثائق رسمية يحتفظ بها كأوراق للدولة في أرشيفاتها والتي تشكل مادة بحث للمؤرخين والمهتمين في المستقبل. ويقوم المساعد أو المساعدون بصياغة الخطاب، ليس لعدم قدرة رئيس الدولة على توضيح سياساته أو سياسات حكومته وبلده، لكن لانشغال الرئيس في أمور عدة وقد لا يجد متسعا من الوقت لكتابة مثل هذه الخطابات، كما يريد أن يتأكد المساعد ألا تكون هناك أخطاء أو تقصير لحساسية الأمور الرسمية، وتكون هذه الوثيقة قد نقحت مرات ومرات من قبل عدة أشخاص ومن الرئيس نفسه قبل الوصول إلى الصيغة النهائية. لكن كل هذا يتناقض مع الخطاب المكتوب بخط اليد.

قبل أيام عرضت هيئة البث البريطاني (بي بي سي) برنامجا حول عمل الوزراء وعلاقتهم بالمساعدين الخاصين الذين يطلق عليهم اسم (سباد)، وهي الأحرف الأولى لكلمتين «مستشار خاص». وبين الفيلم الوثائقي نفوذ هؤلاء في جهاز الدولة الإداري وتأثيرهم داخل الوزارات المختلفة. ويتأكد هؤلاء أن يلم الوزير إلماما تاما بسياسات الحكومة من خلال التقارير التي تقدم إليه يوميا حول شتى مواضيع الساعة وأن يكون جاهزا لأي أسئلة توجه إليه من قبل وسائل الإعلام أو أعضاء البرلمان خلال المساءلات أمام المعارضة.

وبين البرنامج جهل بعض الوزراء بعمل مساعديهم ودورهم في آلية العمل الحكومي، لدرجة أن بعضهم تفاجأ عندما حاول أحدهم مناقشة مساعده بما يجب عمله في ذلك اليوم بناء على المحادثة التي تلقاها، أي الوزير، من دائرة حكومية أخرى. وفي هذه المناسبة قال الوزير السابق في الحكومة العمالية آلن جونسون في البرنامج إنه تفاجأ عندما رد المساعد قائلا «طبعا أعرف ذلك»، وتساءل الوزير جونسون قائلا «وكيف تعرف ذلك، لقد وضعت سماعة التليفون للتو». ورد المساعد معتذرا «لقد سمعت المحادثة وأعرف ما دار من نقاش». ومن هنا عرف الوزير جونسون أن التنصت على مكالمات الوزير مشروع خلال وجوده في مكتبه، وهو في لب عمل المساعد، ولم يكن من باب الفضول والنميمة. التمييز بين ما هو شخصي ورسمي يترك لتقدير المساعد، وهذا ما قاله وزير القضاء كنيث كلارك، وزير الخزانة سابقا، والذي واجهه نفس الموقف. وأضاف كلارك أن المساعد قد يضع سماعة التلفون لو تبين له أن المكالمة شخصية وأن الشخص الذي على الطرف الآخر هو قريب أو صديق، وأن المكالمة لا تمت إلى سياسات الدولة، وهذا ما يترك للتقدير الشخصي للمساعد.

طبعا الموضوع يتناول بريطانيا الشهيرة بسجلاتها، وربما ما زالت تتمتع بأفضل جهاز توثيقي في العالم وإداري آخر رفيع المستوى.

ولهذا يتوقع الشخص أن خطاب رئيس الوزراء البريطاني في الأمم المتحدة وبسبب حساسية الموضوع أن يكون قد مر على العديد من المساعدين والخبراء والمتخصصين قبل أن يسلم بصيغته النهائية إلى ديفيد كاميرون، وكذلك الأمر بالنسبة للرئيس الأميركي باراك أوباما، والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ورئيسة البرازيل ديلما روسيف الذين ظهر جميعهم بخطابات مطبوعة. لكن كانت هناك أيضا خطابات كتبت بخط اليد، مثل خطاب الرئيس اللبناني ميشال سليمان، وخطاب الرئيس المكسيكي فليبي كالديرون ورئيسة الأرجنتين كريستينا فيرنانديز. ولهذا يصبح السؤال الملح، ليس فقط من كتب خطاب الرئيس، لكن المهم في الموضوع هو: ما هي الآلية الإدارية التي اتبعت والخطوات التي اتخذت في الحالة اللبنانية مثلا قبل الوصول إلى الصيغة النهائية في الخطاب.

لقد حاولت «الشرق الأوسط» الاتصال بالقصر الجمهوري اللبناني للإجابة عن بعض الأسئلة، مثل من كتب خطاب الرئيس، وهل كتبه بنفسه وبخط يده وبدون استشارة مساعديه، وإذا قدم للرئيس اقتراحات، هل قدمت مطبوعة ثم تم نقلها بخط اليد من قبل الرئيس أو أحد مساعديه، ولماذا لم يطبع الخطاب، وماذا سيحصل له، أي الخطاب، هل سيحتفظ به كما جاء ضمن وثائق الدولة. ولكن للأسف لم تتمكن «الشرق الأوسط» من الحصول على إجابات بسبب تعذر الوصول للمتحدث الإعلامي باسم الرئيس ومساعده ووجودهم معه في نيويورك.

كما تنطبق هذه الحالة وتثار حولها نفس الأسئلة بخصوص المكسيكي فيليبي كالديرون والأرجنتينية كريستينا فيرنانديز، كونهما رئيسين لدولتين كبيرتين على المسرح العالمي، من الناحيتين الاقتصادية والسياسية.

مهمة حفظ الوثائق الرسمية مثل الخطابات من قبل الجهاز الإداري أصبحت تواجه صعوبة مع وسائل التكنولوجيا الحديثة، مع توفر التليفونات الجوالة والمدونات والبريد الإلكتروني.

وفي الأيام الأخيرة تفجرت فضيحة جديدة في بريطانيا بسبب مراسلات الوزراء من خلال الحسابات الخاصة بعيدا عن جهاز الدولة الإداري المسؤول عن هذه الأمور. وعقد قبل أيام كبار الجهاز الإداري في الحكومة البريطانية اجتماعا لمطالبة رئيس الوزراء ديفيد كاميرون وأعضاء آخرين في حكومته بفتح الحسابات الشخصية من أجل الاطلاع عليها للتأكد من خلوها من أي معلومات حساسة تخص الدولة، والتأكد أنها لا تتعارض مع قانون «حرية المعلومات». وقال متحدث باسم مفوض مكتب الإعلام، الذي يراقب عملية تنفيذ قرار «حرية المعلومات» بأن ما يكتبه الوزراء قد يقع ضمن هذا القانون إذا اتضح أن المعلومات تخص أعمال الحكومة. وهذا يفتح الباب على مصراعيه أمام مطالبة بعض الأشخاص بحق الاطلاع على البريد الإلكتروني للوزراء. وناقش كبار الجهاز الإداري كيف على الوزراء أن يثبتوا أن بريدهم الشخصي لا يتناول أي قضايا تخص عمل الدولة والحكومة.

والقضية أصبحت نقاش الساعة في بريطانيا بعد أن تبين أن وزير التعليم البريطاني مايكل غوف استخدم بريد زوجته الإلكتروني لمناقشة بعض قضايا التعليم وطلب من بعض مستشاريه أن يزودوه ببعض الوثائق التي قدمها بعض العاملين في الجهاز الإداري.