الخطاط الهندي إرشاد فاروقي يمنح الخط الإسلامي شكلا فريدا بنحته على الخشب

قيمة لوحاته تصل إلى 125 ألف روبية هندية

يستغرق إعداد اللوحة الواحدة بين أسبوع و3 أشهر حسب المطلوب ودرجة صعوبتها («الشرق الأوسط»)
TT

في الوقت الذي يموت فيه فن الخط الإسلامي الجميل موتا بطيئا في الهند، هناك شخص واحد يعمل على إعطائه عمرا جديدا في شكل فريد من نوعه، فهو ينحت آيات من القرآن على الخشب.

وتعلم إرشاد فاروقي بالممارسة فن كتابة الخط الإسلامي النادر في الهند، مستخدما مادة صلبة وكثيفة مثل الخشب، إلا أنه يتمتع بقدرة نادرة على تطويع هذه المادة بمهارة تحولها إلى تحفة فنية مبهرة.

وتشمل قائمة المعجبين بفنه شخصيات مهمة، مثل السلطان قابوس بن سعيد آل سعيد، سلطان عمان، وعبد الرحمن السديس، إمام الحرم المكي الشريف.

وقام إرشاد بنحت سورة الفاتحة لسلطان عمان على قطعة من الخشب مساحتها 2.5 قدم في 2 قدم، ووزنها 15 كيلوغراما، ورصع الكلمات بـ168 حجرا من الأحجار الكريمة مثل الزمرد والياقوت. وقد تمت الموافقة على التصميم من قبل السلطان عندما ذهب فاروقي إلى عمان منذ أشهر قليلة لعرض أعماله الفنية في معرض الحرف اليدوية الهندية، ومن المقرر أن يزور عمان مرة أخرى خلال الأسابيع القليلة المقبلة ليقدم بنفسه قطعة الخشب إلى السلطان.

وبالنسبة لإمام الحرم الشريف، فقد نحت له آية من القرآن، وهي «ألا بذكر الله تطمئن القلوب» (سورة الرعد، آية 28).

ويعد فن الخط على الخشب بالنسبة لفاروقي نوعا من الهوس. وعلى الرغم من أن فن الخط العربي يعد بشكل عام فنا ثنائي الأبعاد، فإن فاروقي يحوله إلى فن مجسم من خلال الخشب؛ حيث يستخدم خشبا صلبا من نوعية جيدة ومعالج كيميائيا.

ومن بين أساليب الخط المتنوعة التي يستخدمها: الخط الثلث، والديواني، والكوفي، والنستعليق، والنسخ، وإن كان هو يفضل الثلث والديواني على بقية الأنواع.

ويوضح فاروقي ذلك قائلا: «إن الخط الثلث هو أقوى نمط من أنماط الخط العربي، وقد نشأ خلال فترة الحكم العباسي في القرن التاسع في بغداد. ومعظم الحروف في هذا النمط تأخذ شكل المثلث في قمتها بينما توضع حروف العلة كحلية».

وقد تأثرت أنماط الخط الديواني والثلث بـ3 مدارس للخط الإسلامي، وهي: العربية والفارسية والعثمانية؛ حيث تطور نمط الخط الديواني خلال العصر العثماني (1670 – 1700). وكان هذا النمط يستخدم لكتابة الوثائق الرسمية من السلطان إلى الملوك الآخرين. وكان يمثل المعايير الفنية للإمبراطورية في ذلك الوقت، ويكتب بـ3 أنواع من السمك، بينما تتجه الحروف لأعلى، في شكل أقرب إلى الطاووس، وهو الطائر الذي يمثل في الإسلام والأساطير شاهدا من الجنة.

وتستغرق بعض تصميمات فاروقي أسابيع أو شهورا لإتمامها، وهو في الوقت الحالي مشغول طوال الوقت بإعداد عمل فني بالغ الصعوبة؛ حيث يقوم بنحت سورة التين (سورة رقم 95 من القرآن الكريم)، وسوف تكون تحفة فنية عجيبة لا مثيل لها في العالم، سينحتها باستخدام أدواته البسيطة، مثل المنشار والمسامير والمبرد بيديه.

