التطوير المهني لمعلمي العلوم وسيلة رئيسية للارتقاء بتدريسها

تشجيع الطلاب على الاهتمام بأساسيات ومهارات العلوم والرياضيات يجب أن يمتد ليصبح قضية مجتمعية

TT

تعليم وتعلم العلوم والرياضيات، من القضايا التربوية العالمية بالغة الأهمية التي تشغل حاليا اهتمام الكثير من الأوساط التربوية والتعليمية والعلمية، بل وحتى القيادات السياسية، لدورها الحيوي في قوة ومكانة وتقدم المجتمعات وإعداد وتشكيل جيل جديد قادر على استيعاب والتعامل بنجاح مع إنجازات ومعطيات العلوم والرياضيات المتسارعة وانعكاساتها على الحاضر والمستقبل.

وحيث إن المعلم عنصر حيوي في العملية التعليمية، وبخاصة في تعليم وتعلم العلوم والرياضيات، التي تشهد حاليا عزوفا وعدم إقبال على تعلمها والاهتمام بها من قبل الكثير من الطلبة، بل ومن عامة الجماهير أيضا، لهذا فإن التطوير المهني لمعلمي العلوم يعد إحدى أهم الوسائل الرئيسية للارتقاء بتدريس العلوم.

ورغم الاتجاهات الحديثة في تعليم العلوم والرياضيات، التي أوصت بها الكثير من الدراسات والبحوث، فإنه ما زال هناك من المعلمين من يستخدم الطرق التقليدية في التدريس، التي تشجع على الحفظ والتلقين وتفتقد لعامل الإثارة، ويكون فيها دور الطلبة سلبيا يقتصر فقط على الاستماع من المعلم وحفظ الحقائق والمعلومات ثم استظهارها مرة أخرى، فهي تهتم كثيرا بالجانب المعرفي على حساب الجوانب الوجدانية والمهارية والسلوكية ذات الأهمية، كما تحد من حرية التفكير والخيال والنقد والاستنتاج لدى الطلبة، وبالتالي فإن هذه الطرق التقليدية في التعليم، تبعث على الملل وعدم الإقبال على تعلم العلوم والرياضيات والوعي والاهتمام بها.

وعلى اعتبار أن المعلم عنصر مهم في تحبيب وتشجيع وإلهام الطلاب للإقبال والاهتمام بتعلم مواد دراسية معينة أو عزوفه عنها، لهذا، هناك حاليا اتجاهات عالمية متزايدة نحو الاهتمام دائما بمعلمي العلوم والرياضيات، وتدريبهم باستمرار على كيفية استخدام الاتجاهات الحديثة في تعليم وتعلم وتبسيط العلوم والرياضيات وكيفية توصيلها للطلبة، وبخاصة العلوم الحديثة والعصرية التي لا غنى للمجتمعات البشرية عن معرفتها وخدماتها والضرورية لتحقيق التقدم والمنافسة العالمية.

في تقرير مهم من 108 صفحات، صدر في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي، عن مجلس مستشاري الرئيس الأميركي أوباما للعلوم والتكنولوجيا التابع للبيت الأبيض، بعنوان «إعداد وإلهام: من الحضانة حتى الصف الثاني عشر، تعليم العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، من أجل مستقبل أميركا»، جاء ضمن توصياته، أن استقطاب وتدريب 100 ألف من معلمي هذه المجالات العلمية، خلال العشر سنوات المقبلة من شأنه أن يساهم في إعداد وإلهام الطلاب للاهتمام بهذه المجالات، حيث يشير التقرير إلى أن أهم عامل لضمان التميز هو في وجود معلمين أكفاء، لديهم المعرفة الكافية في مجالات هذه المواد العلمية وإتقان المهارات التربوية اللازمة لتدريس هذه المواد بشكل جيد. ويضيف التقرير أنه يجب على الحكومة الفيدرالية أن تضع هدفا لضمان أن يتم خلال العقد المقبل استقطاب وإعداد ودعم 100 ألف على الأقل من معلمي المواد العلمية في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، في المراحل المتوسطة والثانوية، ممن لديهم تخصصات قوية في مجالات هذه المواد، ولديهم أيضا المهارات التربوية الخاصة، وذلك عن طريق الدعم الكبير للبرامج المعدة خصيصا لتخريج مثل هؤلاء المعلمين. وقد أشار الرئيس أوباما إلى أهمية تعليم العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، في خطاب «حالة الاتحاد» الذي ألقاه أوائل العام الحالي. ويشمل تحالف دعم برامج تعليم هذه المجالات العلمية كلا من وزارة التعليم الأميركية ومؤسسة العلوم الوطنية وغيرها من الوكالات التي تقدم برامج ذات صلة بتعليم هذه المجالات، كما يمثل هذا التحالف، جميع قطاعات القوى العاملة في التكنولوجيا، من العاملين في مجال المعرفة والمربين، إلى العلماء والمهندسين والفنيين، وذلك لضمان جودة التعليم على جميع المستويات.

