ستيف جوبز الرجل الذي غير حياة ملايين البشر

مهد الطريق لظهور العديد من عمالقة قطاع التكنولوجيا الرقمية

TT

توفي ستيف جوبز المبتكر الفذ الذي أعاد تشكيل صناعة الكومبيوتر والموسيقى والهاتف الجوال في العالم، وغير العادات اليومية لملايين البشر عن 56 سنة يوم الأربعاء الماضي بعد صراع دام عاما مع سرطان البنكرياس، لتنتهي حياة رجل - يمكن وصفه بأنه توماس إديسون (مخترع المصباح الكهربائي) العصر الحديث.

وقد أعلنت شركة أبل وفاة الشريك المؤسس للشركة ووضعته صورته على موقعها على الإنترنت تحمل تاريخ ميلاده ووفاته.

وقال صديق للأسرة إن جوبز توفي نتيجة تعقيدات مرضه بسرطان البنكرياس الذي لم يمنعه من استمراره في تقديم منتجات جديدة للأسواق العالمية مرتديا بنطلون جينز تقليديا والذي أصبح علامة مميزة له حتى مع تدهور صحته.

ومع تقاعده في شهر أغسطس (آب) الماضي كان قد أصبح وشركته مسيطرين على قطاع التكنولوجيا الرقمية مستفيدا من موهبته التسويقية البديهية، وأصبح الشخص الذي ارتبط اسمه بقطاع الكومبيوتر الشخصي، وعديد من المشاريع الاستهلاكية الرقمية المرتبطة بالإنترنت. كما أصبح رجلا ثريا للغاية حيث تقدر ثروته ب 8.3 مليار دولار. وذكرت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية أن جوبز كان أول نجوم التغيير في قطاع التكنولوجيا، الرجل الذي حول وادي السيلكون (مقر قطاع الالكترونيات في الولايات المتحدة) إلى موقع معروف في جميع أنحاء العالم ممهدا الطريق لظهور نماذج مثل جيري يانغ ودافيد فيلو مؤسسي «ياهو» ولاري بيدج وسيرغي برين مؤسسي محرك البحث العملاق «غوغل».

وأضافت الصحيفة أنه بتغييره الطريقة التي يتفاعل فيها الناس مع التكنولوجيا تمكن هو وبيل غيتس مؤسس شركة مايكروسوفت من تغيير حقبتهما بنفس الطريقة التي حول بها هنري فورد وجون روكفلر صناعة السيارات وشركة ستاندرد أويل النفطية.

وقد لاحظ واحد من العاملين معه أن جوبز كان قادرا على إقناع الناس بالإيمان بأي شيء يقوله، وصاغ الرجل عبارة «قطاع تشويه الواقع» ليصف قدرة جوبز على تغليف إحساس الناس بالنسبية. وأشار إلى أن جوبز وصف ذات يوم جهاز كومبيوتر ماكنتوش بأنه أي الجهاز «عظيم لدرجة الجنون».

إلا أن البعض يعزو نجاح شركة أبل التي اختار اسمها تيمنا باسم شركة أبل للموسيقى التي يمتلكها فريق البيتلز الشهير لموسيقى البوب، إلى أنها شركة معدات وبرامج في ذات الوقت. أي إنها تصنع جهاز الكومبيوتر بالإضافة إلى البرامج ونظام التشغيل التي يستخدمها.

بداية النجاح ترجع إلى عام 1976 عندما طرح هو وشريكه وصديق طفولته ستيف ووزنك جهاز «أبل 1» الذي يمكن اعتباره أول جهاز كومبيوتر شخصي في العالم وكان ثمنه 666 دولارا، وقد تمكنا من بيع 200 وحدة وبعدها بعام قدما «أبل 2» وقد بلغت مبيعات الجهاز 2.7 مليون دولار في العام الأول. وبحلول عام 1981 بلغت مبيعات الشركة 600 مليون دولار وخلقت الشركة سوقا لما يعرف بالكومبيوتر الشخصي الذي لم يكن معروفا من قبل.

وبعد 12 سنة من انفصاله عن الشركة بعد صراع مرير مع رئيس الشركة آنذاك جون سكالي، اشترت شركة أبل شركة نيكست بأكثر من 400 مليون دولار ليعود عام 1997 ليشرف على سلسلة من العمليات الإبداعية الرقمية واحدة بعد الأخرى آي بود وآي فون وآي باد تحت شعار «فكر بطريقة مختلفة». وهذه الإبداعات التي لم تغير فقط - على حد تعبير صحيفة «نيويورك تايمز» - قطاع المنتجات مثل أجهزة الاستماع الموسيقي والهواتف الجوالة بل أيضا صناعات بأكملها مثل الموسيقى والاتصالات المحمولة.