وسوف ترصع قطعة الخشب بالأحجار الكريمة الأصلية وستزن 30 كغم، وستبلغ مساحتها 3.3 قدم في 2.53 قدم. وسوف تستغرق ما يقرب من عام كامل للانتهاء منها، وسيستثمر فيها الملايين من الروبيات الهندية، وهو حاليا مشغول أيضا بنحت أفضل آية في القرآن الكريم، وهي آية الكرسي.

ويقول فاروقي: «بالنسبة للمشروع الذي أحلم به، فإنه لن يكون مشروعا يكلفني به أحد؛ حيث سيكون جهدا فرديا أبغي به رضا الله، فحلمي الذي أنشده هو القيام ببعض أعمال الزخرفة داخل الحرم المكي الشريف».

لكن على الرغم من أن عمله قد جعله يحصد واحدة من أهم جوائز التكريم الهندية، وهي الجائزة الوطنية، إلى جانب جوائز أخرى كثيرة، فإن قصته هي قصة كفاح. ويقول فاروقي، بينما هو جالس في ورشته المكونة من غرفة واحدة تبلغ مساحتها 10 أقدام في 10 أقدام، والموجودة في منطقة جاميا ناجار، بالعاصمة الهندية نيودلهي ذات الأغلبية المسلمة: «عندما بدأت في ممارسة النحت على الخشب منذ 13 عاما، لم يكن لديَّ المال لشراء الخشب، واضطرت إلى الاقتراض من الأقارب، ونظرا للارتفاع الكبير في أسعار العقارات في دلهي، فقد حولت جزءا من بيتي إلى ورشة عمل، وتشغل منتجاتي التي تم الانتهاء منها مساحة كبيرة من منزلي». ويضيف، مبديا امتنانه الكبير لزوجته التي ساندته خلال مروره بمرحلة سيئة من حياته: «أشكر زوجتي لسماحها لي بأن أفعل ذلك». ولا يزال عمله الفني الأول، وهو اسم الله، منحوتا على شكل جرة ماء، يحتل مساحة بارزة في منزله.

وعلى الرغم من أنه يعمل بشكل رئيسي على نحت الخط العربي، فإنه يستطيع القيام بذلك بأي لغة. وكان العمل الذي حصل به على الجائزة الوطنية نحتا ثلاثي الأبعاد لسورة الشرح، وقد استغرق نحتها 3 شهور.

وبالنسبة لعمله، يوضح فاروقي أنه يختار ويجمع ويرسم نماذج من الخط العربي القديم المكتوب على الورق، ثم يعيد كتابة الخط وفقا لطبيعة الخشب، مستخدما أدوات عادية مثل المبرد والمسامير والقواطع الخشبية الصغيرة. وقال إنه يصنع جميع التصميمات بيديه من دون الاستعانة بضوابط عددية محوسبة.

ويقول إن التصميم التقليدي (الطغراء) الذي يتم رسمه على الورق، لا يمكن طبعه على الخشب، وبالتالي يتم تعديله دون انتهاك للقواعد الأصلية ونحتها على الخشب وفقا لطبيعة الخشب. وتستند كل هذه الإبداعات الهندسية إلى قواعد التوازن التي تجعل قطعة الخشب المنحوتة متوازنة من جميع الجهات. وتعد عملية نحت النقوش الإسلامية على الخشب فنا خاصا ينفرد به فاروقي؛ حيث يتم، في بداية العملية، تقطيع مجموعة من الألواح الخشبية الصلبة من مختلف الأحجام وفقا للحاجة، ثم يتم تنعيم المواد الخام التي سيتم استخدامها بواسطة أداة لتنعيم سطح الخشب ومساواتها من الجانبين، ويتم لصق التصميم على الجانب الأملس بالغراء. ويتم قطع الخشب وفقا للتصميم باستخدام منشار زخرفة رفيع وبسيط يجيد فاروقي استخدامه بيديه بمهارة.

