أسبوع باريس.. بين موجة الحر وحرارة الأزياء

«لويفي» تطرز جلودها بفسيفساء غرناطة.. و«هيرميس» تلمع من دون تطريز و«كنزو» تغير جلدها

TT

في عرض «سيلين» تصاب بالحيرة، وتشك فيما إذا كنت قد تعرضت لضربة شمس بسبب الحرارة التي وصلت لدرجات لا تطاق في الأيام الأربعة الأخيرة. السبب أنك قد تشك فيما إذا كنت في عرض دار فرنسية مصممتها بريطانية أم في عرض مصمم ياباني من الثمانينات. فقد تلخصت التشكيلة في الأحجام المحسوبة والخطوط البسيطة والألوان النقية، مثل الأبيض والرمادي إلى جانب ألوان أخرى أكثر عمقا مثل الأحمر المائل إلى البني. وصفة تبدو بسيطة وسهلة لكنها في غاية الدقة عندما يتعلق الأمر بتنفيذها، مما يجعل من المصممة فيبي فيلو واحدة من أهم المؤثرات في ساحة الموضة حاليا. فمنذ أن التحقت بهذه الدار وهي تروج لموضة عصرية، تعتمد على الهدوء الشديد، وعانقتها الأنيقات بحرارة، لتتحول إلى أسلوب خاص. وهذا الأسلوب هو ما عادت إليه في تشكيلتها لربيع وصيف 2012، من خلال بنطلونات واسعة تجلس فوق الكاحل بخصور عالية، وأخرى مستقيمة نسقتها مع جاكيتات وكأنها معاطف بجيوب كثيرة، وتنورات تتسع عند الركبة، فضلا عن قمصان طويلة عند الظهر بحيث تبقى ظاهرة من تحت كنزات أيضا متميزة من الخلف ببليسيهات تم التخفيف من أحجامها حتى تمنح التوازن المطلوب.

تجدر الإشارة إلى أن الكثير من الآمال معقودة على فيبي فيلو، حيث يتوقع كثيرون أنها يمكن أن تتسلم مقاليد دار «لوي فيتون» فيما لو انتقل مارك جايكوبس إلى دار «ديور». حسبما ما تتداوله الإشاعات، فإنها من أقوى المرشحين لهذا الدور، إن لم تكن الوحيدة لحد الآن، خصوصا أنها مثل مارك جايكوبس تتمتع بلمسة ميداسية تحول كل ما تلمسه إلى ذهب. فدار «كلوي»، مثلا، في عهدها استعادت بريق زمنها الذهبي، ومنذ أن انضمت إلى «سيلين» منذ عامين وهي تحقق لها نجاحات متتالية، بدليل أن حقيبتها «لاغيج» التي يقدر سعرها بأكثر من ألف جنيه إسترليني هي الأكثر مبيعا هذا العام. ومع ذلك فإن احتمالية انتقالها إلى دار كبيرة بمستوى «لوي فيتون» تبقى مستبعدة، إذا أخذنا بعين الاعتبار أنها تركت دار «كلوي» وهي في قمة نجاحها بسبب رغبتها البقاء في لندن، حتى تهتم أكثر بعائلتها الصغيرة. فهل يا ترى يمكن أن تضعف أمام إغراء دار كبيرة مثل «لوي فيتون» لو اقترحت عليها؟ هذا هو السؤال الذي تنتظر أوساط الموضة الجواب عليه بلهفة وترقب.

لكن إذا كانت «سيلين» تعانق التصميم النقي والسلس والواضح الخطوط، فإن دار «هيرميس» هي كل هذه الصفات وأكثر من دون حتى أن تحاول. مصممها كريستوف لومير، الذي قدم ثاني تشكيلة له للدار، أول من أمس، أعطانا درسا في الأناقة الراقية التي لا تحتاج إلى تطريز أو بريق لكي تلمع وتتألق. تشكيلة موجهة للنخبة، من الذين يتمتعون بالمال والذوق على حد سواء، غابت فيها التفاصيل باستثناء الجيوب الكبيرة، التي شكلت جزءا من جاكيتات طويلة من دون أكمام وفساتين طويلة على شكل «جلابيات». العرض كان هادئا من حيث الإخراج، حيث تهادت العارضات أمام الحضور ببطء حتى يتمكن كل واحد من معاينة الأزياء عن قرب، ومن تفحص الدقة التي نفذت بها. بعبارة أخرى كانت استعراضا للحرفية والفنية التي تعتز بها الدار، وتحتفل بها منذ بداية العام الحالي، ومن هنا كان التركيز على الأزياء أكثر من الإخراج الدرامي أو الموسيقى الصاخبة. حتى الحقائب التي تعتبر الدجاجة التي تبيض ذهبا توارت عن الأنظار لصالح الأزياء، باستثناء عدد قليل جدا منها تميز بأحجام صغيرة. استهل المصمم العرض بمجموعة متنوعة من الأزياء كان القاسم المشترك بينها هو اللون الأبيض. ضمت بنطلونات واسعة وسراويل حريمية بعضها قصير يضيق ويقف عند الركبة وبعضها إلى الكاحل، فضلا عن جاكيتات مفصلة لكن تميل إلى الاتساع نوعا ما، وتنورات طويلة ببليسيهات وفساتين ناعمة بأطوال متباينة بين القصير والطويل، وقمصان بياقات «نهرو» العالية وإيشاربات غطت شعر العارضات وكأنهن راهبات. لهذا ليس غريبا أن يتسرب إحساس بالرهبة والخشوع إلى النفوس في البداية قبل أن تتغير اللوحة، وتضج بالألوان والحركة. ومع الألوان سرى الدفء في كل قطعة، وتسارعت دقات القلب كلما ظهرت عارضة بفستان منقوش من الحرير أو من الجلد، أو تنورة ببليسيهات مثل واحدة طويلة بفتحات عالية من الجوانب، أو فستان على شكل «جلابية» بقلنسوة، وهلم جرا. وفي الأخير يخرج الواحد من هذا العرض وإحساس يغمره بأن هذه التشكيلة ليست لكل الناس، بل للمحظوظين في الحياة، وبأن كريستوفر لومير فهم ديناميكية الدار العريقة في وقت وجيز، مما يعطي الأمل في المزيد من الإبداعات.