ومن بين الاتجاهات العالمية الحديثة لتطوير قدرات ومهارات المعلمين بالمدارس باستمرار، الاتجاه نحو إيجاد نوع من التعاون الوثيق الشامل والمتكامل بين وزارات التربية والتعليم والجامعات، للاستفادة من إمكانات وقدرات أعضاء هيئة التدريس بكليات العلوم والتربية بالجامعات، من خلال ورش عمل ودورات وفعاليات ومؤتمرات وندوات وحلقات نقاشية مهنية متخصصة، لتطوير مهارات معلمي العلوم والرياضيات في المدارس وإكسابهم طرق واتجاهات التدريس الحديثة والمتطورة، وأهمية التأكد من أثرها الإيجابي على الطلبة طوال العام الدراسي، من خلال عمليات التقييم والمتابعة المستمرة للمعلمين والطلبة. وضرورة استقطاب المتميزين والموهوبين من أعضاء هيئة التدريس بكليات العلوم والتربية لزيارة المدارس، وتدريس بعض مواد ووحدات العلوم والرياضيات في المناهج الدراسية وبخاصة الاتجاهات الحديثة منها، كالنانوتكنولوجي (التقنيات متناهية الصغر)، والروبوتات والذكاء الصناعي والخلايا الجذعية، مع إتاحة الفرصة للطلبة لزيارة معامل كليات العلوم لتقريب هذه الاتجاهات والمواد العلمية لأذهان الطلبة ولبيان مدى أهميتها عالميا، ومن ثم تشجيع الطلبة على إثارة اهتمامهم بالومن الجوانب الأخرى المهمة لتشجيع الاهتمام بالعلوم والرياضيات والمكملة والموازية لدور المعلمين، أن يكون هناك اهتمام متزايد بإعداد كتب علمية مبسطة للأطفال والشباب وعامة الجمهور. علوم والرياضيات واتجاهاتها الحديثة، وإدراك وتقدير قيمة العلم ودور العلماء في خدمة البشرية وصياغة الفكر الإنساني ورفاهية المجتمعات والدول، وبالتالي إحداث حركة علمية متميزة في المدارس، وأهمية أن يكون هناك مقررات دراسية بالجامعات تتناول تدريب المعلمين حول كيفية تبسيط العلوم والتعامل معها وإثارة اهتمام الطلاب بها وتطبيقاتها في مختلف جوانب الحياة اليومية، لربط العلوم بالمجتمعات، ومن ثم بيان قيمتها وأهميتها في حياة الأفراد.

ولضمان الارتباط والاتصال والتعاون الدائم ما بين العلماء والمدارس واستقطاب واستدعاء العلماء لزيارة المدارس والحديث للطلاب عن بعض المواد العلمية في المناهج الدراسية المدرسية، قامت مجلة «ساينتيفك أميركان» العلمية الشهيرة، بالإعلان خلال شهر مايو (أيار) الماضي، عن تنظيمها لبرنامج بعنوان «1000 عالم في 1000 يوم»، يتضمن دعوة من لديهم الاستعداد للتطوع من العلماء المهتمين بالعمل مع الطلاب وتقديم المشورة بشأن مناهج العلوم المدرسية والدعم الأكاديمي لمعلمي العلوم في تدريس مواد علمية معينة في الفصول الدراسية والإجابة عن تساؤلات الطلبة أو دعوة طلاب المدارس لزيارة معامل هؤلاء العلماء والتعرف عن قرب على ما يقومون به من تجارب مفيدة للمجتمع، وذلك بتسجيل أسمائهم لدى المجلة ضمن دليل للعلماء الراغبين في القيام بذلك. وتأمل المجلة أن يكون متاحا للمعلمين مع بداية العام الدراسي الحالي (2011 - 2012)، فعندما يكون في الفصول المدرسية أمام طلاب المدارس قدوة ونماذج علمية شهيرة، يمكن أن يشجع ذلك مزيدا من الطلاب للاهتمام بالدراسة والتخصص في مجالات العلوم والرياضيات والتكنولوجيا والهندسة.

