دار «لوي فيتون» ترقص مع البجع.. وإيلي صعب يعيد رسم السبعينات

اختتام أسبوع باريس لربيع وصيف 2012 بأجمل لوحات

TT

عندما تطلب عارضة سوبر مثل كيت موس من مصمم أن تشارك في عرضه، فهذه الشهادة له بأنه مهم. صحيح أن المصمم النيويوركي مارك جايكوبس لم يكن يحتاج إلى هذا الطلب لكي يعرف قيمته وأهميته في ساحة الموضة، لكن هذا لا يمنع أن يشعر بالسعادة ويلبي طلب العارضة السوبر بدون تردد. فزيادة الخير خيرين، خصوصا أن كيت موس، البالغة من العمر حاليا 37 عاما طلقت عروض الأزياء منذ فترة، ولا تشارك فيها إلا كهواية وحسب مزاجها. وبحكم أنها كانت موجودة في باريس لتقديم أول مجموعة مجوهرات من تصميمها لدار «فريد Fred»، فإنها، على ما يبدو حنت إلى بريق العروض، ورأتها فرصة مواتية لكي تشارك في عرض صديقها مارك جايكوبس كما فعلت في الموسم الماضي عندما ظهرت بزي مثير جدا وهي تدخن. مارك جايكوبس شرح بعد العرض قائلا: «لقد طلبت مني المشاركة وأنا لبيت طلبها لأنها صديقة عزيزة».

بدأ العرض في الساعة العاشرة تماما يوم الأربعاء، كما كان مقررا بالضبط، وهو التقليد الذي ينتهجه منذ بضع سنوات وكأنه يقتص ممن انتقدوه في السابق لتأخيره. فالأبواب تقفل ولا يسمح لأحد بالدخول بعد هذا الوقت حتى لا يخلقوا بلبلة خلال العرض ويزعجوا الحضور. تقليد يصدم البعض ممن تعودوا على أن عروض الموضة لا تبدأ في العادة قبل نصف ساعة من موعدها المقرر وأحيانا أكثر، إلا أن الأغلبية باتت تعرف بالأمر وتتقيد به. المكان كان في متحف اللوفر، وتحديدا في ساحة «كور كاريه» التي أصبحت خاصة تقريبا بعروض «لوي فيتون» مثلما أصبح «لوغران باليه» خاصا بعروض «شانيل». في الوسط كانت هناك دائرة مغطاة بستارة ما إن رفعت بطريقة مسرحية حتى ظهرت 48 عارضة مرة واحدة تتأرجحن فوق أحصنة تدور بهن، لتقفز الواحدة تلو الأخرى منهن في أزياء حالمة بألوان تقطر بحلاوة البوظة والشربات، وطبعا ظلت كيت موس إلى النهاية حتى تكون مسك الختام. العديد من الفساتين القصيرة والتنورات المستديرة بشكل بيضاوي كانت مصنوعة بعدة طبقات من التول، لكن القاسم المشترك بينها كلها هي الرومانسية المفصلة. فرغم أن تشكيلة الدار للموسم الماضي حققت نجاحا تجاريا كبيرا بأسلوبها المثير، الذي غلب عليه الجلد، بدليل أن الحذاء العالي الرقبة الذي ظهرت به العارضة كيت موس حينها كاد ينفد من السوق بعد أسبوع واحد من طرحه، إلا أن المصمم صرح بأنه أراد ألا يستهلك الفكرة وأن يخوض فضاءات أخرى أكثر نعومة ورقة على أن يكون تأثيرها بنفس القوة. وهذا ما حققه ليس في الأزياء فحسب بل أيضا في الحقائب، التي لم ينس أنها كانت البداية ولا تزال الفيتامينات الذي تستمد منها بيوت الأزياء عموما و«لوي فيتون» خصوصا، قوتها. فقد أرسل بعضها بجلد التماسيح والبعض الآخر بالجلود الطبيعية بأشكال مغرية وجذابة. غير أنها ستجد منافسة قوية من الأزياء هذه المرة في تأثيرها، مما لا يترك أدنى شك أن المصمم الذي لم يقدم «هوت كوتير» من قبل يريد أن يعلن للملأ أنه قادر عليها ومستعد لها. فالفساتين والمعاطف تنافست على اللعب على خلق توازن عجيب رغم انتفاخها ليس فقط في الأكتاف والتنورات والجاكيتات بل أيضا في بعض التفاصيل مثل الياقات. ما ساعد على هذا أنها جاءت مصنوعة من الدانتيل أو التطريز الإنجليزي مما أضفى عليها نعومة، وفي حالات أخرى استعمل الليزر لتقطيعها وتطريزها لتعطي نفس التأثير، فيما غطي بعضها بحرير السيلوفان، وكأنه يريد أن يحمي رقتها من قسوة العوامل الخارجية. إلى جانب الجاكيتات والفساتين والتنورات والتايورات التي منحها الريش والبريق أبعادا ثلاثية، فإن الألوان هي التي ستبقى عالقة في الذهن. قوة الألوان ودورها المهم تكرر أيضا في عرض إيلي صعب في مساء نفس اليوم في الساعة الخامسة، وإن كانت الدرجات مختلفة تماما. قبل العرض، الذي أقيم في حدائق التويلريز، شدت الانتباه ضيفة قلما يراها الناس في عروض باريس، هي الأميرة بياتريس، حفيدة ملكة بريطانيا، وابنة الأمير أندرو وسارة فيرغسون. بدت الأميرة الشابة أكثر رشاقة في فستان أحمر من إيلي صعب، وهي تفرق ابتساماتها يمينا وشمالا وكأنها مسحورة ببريق باريس، وغني عن القول إن كل الأنظار وعدسات الكاميرات صوبت ناحيتها، لكن ما إن بدأ العرض حتى نُسيت تماما تحت سكرة الألوان المتوهجة وسحر التصاميم. وللمرة الألف تقريبا، أكد إيلي صعب أنه يعرف كيف يلعب على الوتر الحساس. كانت تشكيلته بالفعل مسك ختام أسبوع طويل من الحرارة العالية والإبداعات المتأرجحة بين الأنيق والممل، والإشاعات والتغييرات. كالعادة تركزت مجموعته على فساتين تليق بالمناسبات المهمة، بما في ذلك الفساتين الناعمة والقمصان، رغم أننا في موسم الأزياء الجاهزة وليس الـ«هوت كوتير» والسبب أنه لعب فيها على الأنوثة والكلاسيكية معا وبنفس القدر، مما أضفى عليها الكثير من الرقي. جديده أنه ركز فيها على ألوان متوهجة تحاكي المجوهرات مثل الأخضر الزمردي والأزرق اللازوردي فضلا عن درجات من الأبيض السكري والأصفر المستردى والبنفسجي، كلٌ لوحده من دون أي محاولة للمزج بينها، مما حقن التشكيلة بجرعة من الجرأة والدرامية.

