مراجعة لأبرز ما تم تقديمه في «مهرجان الفيلم الإسلامي» بلندن

«الربيع العربي» ودور المرأة في طليعة المواضيع

«الموجة الخضراء»
TT

«هل هناك ما يسمى بالسينما الإسلامية؟»، كان هذا هو السؤال الذي أطلق شرارة بدء مؤتمر نظمه برنامج الأفلام امتد لأربعة أيام في معهد لندن للفن المعاصر بالعاصمة البريطانية.

وقد هدف تعاون بين معهد لندن للفن المعاصر والصحيفة الأكاديمية «ثيرد تكست»، إلى محاولة البحث عن إجابة عن هذا التساؤل، جنبا إلى جنب مع تساؤلات أخرى شائعة أهمها: إذا كانت هناك سينما إسلامية، فأين إذن العالم الإسلامي منها؟ وكيف تتوافق الانتفاضات والثورات المستمرة، بالأساس، مع هذا العالم؟ هذه تساؤلات رد عليها حميد دباشي، أستاذ الدراسات الإيرانية بجامعة كولومبيا الأميركية، بالمثل الفارسي «إذا ألقى رجل مجنون قطعة عملة في بئر فلن يستطيع 1000 رجل حكيم الإتيان بها». وعلى الرغم من ذلك، فإن المناقشتين والثمانية أفلام التي تشكل هذا الاستكشاف النظري سارت مع مناقشة ثرية وسلسلة من الحكايات السردية المدعمة بقوة التي قدمت، بشكل أكثر ملاءمة، من خلال أفلام من مجتمعات إسلامية.

ما كان مصدرا للشك في هذا البرنامج قبل ذلك بات لاحقا أكثر نقاط قوته: وهو طموحه في تناول موضوعين كبيرين أساسيين، هما الإسلام وما يعرف باسم «الربيع العربي». وفي ما يبدو وكأن الموضوع المبدئي سوف يشمل الجدل المثار حول الانتفاضات المدنية في منطقة معينة، فإن البرنامج استهل فعالياته في حقيقة الأمر بتناول إشكاليات مثل النظرة للعالم الإسلامي والعالم العربي، فيما عرضت الأفلام بشكل مرئي مواضيع مثل المظاهرات وأشكال الاحتجاج والمقاومة في مجتمعات إسلامية.

ومن أمثلة الأفكار التي ناقشتها الأفلام: السياقات التاريخية والاستعمارية والشكل الناشئ للانتفاضات المستمرة وتعددية الأديان في المناقشة الأولى والتي حملت عنوان «هل هناك عالم إسلامي؟»، وانعكست في أفلام تم تقديمها مثل «سيدو» (السنغال، 1977) و«تقوى» (تركيا، 2006) و«الليلة الطويلة» (سوريا، 2009). كما نوقشت أيضا أفكار عن تأثير السياسات الحالية على الأحزاب السياسية الإسلامية في فلسطين والتغطية الإعلامية للأحداث ودور النساء في الانتفاضات الحالية في المناقشة الثانية التي حملت عنوان «رياح التغيير في الأراضي العربية» وتجسدت في أفلام «صمت القصور» (تونس، 1994) و«ملح هذا البحر» (فلسطين، 2008) و«الموجة الخضراء» (إيران، 2010).

وكان موطن قوة برنامج الأفلام هو أن كل فيلم تم تصويره اشتمل على مستويات متعددة من المعاني من خلال تجسيد أفكار من التاريخ والمجتمع، مصورا التعقيدات الداخلية، وكذلك، من أجل إمداد تحليل الثقافة المرئي بالأفكار، بتقديم لمحات من أمثلة سينمائية من المجتمعات العربية. وكان دور النساء في السياسات العربية الحالية من بين أجرأ المواضيع التي انعكست في عدد من الأفلام.

ومثلما أشارت نادية العلي، أستاذ دراسات النوع في مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية (سواس) بجامعة لندن، في عرضها أمام لجنة المناقشة، هناك سياسات أخرى للتعامل مع النظرة العامة بشأن الحراك في المجتمعات الإسلامية والعربية، وتظل أدوار النساء في نطاق محور التركيز.

ويشمل ذلك التهديدات التي ظهرت على السطح مؤخرا ضد النساء اللائي يشاركن في المظاهرات، في إشارة إلى تعليقات مفادها أنه «من المخالف لتعاليم الشريعة الإسلامية تظاهر السيدات». وباتت الكرامة والشرف محل تساؤل، على نحو يعكس بوضوح تبعية المرأة. وتشير العلي أيضا إلى أن أشكال التواصل بين الجماعات النسائية والأنظمة القديمة، نذكر هنا «مركز سوزان مبارك الإقليمي لصحة وتنمية المرأة»، المنظمة التي فشلت فشلا ذريعا، إذ أسهمت بدرجة كبيرة في قمع المرأة، بدلا من أن تساعد في تمكينها. وفي النهاية، تتمثل أهم النقاط العملية التي ستتم مناقشتها في تهميش قضايا المرأة بعد مطالب بالمساواة الاجتماعية وتحسين الوضع الاقتصادي ومشاركة المرأة السياسية. وتقول العلي «لا يوجد شيء مشين في الإبقاء على حقوق المرأة كأولوية بين هذه المطالب العامة».

