دار «أونغارو» تلغي وظيفة المصمم.. و«كلوي» تستعين ببريطانية لاستعادة رومانسيتها

أسبوع باريس لربيع وصيف 2012.. لمن تدق أجراس التغيير

TT

لم يكن المتابع لعروض باريس يوم الاثنين الماضي يعرف إلى أين يولي وجهه وسط ارتفاع درجات الحرارة إلى أكثر من 28 درجة وأخبار الأزمة الاقتصادية التي تبين أنها أكبر مما كان العقل يتصور. أمر سيكون له تأثير كبير على حياتنا وعلى مستقبل موضة الأزياء الجاهزة على وجه الخصوص إذا كان ما يقوله المسؤولون والخبراء بأن قطاع المنتجات المرفهة والباهظة الثمن، لن يتأثر بالمستوى نفسه. ويبدو أن مصممي باريس، استشعروا الخطر منذ فترة، لأن التصاميم التي طرحوها إلى حد الآن لا تحمل جديدا بمعنى الجريء والثوري الصادم، بقدر ما هي مضمونة في أناقتها التي لن تستطيع المرأة مقاومتها فيما لو استطاعت إليها سبيلا. فجيامباتيستا فالي، مثلا، توجه لزبوناته الوفيات من الطبقات المقتدرة، ودار «إيمانويل أونغارو» حاولت أن تغير جلدها من أجل جذب عيون هؤلاء الزبونات، بينما «كلوي» تخففت من الأثقال واسترجعت لياقتها وخطوطها المنسدلة برومانسية وخفة في أول تشكيلة تقدمها لها البريطانية كلير وايت كيلر.

العرض الأول كان لدار «أونغارو»، التي لم تتوفق إلى حد الآن في تحقيق المعادلة الصعبة بين الفني والتجاري. فرغم أن هناك بيوت أزياء صمدت بعد غياب أصحابها مثل «إيف سان لوران» و«ديور» وغيرهما، فإن «إيمانويل أونغارو» لا تبدو محظوظة بالقدر نفسه. فهي لم تتوفق لحد الآن بمصمم يعيد لها أمجاد الماضي، ومن جهتها، لم تمنح أي مصمم فرصة أن يبقى معها وقتا كافيا لكي يتشرب ثقافتها ويكبر معها. فمنذ أن تقاعد مؤسسها إيمانويل أونغارو في عام 2004 ومصيرها يتأرجح بين شد وجذب عدة قوى، بدليل أنه كتب على كل من يلتحق بها أن يتركها بعد فترة قصيرة لسبب أو لآخر. فقد شهدت تعاقب ستة مصممين عليها من عام 2004 إلى اليوم هم: جيامباتيستا فالي، وفينسنت داريه، وبيتر دانداس، وإيستيبان كورتزار، وإيستريلا أرشز، والنجمة ليندسي لوهان، ثم أخيرا البريطاني جايلز ديكون، الذي تركها بعد موسمين فقط رغم أن آمالا كبيرة كانت معقودة عليه. سبب الانفصال حسب ما يقال، أن المسؤولين وجدوه مبتكرا بإيقاع لندني سريع لا يتماشى مع شخصية الدار الأنثوية. ثم لا يمكن أن ننسى الثنائي الذي سبقه وهما الإسبانية إيستريلا ارشز وليندسي لوهان، وما سبباه للجميع من خيبة أمل أدت إلى الاستغناء عن لوهان مباشرة، فيما بقيت الإسبانية ايستريلا موسما واحدا بعدها.

وكانت النتيجة أن الدار يئست من العثور على المصمم المناسب، بعد هذا العدد من المصممين الذين تعاقبوا عليها في فترة وجيزة، مما دفعها إلى اتخاذ قرار بأن الأفضل لها أن تلغي دور المصمم الفني النجم من قاموسها وتعتمد، في المقابل، على فريق عمل تقوده شابة اسمها جين لبيب لامور سبق لها العمل في دار «بالنسياجا» ومع الإيطالي جيامباتيستا فالي. الدار سارعت للتوضيح أنها لم تعين جين لبيب لامور كمصممة فنية لها؛ إذ إن وظيفتها تقتصر على الإشراف على المعمل، في إشارة واضحة على أنها لا تريد أن تصنع «فرانكشتاينا» آخر، بعد أن باتت تخاف من المصمم الواحد، ومن نجوميته التي يمكن أن تسبب لها صداعا وتصدعا.

هذا التغيير الذي شهدته الدار انعكس على التشكيلة التي تم تقديمها لربيع وصيف 2012، والتي استغنت هي الأخرى عن الفني الدرامي واكتفت بتصاميم أنيقة يمكن تسويقها بسهولة، وإن كانت من ناحية الشخصية لا تزال تجس النبض وتتلمس طريقها بنقوشاتها وخطوطها العصرية البسيطة.

من جهته، قدم الإيطالي، جيامباتيستا فالي، تشكيلة تليق بزبوناته المخمليات وفتيات المجتمع المقتدارت. ولا شك أن تركه لدار «أونغارو» منذ عدة سنوات كان في صالحه، بدليل ما حققه من نجاحات شهدت تنامي أهميته في السوق وتبلور ماركته الخاصة. في هذه التشكيلة لم يغير أسلوبه، فقط عاد إلى الأشكال المستديرة والفرو والريش والنقوشات، وطبعا الورود وبالبريق ليحافظ على ود أنيقاته ونجماته، وإن كان دخوله مجال الـ«هوت كوتير» لأول مرة في الموسم الماضي، أثر عليه. فقد جاءت هذه التشكيلة من الأزياء الجاهزة تحاكي أزياء الـ«هوت كوتير»، في تميزها وأناقتها.