ومن الجوانب الأخرى المهمة لتشجيع الاهتمام بالعلوم والرياضيات والمكملة والموازية لدور المعلمين، أن يكون هناك اهتمام متزايد بإعداد كتب علمية مبسطة للأطفال والشباب وعامة الجمهور. تكون مطبوعة جيدا ومزودة بصور ورسوم توضيحية جذابة تشجع على الإقبال عليها، وكذلك أهمية الاهتمام بالصفحات العلمية بالصحف والمجلات، والبرامج العلمية في وسائل الإعلام، من خلال استقطاب كتاب ومؤلفين علميين يتمتعون بالقدرة والمهارة على تبسيط العلوم وجذب الأجيال الناشئة لمتابعتها والاهتمام بها، وبخاصة التي تتناول الاتجاهات العلمية العالمية الحديثة ذات الاهتمام العالمي المتزايد حاليا وتوضيح تطبيقاتها في حياتهم اليومية، مع أهمية إجراء مسابقات علمية حول مضمون هذه الكتب، للتأكد من مدى استيعاب وفهم الطلبة لمحتواها، مع تكريم المتميزين من الطلبة الفائزين لتشجيع الآخرين. ولزيادة اهتمام الطلاب بالعلوم والرياضيات وتنمية مهاراتهم العلمية، هناك أيضا أهمية لإقامة معارض علمية مدرسية وتشجيع الطلاب على المشاركة فيها بمشاريعهم العلمية. وتثير مسألة تعليم وتعلم العلوم والرياضيات في مدارسنا وجامعاتنا، الكثير من التساؤلات المهمة والمشروعة التي تتطلب اهتماما من المسؤولين وذوي الاختصاص والاهتمام، من قبيل: ما هي أفضل الممارسات والأساليب التربوية لتطوير تعليم وتعلم العلوم والرياضيات في مدارسنا وجامعاتنا؟ وهل هناك جسور للتعاون بين كليات العلوم والتربية بالجامعات والمدارس لتطوير العلوم والرياضيات وتدريب معلميها باستمرار من خلال دورات تعليمية وعملية؟ وكم نسبة معلمي العلوم الحاصلين على شهادات متخصصة في العلوم ونسبة الحاصلين على دورات عامة في تدريس العلوم ودورات خاصة في كل مادة علمية؟ وكم نسبة من يشعرون بأنهم مؤهلون لتدريس العلوم ومن يشعرون بأنهم غير مؤهلين لذلك ويدركون الحاجة للتطوير المهني لتدريسهم للعلوم؟ وهل يتم الوصول والتعرف على الطلبة الذين لا يحبون العلوم ومعرفة أسباب ذلك؟ وما هي المهارات العلمية الضرورية للحياة التي يمكن تعلمها ومدى ارتباطها بالوظائف المستقبلية؟ وما هي الأنشطة العلمية خارج نطاق الدراسة التي تشجع الطلاب على دراسة العلوم وتجعل الاهتمام بها أكثر متعة وفائدة؟ وما هي المعلومات التي يعرفها الطلبة وأولياء أمورهم عن الوظائف المتاحة والمرتبطة بدراسة العلوم والرياضيات؟ وكيف يمكن استكشاف والتعرف على المواضيع والمجالات العلمية ذات الاهتمام من قبل الطلبة؟ وهل تتم مناقشة مزايا حصول الطلبة على درجات علمية في العلوم والرياضيات وكيفية تحقيقهم لأهدافهم من خلال دراستها؟ وكيف يمكن تحسين التفاعل والتعاون بين أقسام العلوم بالجامعات ومعلمي العلوم بالمدارس؟ إلى غير ذلك من أسئلة يفيد الإجابة عنها في وضع أسس وأساليب ومعايير فعالة لتطوير تعليم وتعلم العلوم والرياضيات.

قضية دراسة كيفية إعادة تشجيع اهتمام طلابنا وعامة الجماهير بأساسيات ومهارات العلوم والرياضيات، تعد من القضايا العاجلة والمسؤوليات المشتركة التي ينبغي ألا تشغل فقط اهتمامات وزارت التربية والتعليم والجامعات، بل يجب أن تمتد لتصبح قضية مجتمعية ملحة تهم الجميع وتتطلب دعوتهم للمشاركة الجادة بالمناقشة والحوار بهدف الوصول لتوصيات فعالة وعاجلة يتبناها الجميع حرصا على حاضر ومستقبل أمتنا وأجيالنا.