وقد تطورت هذه الأفكار، مرة أخرى، بشكل أكبر من خلال العروض السردية التصورية التي قدمت في الأفلام.

قصة «سيدو» (Ceddo) لسيمبين عثمان أنتجت في فيلم عام 1977، ويمزج الفيلم بين إشارات إلى الاستعمارية في السنغال في القرنين التاسع عشر والعشرين. ويتجسد فيه أداء قوي لمجموعة من الناس، يشار إليهم باسم «سيدو»، يقاومون كلا من الاستعمار الإسلامي والمسيحي على حد سواء.

لقد رُسمت ملامح شخصيات الفيلم في صورة «رسوم كاريكاتيرية لا شخصيات حقيقية»، مثلما أشار مخرج الفيلم ومؤلفه عِمرَة بكاري، لإبراز الطبيعة النقدية الخيالية للفيلم. وفيه، يجري اختطاف الأميرة ديور على يد جماعة سيدو. ومع احتفاظها بدورها السلبي كرهينة، تتمتع بالسلطة بوصفها الوريثة القبلية الوحيدة. وقد أشار الباحثان السينمائيان غورهام كيندم ومارثا ستيل إلى رمزية المرأة في أفلام سيمبين كتمثيل لأفريقيا التقليدية، في إشارة إلى مكانة المرأة المتزايدة في المجتمع. وتجسد الأميرة هذا في كل من دورها الفعلي، الذي يدور بين الشخصية الكاريكاتيرية الخيالية السينمائية، وتلك النقطة الجوهرية في المجتمع الأفريقي التقليدي. وقد أثار تضمين هذا الفيلم أيضا سؤالا على السطح حول ماهية المجتمعات الإسلامية ذات الصلة بالاستعمار والمجتمعات الأفريقية.

أما فيلم «صمت القصور» فجرى تقديمه من قبل روس غراي، المحاضر في الفن بكلية غولدسميث في جامعة لندن، باعتباره من بين «أكثر الأفلام النسائية تميزا في العالم العربي». ويصور الفيلم قصة حياة مجموعة من الخادمات اللائي يعشن ويعملن في قصور الأمراء الأتراك الذين كانوا يحكمون تونس. ونظرا لأن الفيلم يدور في نهاية فترة الحكم الاستعماري الفرنسي، ترمز النساء في هذا الفيلم أيضا إلى الدولة، فهن يتعرضن للإغواء والمخاطر وتفرض عليهن قيود خانقة. ويتجلى هذا بشكل أكبر عندما يشبّه البطل الثوري محبوبته بالدولة، واصفا إياها بأنها «مترددة».. و«المستقبل ينتظرنا»، هكذا يعلن صراحة. ويتقمص في صوتها حق تقرير المصير من خلال أغنية في أكثر المشاهد عمقا، حينما تتحول من الترفيه إلى التعبير عن الفخر الوطني. ومع أن الفيلم يعود إلى مرحلة تاريخية منصرمة من تاريخ تونس، فإنه حقا يعتبر وثيق الصلة بما يحدث اليوم من تحول تاريخي حديث، من خلال إبراز أوجه تشابه قوية بين انعدام الفرص بالنسبة للدولة والنساء.

وبينما كان هذان الفيلمان مؤثرين من حيث السرد والاستعارات في ما يتعلق بالنساء وصورتهن، لم يكن الفيلم التركي «تقوى»، الذي أنتج في عام 2006، بالدرجة نفسها من التأثير. فمع أنه من دون شك فيلم رائع ومؤثر من خلال تناوله لمفهومي الإسلام والروحانية، يمكن أن يؤخذ عليه أن تجسيده للمرأة موضع شك ومثار تساؤلات. وعلى مدار أحداث الفيلم، كانت هناك ثلاث شخصيات نسائية فقط، تظهر كل منها في لقطات سريعة، إما كرمز لشيء مرغوب فيه أو يدعو للرثاء.

وبينما يوظف فيلم «تقوى» الحركة الإبداعية للكاميرا والصوت من أجل خلق إيقاعات من التكرار مرتبطة بشكل عام بالفن الإسلامي والتصميم، يأتي تجسيد المرأة كرمز جنسي مخالفا للقواعد الأخلاقية المتعارف عليها في صناعة السينما الإسلامية.

ويبقى القول، إنه مع تطرق الأفلام لأفكار تتعلق بالنساء والإسلام والسياسات من خلال السرد المرئي والصور المجازية، تظل هناك النقطة البسيطة، وهي أن دور المرأة في المظاهرات سيظل بارزا بهدف صون كرامتها وشرفها، ومجددا، ليس ذلك مقصورا على العالم الإسلامي أو العالم العربي.