افتتح العرض بمجموعة باللون الأبيض قبل أن يقدم ألوانا أخرى أغلبها بدرجات هادئة، مثل الأزرق السماوي والوردي في أقمشة مترفة مثل البروكار أو توحي بالترف مثل اللاميه. كما مزج عدة أنواع من الأقمشة في قطعة واحدة مثل فستان بصدر من البروكار وتنورة طويلة من الحرير بحزام من الريش. جيامباتيستا منذ البداية حدد نوع الزبونة التي يتوجه لها، ولم يحاول يوما أن ينكر ذلك، لأنه يعرف أن تصاميمه ستفضحه ببريقها وخطوطها التي يمكن أن تكون استثمارا رغم أنها ليست كلاسيكية بالمعنى التقليدي. فما يقدمه دائما ليس مجرد فساتين مترفة وأنيقة، بل هي ترجمة لأسلوب حياة وتلبية لمتطلباته.

دار «كلوي» من جهتها، تعيش فترة انتقالية مهمة في هذه الفترة، بعد أن استغنت عن البريطانية حنا غيبون، واستعاضت عنها ببريطانية أخرى هي كلير وايت كيلر القادمة من دار «برينغل» الأسكوتلندية المتخصصة في الأزياء الصوفية. أقيم العرض في القاعة المنصوبة وسط حدائق التويلريز، وهي القاعة نفسها التي شهدت عدة عروض ساخنة بالمعنى الحرفي، بسبب الحرارة العالية، التي جعلت العديد من المحررات يهددن بعدم حضور أي عروض تقام فيها إذا لم توضع فيها مكيفات. «كلوي» لم تضع مكيفات، بل فقط تخلصت من السقف وجعلته شفافا من زجاج ليسمح بدخول أشعة الشمس والضوء حتى يمكن رؤية الأزياء بأبعاد جديدة. وبالنظر إلى ازدحام القاعة، فإن تهديدهن كان فقط للتنفيس. أول ما يلفت النظر في هذه التشكيلة، الخفة التي اكتسبتها مقارنة بالمواسم الماضية. فقد اختفى البنش والأقمشة الثقيلة والقمصان ذات الياقات العالية، وحلت محلها قصات رومانسية استحضرت ما كانت عليه أيام زمان، وتحديدا في عهد كل من ستيلا ماكارتني وفيبي فيلو، مصممة دار «سيلين» حاليا، وإن كانت لا تزال في البداية ولم تتبلور تماما. أكثر ما لفت في العرض بليسيهات تتماوج، أحيانا بلونين وبنطلونات واسعة تم تنسيقها مع قمصان أكثر نعومة إلى جانب الفساتين الشفافة والطويلة، التي سجلت عودة إلى المدرسة الرومانسية التي تأسست عليها. وفي كل قطعة من هذه القطع لم تغب البليسيهات. من حسن الحظ أنها كانت أنيقة وإلا كانت قد أصابت بالتخمة. تجدر الإشارة أيضا إلى أن دار «كلوي» مثل جيامباتيستا فالي تخاطب شابات مقتدرات يملن إلى الأسلوب الباريسي الأنثوي والعصري، وهذا ما حاولت المصممة الجديدة أن تعكسه من خلال إطلالة منطلقة ولا مبالية إلى حد ما. صحيح أن هناك نقاط ضعف، لكن من السابق لأوانه المحاسبة عليها، لا سيما أن كلير وايت كيلر التحقت بالدار منذ بضعة أشهر فقط، وأنجزت التشكيلة في وقت وجيز.

دار «إيف سان لوران» هي الأخرى تمر بفترة قد تكون انتقالية، إذا كان ما تتداوله الشائعات من قرب الاستغناء عن مصممها ستيفانو بيلاتي براف سيمونز صحيحا. ورغم سحابة هذه الشائعات، فإن ستيفانو قدم تشكيلة تضج بألوان الأخضر والأزرق والبنفسجي، إلى جانب الأبيض والأسود في قطع من الحرير والأورغنزا وما يشبه البروكار. بدأ العرض بتايور مكون من جاكيت وتنورة قبل أن تظهر القمصان المصنوعة من الأورغنزا بأحجام أنيقة وأكمام مبتكرة وكأنها بتلات ورود تتفتح عند المعصم، ومعاطف وفساتين تصل إلى الركبة من الأورغنزا، القماش الذي غلب على التشكيلة. البنطلون الذي يعتبر من أيقونات الدار حضر أيضا بألوان مختلفة وتصميم جذاب، يولد شعورا بأن بيلاتي كمن يريد أن ينهي فترته في الدار بنغمة قوية.

أما الروسي فالنتين يوداشكين فقد أتحف الحضور في فندق «الويستين» المكيف بتشكيلة حالمة خاطب فيها كل الأذواق بذوق رفيع. إلى جانب الفساتين والتنورات القصيرة جدا والمحددة على الجسم، قدم أيضا فساتين سهرة حالمة غلبت عليها التول والورود في تفاصيل خفيفة لكن مؤثرة بألوان هادئة على العكس تماما من التأثير الذي تركته في النفوس.