من جهتهما، قدم الثنائي أمبيرتو ليون وكارول ليم، أول تشكيلة لهما لدار «كنزو» اليابانية، التي غادرها الإيطالي أنطونيو ماراس منذ بضعة أشهر. صحيح أن الثنائي غير معروف في العالم، لكنهما أشهر من نار على علم في الولايات المتحدة، حيث يوجد محلهما «أوبنينغ سيريموني». فرغم أنهما ليسا مصممين بمعنى الكلمة، كما لم يسبق لهما العمل مع أي دار أزياء من قبل، فإنهما يفهمان السوق جيدا ويعرفان ما يحركها، بدليل أنهما منذ أن افتتحا «أوبنينغ سيريموني» عام 2002، وهما ينتقلان من نجاح إلى آخر. ولا يرى الثنائي أن كونهما لم يعملا في تصميم الأزياء من قبل يمكن أن يكون عائقا، خصوصا أنهما يعملان مع فريق فني ينفذ رؤيتهما على أحسن ما يرام. وإذا كان ما رأيناه أول من أمس هو المقياس، فهما على حق، إذ قدما مجموعة مختلفة تماما عما عودتنا عليه دار «كنزو» التي كانت تحتفل في كل موسم بثقافة بعيدة. قد لا تكون فنية أو تتمتع بعمق ثقافي لكنها تبقى حيوية، حيث يغلب عليها الأسلوب الأميركي السريع الإيقاع. وهذا هو المطلوب من قبل الشابات الصغيرات، الشريحة التي يبدو أن الدار تريد استقطابها. حتى الطريقة التي تم بها العرض كانت سريعة وعملية، حيث كانت على شكل عروض كل 15 دقيقة في حديقة المقر الرئيسي للدار. أقل ما يقال هنا إن الألوان كانت متوهجة والتصاميم شابة ومبتكرة تشمل جاكيتات مستوحاة من تلك التي يلبسها سائقو الدراجات النارية، وسراويل فضفاضة لكن من دون مبالغة، وشورتات بنقوشات وفساتين ناعمة. قطع قد لا تحمل جينات الدار الوراثية، لكنها حتما تخاطب زبونات جديدات، أكثر حيوية وانفتاحا على العالم ليس من باب الثقافة لكن من باب الأناقة السريعة، وهذا هو المطلوب في زمن السرعة.

مساء يوم السبت وعلى الساعة التاسعة مساء، قدم المصمم البريطاني ستيورات فيفرز واحدة من أجمل التشكيلات التي قدمتها دار «لويفي» الإسبانية منذ فترة. استوحاها المصمم من الفنان إم سي إيشر، أو بالأحرى من رحلته إلى غرناطة منذ 75 عاما. رحلة شيقة أثمرت الكثير من الرسومات الفسيفسائية المحسوبة، كانت الشرارة التي أطلقت العنان لخيال فيفرز وشجعته على إبداع تشكيلة غنية بالنقوشات، الأمر الذي لم نره من قبل في هذه الدار. نقوشات بنكهة إسبانية لذيذة طبعت تنورات وقمصانا من حرير وفساتين من الجيرسه بألوان الأحمر والأزرق، بل حتى الجلود. فـ«لويفي» أولا وأخيرا دار تأسست وبنت سمعتها على الجلود، واعتمدت عليها لكي تبقى في الواجهة، مثلها مثل دار «هيرميس»، لهذا كان من البديهي أن تكون هذه الخامة حاضرة بقوية، حتى وإن كانت التشكيلة موجهة للربيع والصيف. لكي يتجاوز المصمم هذه العقبة ويسكت منتقديه، جعله خفيفا بشكل غير معهود، كما أدخل عليه تخريمات باللايزر جعلته يبدو وكأنه دانتيل يتنفس، هذا فضلا عن أنه استغنى عن التبطين في التايورات، مما جعله يبدو مغريا ومنعشا على الرغم من موجة الحرارة التي اجتاحت باريس طوال الأسبوع، ويتمنى الجميع أن تنخفض في القريب.