فقد سمحت تكنولوجيا مهملة باسم فاير واير بنقل كميات كبيرة من قواعد المعلومات بين الأجهزة الرقمية، مما سمح بتصميم «آي موفي» وهو برنامج يشجع الهواة على إعداد أفلام فيديو. ثم آي بود جهاز الاستماع الموسيقى الذي يسمح بتخزين آلاف الأغاني الذي طرحه في أكتوبر (تشرين الأول) 2001 وباع مئات الملايين من الوحدات. ثم تطبيق «آي تيونز» الذي يسمح للمستهلك بشراء وتنزيل الأغاني بطريقة قانونية، الذي بدأ تشغيله في أبريل (نيسان) 2003. وهو التطبيق الذي أحدث ثورة في قطاع الموسيقى الرقمية وكان إيذانا بأفول نجم الأقراص المدمجة. وقد بلغت مبيعاته 6 مليارات أغنية.

وفي عام 2007 بعد هدوء دام عدة سنوات عاد جوبز ليطرح منتجا ثوريا جديدا وهو هاتف «آي فون» الذي زادت مبيعاته على مبيعات شركات إنتاج الهواتف الذكية مثل شركة بالم كومبيوتنغ وشركة بلاك بيري على الرغم من ارتفاع ثمنه وفي يناير (كانون الثاني) من العام الماضي طرح منتجا ثوريا آخر وهو «آي باد» الذي أعاد تعريف قطاع الكومبيوتر اللوحي وقد بلغت مبيعاته في عامه الأول 10 ملايين جهاز.

وعلى الرغم من أن مرتب جوبز كرئيس تنفيذي لشركة أبل لم يزد دولارا واحدا فإن الأسهم التي يمتلكها في الشركة بلغت قيمتها 5.4 مليار دولار عام 2008. كما منحه مجلس الإدارة طائرة خاصة لاستخداماتها بالإضافة إلى تعويضات قدرت آنذاك بأكثر من 400 مليون دولار.

غير أن الفترة التي ابتعد فيها عن الشركة التي أسسها لم تتسم بالفشل فقد اشترى شركة كومبيوتر غرافيك صغيرة من المخرج السينمائي جورج لوكاس بمبلغ 10 ملايين دولار وأطلق عليها اسم «بيكسر» لتنتج مجموعة من الأفلام الكارتونية التي حققت نجاحا جماهيريا وماليا وسينمائيا كبيرا بداية من فيلم «قصة لعبة» عام 1995. إلا أنها لم تكن شركة إنتاج أفلام كارتونية عادية، مثلما لم تكن شركة أبل شركة كومبيوتر عادية. فقد تمكنت من تحويل أفلام الرسومات المتحركة من أفلام قصيرة يشاهدها الأطفال إلى أفلام طويلة يشاهدها الكبار والأطفال. وتحولت الشركة إلى عملاق في قطاع الرسوم المتحركة. كما أنه أصبح أكبر مساهم في مؤسسة وولت ديزني.

لم يكن جوبز على حد وصف صحيفة «نيويورك تايمز» مهندس الكترونيات ولا «مبرمجا» ولم يكن يعتبر نفسه مديرا. بل كان يعتبر نفسه قائد تكنولوجيا، يختار أفضل الناس بقدر الإمكان ويشجعهم ويحفزهم، ثم يتخذ القرار الأخير بخصوص منتج معين.

وأضافت الصحيفة فيلم «قصة لعبة» خير مثال على ذلك فقد استغرق إعداد الفيلم 4 سنوات في الوقت الذي كانت فيه شركة بيكسر تعاني من مشكلات مالية، ولكنه لم يتخل عن زملائه. ويقول أدوين كامول عالم الكومبيوتر والشريك المؤسس لـ«بيكسر» معلقا على ذلك «تحتاج إلى أكثر من رؤية - تحتاج إلى عناد وقناعة وصبر لكي تستمر في مسيرتك، وفي حالة ستيف كان يدفع الناس للحافة في محاولة للانتقال للخطوة التالية».

وأشارت الصحيفة إلى أن عبقريته تتلخص في إيمانه - في السبعينات - بأن الكومبيوتر سيصبح شخصيا، وجهازا يفعل أكثر من مجرد حل المشكلات العلمية وتلك المتعلقة بمجال الأعمال، وأنه يمكن أن يصبح قوة في عالم التغيير الاجتماعي والاقتصادي.

النقطة الثانية حسب تقدير الصحيفة هي أنه وضع الكثير من الجهد في مفهوم الذوق، وهي الكلمة التي كان يستخدمها كثيرا. وقد ظهر ذلك في منتجات تبدو مثل الأعمال الفنية وأثارت إعجاب المستخدمين. وقد ذكر أن المنتجات العظيمة هي انتصار للذوق.