«الطيب العربي».. من رحلات عابرة إلى إحدى الأساسيات في المجتمع الخليجي

إصدار يرصد سر الصنعة ويكشف الوثائق التاريخية لذلك العالم الساحر

صورة غلاف كتاب «عالم الطيب العربي» ويظل البخور والطيب والعود من رموز الكرم في السعودية ومنطقة الخليج («الشرق الأوسط»)
TT

إذا كان عالم الطيب العربي، بمثابة سحر له رونقه الخاص في حياة الرجل والمرأة في المجتمع الخليجي على حد سواء، فإنه يعد، كذلك، قاسما مشتركا في كافة الاحتفاليات والمناسبات العامة والاجتماعية، لأهل الخليج، لما يشغله من حيز اهتمامهم وعنايتهم الخاصة.

وللإبحار في عالم الطيب العربي، والتعرف على كافة أسراره وخباياه، وتمازجه مع الروح الشرقية في الخليج وشبة الجزيرة العربية، خرج إصدار مطبوع صدر عن شركة «الوراقون للنشر» بمملكة البحرين، ليحكي الكتاب الحقبة الزمنية الأولى لرحلة الطيب من موطنه الأصلي وحتى بلوغه الجزيرة العربية، ليقدم رصدا تاريخيا يتعرف من خلاله القارئ على أشهر المحطات التجارية بمنطقة الجزيرة العربية، ومختلف أنواع الطيب العربي، التي تتجاوز 30 نوعا، وعملية نقلها وتداولها عبر قوافل تجارية في ذلك الوقت.

فتطل جزيرة «سرنديب وسواحل وشواطئ سلطنة عمان وعدن» وغيرها، كمحطات أولى في تلك الرحلة العطرية للطيب العربي، ولتستقر فيما بعد كأهم سلعة تجارية بأشهر الأسواق العربية، كسوق عكاظ، وصحار، وحضرموت، بجانب غيرها من الأسواق المصرية والعراقية.

ومن خلال دراسة بحثية مستفيضة قام بها الوراقون، تتم معرفة تلك المحطات على طبيعتها، وترصد أهمية أنواع الأطياب العربية، كعنصر داخل هذه الأسواق، حيث كانت قيمتها تقترب خلال هذه الحقبة الزمنية من قيمة المجوهرات والحلي، لذا فقد كان يتم تداولها بل وإهداؤها كهدايا ذات شأن وقيمة خاصة بين الملوك والأمراء في المنطقة.

ويحوي الكتاب في طيات رحلة يرصد فيها مسيرة قوافل الطيب العربي داخل منطقة الخليج العربي، ليعرف المتابع لتلك الرحلة القصصية، كيف استطاع الطيب أن يصل إلى هذه المنطقة، ثم يصبح عنصرا أساسيا بل وشريكا في كافة مناحي الحياة، سواء عند الرجال أو النساء، ولا يتجاهل الكتاب نقل قارئه ما بين ربوع طقوس وتقاليد التطيب اليومية، وتطييب الضيوف والاحتفاء بالمواليد الجدد، بل والتداوي من أعراض بعض الأمراض، وكذلك طرق استخدام الطيب العربي للتبارك عند الزواج.

وتستمر رحلة الكتاب البحثية والموثقة بالصور الفوتوغرافية النادرة، لتبحر بصورة أكثر استفاضة ما بين أشهر أنواع الطيب العربي المتعارف عليها والمستخدمة في منطقة الخليج، فعن عالم العود ودهن العود، يقدم الكتاب من خلال زيارته للمنابع الأصلية، التي يتم من خلالها الحصول على أنواعهما المختلفة بالقارة الآسيوية، وتحديدا بتايلاند، ليقدم مشاهد ضوئية لمراحله المختلفة من استخراج العود، والصعوبات التي تعترض هذه المراحل الشاقة، ليصل لطريقة سر صنع العود، من خلال سبر أغوار إعداد دهن العود كمرحلة نهائية لتلك الرحلة.

ويذهب الكتاب الوثائقي، ليلقي الضوء على أجود أنواع العود، وكيفية اكتشاف التدليس (الغش) من قبل البعض فيه، والاستخدامات المختلفة له، وكذلك فوائده التي لا تنحصر فقط في التطيب والتجميل، بل تتعداهما إلى العلاج والدخول في صناعة بعض المنتجات التجميلية والدوائية، وبنفس الصورة ينقلك الكتاب إلى المملكة العربية السعودية وتحديدا لمدينة الطائف (غرب المملكة)، في جولة تعيش من خلالها رحلة تصنيع زيت الورد وماء الورد الطائفي، فيما يقدم كشيء من المقارنة بين تلك الصناعة ومثيلتها في سلطنة عمان، والفروق النوعية بينهما، واستخدامات وفوائد كلا النوعين.

وتستمر الرحلة داخل السلطنة، لتعيش بين صفحات الكتاب داخل عالم اللبان العماني، الذي يعد أجود أنواع اللبان المستخرجة والمعدة على المستوى العربي، بل يعده المهتمون بتلك الصناعة بأنه أشهر أنواع الطيب والمواد المستخدمة في صناعة البخور.

وبتتبع صفحات كتاب «الطيب العربي»، تطوف بين ربوع محافظة ظفار العمانية، حيث يتم استخراج اللبان من شجرة اللبان العماني، تلك الشجرة التي ورد ذكرها في الكثير من الكتب البحثية، بل والدينية، حيث تعد ذات مكانة تاريخية خاصة، وتتعرف على مراحل استخراج وإعداد اللبان العماني. ولا ينسى الكتاب أن يقدم صورة تفصيلية عن أهم الأدوات التقليدية المستخدمة في هذه العملية الشاقة، كما يكشف لك عن الكثير من المجالات الجديدة التي يمكنك استخدام وتوظيف اللبان العماني فيها، كما هو الحال في التجميل.

ولا تتوقف تلك الرحلة المشوقة عند هذا الحد، فبنفس الصورة تتعرف من خلال هذه الجولة البحثية المصورة على كافة مفردات عالم الزعفران والصندل، كاثنين من أهم وأبرز أنواع الأطياب العربية، وطريقة استخدامهما في مجال تخليق وتصنيع بعض العطور العربية.

كما ينتقل الكتاب لداخل عالم الأطياب العربية ومثبتات العطور ذات الأصول الحيوانية كالمسك والعنبر، ويزخر بالكثير من المعلومات البحثية النادرة عن طرق الاستخراج والتصنيع، بل والصعوبات التي تكتنف عالمهما، والأنواع المختلفة لكل منهما، وتفاوت درجات جودتهما، حتى يصل للمحطة الأخيرة، من حيث توظيف كافة هذه الأطياب العربية أو بعضها لتصنيع البخور العربي الأصيل، الذي يتم عرضه في الكتاب عبر صور توضيحية لطرق تصنيعه بشكل تقليدي، وخاصة على أيدي ربات البيوت والحواجين (العطارين)، بالإضافة إلى تصنيع المباخر العربية التقليدية المستخدمة لاستعمالها بصورة يدوية بكافة أشكالها وتنوعاتها.

وقدمت الشركة المنتجة لدليل الطيب العربي إصدارها الخاص (عالم الطيب العربي) باللغتين العربية والإنجليزية، حيث عمدت من خلال هذا الإصدار الجديد لتقديم بانوراما تصويرية للطيب العربي، كما يستخدم في الوقت الراهن وفي الحياة اليومية.