استهل المصمم مجموعته بمجموعة متنوعة بلون الكريم تشمل فساتين وتنورات وبنطلونات مفصلة زينها بأحزمة ناعمة جدا، أتبعها بأصفر مائل إلى المستردى، والأخضر الزمردي والأزرق اللازوردي والبنفسجي. التصاميم كانت نفسها تقريبا في كل مجموعة، لكن اللون كان هو البطل الذي يضخ فيها روحا مختلفة كل مرة، إلى جانب قدرة المصمم على تنفيذ كل قطعة بحرفية عالية تكاد تحاكي الـ«هوت كوتير»، وليس أدل على هذا من البليسيهات التي استعملها في الكثير من القطع إلى جانب الدانتيل الذي زين به أجزاء معينة مثل الصدر أو الأكمام أو في الجوانب فيما كانت تطل أحيانا من بين بليسيهات أفقية. المهم أنها كانت بكميات قليلة لا تصيب بالتخمة بقدر ما تثير الفضول.

إيقاع السبعينات كان واضحا فيها، الأمر الذي فسره المصمم فيما بعد بقوله إنها حقبة يتذكرها جيدا كطفل، وتمثل له فترة سعيدة من الحياة، تميزت بالانطلاق والتحرر والثقة. وهذا ما ترجمه في ألوان براقة ومتوهجة وفي بنطلونات واسعة لكن مفصلة، تستحضر بطلات «تشارليز أينجلز» نسقها مع قمصان من الشيفون بنفس اللون. لكن المثير فيها أنها بياقات عالية جديدة لم نعهدها في عروضه سابقا، فضلا عن فساتين تستعرض قدراته على ملاعبة المرأة وإغوائها مهما كانت إرادتها قوية. وطبعا عندما يتعلق بفساتين المساء والسهرة، فإننا يمكن دائما الاعتماد عليه لتقديم تصاميم تجعل صاحبتها نجمة تخطف الأضواء. بعضها جاء بياقات عالية أيضا، وبعضها الآخر بياقات مفتوحة عند الصدر أو الظهر، لكنها تتمتع في كل الحالات بالرقي بما في ذلك الفساتين ذات الفتحات الجانبية والعالية. فقد أعطت الانطباع بأنها ضرورية وليست مفتعلة للإثارة فحسب. تباينت القصات لتخاطب كل الأذواق والمقاسات، فبعضها جاء منسدلا وخفيفا يتطاير مع كل خطوة، وجاء بعضها الآخر محددا على الجسم ومطرزا بسخاء بتدرج عجيب يخلق خدعا بصرية تمنح لابسته رشاقة في أجزاء وأنوثة في أجزاء استراتيجية أخرى، مثل فستان أزرق طويل يلمع بالخرز والترتر.

ما جعل الألوان لافتة في هذه اللوحات أنها كانت أحادية من الرأس إلى أخمص القدمين، وكأن إيلي صعب كان ضد أن يخلق أي علاقة بينها، سواء كانت هذه العلاقة متضاربة أو متناغمة. أمر قد يشكك الكثير من الفنانين والرسامين في إمكانية تحقيقه، لكنهم حتما كانوا سيغيرون رأيهم فيما لو رأوا كيف اكتسب كل لون قوته وتأثيره الخاص بدون مساعدة أو تدخل لون آخر. فإيلي ذهب إلى أبعد من ذلك وقدم إكسسوارات أيضا بنفس لون الأزياء.