ويمكن القول: إن إرشاد فاروقي هو الخطاط الوحيد في الهند الذي ينحت الخط العربي من الخشب.

وُلد إرشاد فاروقي في مدينة سيكار بولاية راجستان، التي تقع غرب الهند. وهو من نسل حميد الدين ناجوري فاروقي، ثاني خليفة لشيخ الطريقة الصوفية، خواجة سيدي محمد معين الدين جشتي. ودائما ما كان إرشاد فاروقي يشاهد خلال أيام طفولته أحد أقاربه، وهو ماستان بابا، وهو يمارس فن كتابة الخط. وقد وقع على الفور في غرام هذا الشكل من الفن، إلا أن كبر سنه في ذلك الوقت ودراسته الأكاديمية قد منعاه من تحقيق رغبته في ممارسة فن الخط، فوجهها إلى اتجاه آخر. لكنه لم يصبح طيارا للطائرات التجارية كما كان يريد بعد تخرجه نتيجة معوقات مالية، فاتجه إلى ممارسة فن الخط الإسلامي في فترة متأخرة من حياته؛ حيث التحق بدورة تدريبية للخط العربي لمدة سنتين في أكاديمية «غالب» بنيودلهي لمعرفة الفروق الدقيقة بين الخطوط الأوردية، قبل أن يبتكر شكل فن نحت الخط من الخشب. ويقول إنه تعلم هذا الفن من الخطاطين المشهورين أنيس صديقي وخورشيد علام. ويعتقد فاروقي أن هذا الفن هو نتاج التركيز التام والتفاني والصبر. وينبغي على من يرغب في تعلم هذا الشكل من الفن أن يكون لديه معرفة أساسية بفن كتابة الخط العربي.

ويمكن رؤية تفانيه وإخلاصه لهذا الشكل من الفن في القطع الفنية التي صنعها بالعمل المستمر والصبر والمثابرة. وتتراوح أسعار أعماله الفنية بين 400 و125 ألف روبية. وقد تم توثيق عمله من قبل الكثير من الشبكات التلفزيونية الهندية والدولية. وقد كان آخرها الفيلم الوثائقي الخاص الذي أنتجه التلفزيون الإندونيسي عن أعماله. ولديه عملاء كثيرون ممن يتذوقون فنه ويقدرونه في باكستان وبنغلاديش إلى جانب عملائه من مشاهير الهند والدالاي لاما، الزعيم الروحي للبوذيين في إقليم التيبت.

ويكاد فن الخط الإسلامي ينقرض في الهند نظرا لأنه ليس عملا وظيفيا على الرغم من محاولات بعض الناس لإبقائه على قيد الحياة من خلال الكتابة على الورق، لكن ليس هناك الكثيرون الذين يرغبون في شرائه. وهو عمل يتطلب الكثير من الصبر والتركيز والتفاني، وهي صفات نادرة الوجود في أجيال اليوم المادية. ويعمل فاروقي على نقل فنه النادر لابنته، التي تبلغ من العمر 20 عاما، وابنه. ويعمل كل منهما مساعدا له بدوام جزئي، بعد عودتهما من كليتيهما.

ولوعيه بالوضع الخطير الذي ينذر بانقراض هذا الفن في المستقبل، ينصح فاروقي حكومة الهند بإقامة معارض لفن الخط في أجزاء مختلفة من البلاد، خاصة نيودلهي. وهو يرغب في إقامة متحف لفن الخط في نيودلهي يحمل اسم «متحف القرآن» كمساهمة فردية منه للحفاظ على هذا الشكل من الفن ولتعزيز الوعي والاعتراف بهذا الشكل المنقرض من الفن.