المسلمون في الأندلس.. التاريخ والفنون ومصائر البشر والممالك

الخلافات والغيرة الشخصية أثرت على تقدم المسلمين في أوروبا

قصر الحمراء في غرناطة («الشرق الأوسط»)
TT

يسجل باحث فلسطيني جوانب من تاريخ المسلمين في الأندلس ومنها تحالف اليهود مع المسلمين في الاستيلاء على غرناطة، مسجلا حقيقة أن بذور انهيار الدولة كانت منذ البداية بسبب الضغائن والخصومات القبلية مع العرب الذين دخلوا الأندلس وأقاموا بها.

ويقول محمود يوسف خضر في كتابه «فنون وتاريخ المسلمين في الأندلس» إن المسلمين استولوا على غرناطة التي كانت حاضرة رومانية «ومركزا أسقفيا كبيرا.. بعد حصار طويل، بعد أن تحالف يهود المدينة معهم وأعانوهم على فتحها والاستيلاء عليها».

وصدر الكتاب عن «دار السويدي» في أبوظبي ويقع في 418 صفحة كبيرة القطع مزينة بعشرات الصور لزخارف ومقتنيات أثرية من فنون العرب في الأندلس منها عملات وأعمدة وتيجان أعمدة وقباب وأسوار ونقوش وتماثيل وأوان ولوحات وفنون معمارية يقول إنها ظلت مصدر إشعاع فني استلهمت منه عمارة الكنائس بإسبانيا في ما بعد.

وخضر الذي ولد في القاهرة وتخرج في جامعة عين شمس بالعاصمة المصرية يلقي الضوء على خلافات بين قادة الجيش العربي الذي غزا الأندلس ومنها أن طارق بن زياد عبر المضيق الذي يسمى باسمه إلى الآن (مضيق جبل طارق) عام 711 ميلادية وتوالت انتصاراته لمدة عام كامل ثم تلقى من قائده في المغرب، موسى بن نصير، أمرا بأن لا يتقدم «حتى يلحق به، وتوعده بالعقاب إذا توغل بغير إذنه»، فاستجاب وانتظر قدومه.

ولا يستبعد المؤلف وجود غيرة شخصية بسبب «الفوز السريع» الذي حققه طارق بن زياد، «إذ كان للغيرة والحسد أثرهما أيضا في نفس موسى فلحق به ولما التقاه طارق في ضواحي طليطلة أنّبه موسى وبالغ في إهانته وزج به إلى السجن بتهمة العصيان وعدم إطاعة أوامره، كما أنه هم بقتله. ولكنه سرعان ما عفا عنه ورده إلى منصبه بتدخل من الخليفة الوليد بن عبد الملك» في دمشق.

ويرى خضر أن القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية البيزنطية التي تأخر دخول المسلمين إليها حتى عام 1453 ميلادية كان يمكن الاستيلاء عليها عام 713 ميلادية لو سمح لقادة الجيش العربي في الأندلس بالتقدم إليها؛ فيقول إن موسى بن نصير شرع في اختراق الجنوب الأوروبي بهدف الوصول إلى روما مركز المسيحية وكان يسهل عليه تنفيذ الخطة في ظل اضطراب الدول الأوروبية، ولكن الوليد بن عبد الملك حذره أن يتوغل فقضي على «مشروع موسى بغزو روما ثم دخول القسطنطينية فارتد مرغما»، ثم استدعى الوليد بن عبد الملك القائدين موسى بن نصير وطارق بن زياد.

وينقل المؤلف عن مصادر تاريخية أن الوليد بن عبد الملك أمر باستدعائهما لـ3 أسباب هي: خشيته على جيش المسلمين في الأندلس بعد خلاف موسى بن نصير وطارق بن زياد، «وخوف الوليد من أن يتجه موسى بما عرف عنه من طمع ودهاء إلى الاستقلال بذلك الملك الجديد النائي عن الخلافة، والسبب الثالث هو ما بلغ الوليد من وفرة الأموال والتحف والسبايا التي غنمها المسلمون من الأندلس.. حمل من السبايا ثلاثين ألفا، منهم مئات من أشراف القوط»، وعاد القائدان إلى دمشق عام 715 ميلادية.

ويقول المؤلف إن نهاية القائدين اللذين عادا ومعهما «من نفيس التحف والأموال والغنائم ما لا يقدر ولا يوصف، ومن نفيس أشراف السبي عدد عظيم»، لم تكن تتفق مع ما قدماه من «إنجاز» من وجهة نظر الخليفة الجديد، فيسجل أن الوليد بن عبد الملك توفي بعد وصولهما إلى دمشق بأربعين يوما ولم يحسن خلفه سليمان بن عبد الملك معاملة موسى بن نصير وسخط عليه «وبالغ في إهانته وسجنه» ثم عفا عنه.

ويرجح أن الخليفة الجديد حين كان وليا للعهد أمر موسى بن نصير بالتباطؤ في دخول دمشق إلى أن يموت أخوه الوليد بن عبد الملك «ويستولي هو على الغنائم والأموال والسبايا القادمة مع موسى» الذي رفض ذلك فأساء سليمان معاملته بعد أن ولي الخلافة، ولولا تدخل أحد أصدقاء الخليفة لمات موسى بن نصير في السجن.

أما طارق بن زياد فلم تتحدث عنه المصادر العربية إلا نادرا وانتهت حياته بدمشق في صمت.

ويقول خضر إن سليمان عزم على تعيين طارق بن زياد واليا على الأندلس ولكنه تراجع بعد أن تأكد له ما يتمتع به من هيبة ونفوذ فخشي أن يستقل بذلك القطر الغني النائي عن الشام.

وينقل خضر عن المستشرق البريطاني ستانلي لين بول قوله إن دولة العرب في قرطبة «كانت أعجوبة العصور الوسطى بينما كانت أوروبا تتخبط في ظلمات الجهل. فلم يكن سوى المسلمين من أقام بها منابر العلم والمدنية».

ولكن المؤلف يسجل أن الدولة الجديدة حملت منذ البداية بذور الخلاف والشقاق حيث انتقل العرب حاملين الميراث القبلي القديم إذ «هبت كوامن الخصومة والنفور بينهم»، وهذا ما أدى إلى انهيار الدولة بسقوط غرناطة عام 1492 حيث سلمها الملك أبو عبد الله محمد الصغير للملك فرديناندو الخامس.

ويقول خضر إن الصراع على الحكم في العالم العربي بين دمشق، حيث الأمويون، وبغداد، حيث العباسيون، كانت له انعكاساته على دولة المسلمين في الأندلس وما يحيط بها من ممالك مسيحية إذ حاول الملك الفرنسي شارلمان انتزاع الأندلس من أيدي المسلمين بعد تكرار غزواتهم لجنوب بلاده.

ويضيف أن الخلافة العباسية في بغداد لم تكن بعيدة عن «تأييد سياسة الفرنج» بهدف مناوأة بني أمية الذين تمكنوا من انتزاع هذا القطر النائي وأقاموا فيه دولة قوية فأقام الخليفة المأمون «صداقة مع الفرنج وتبادل معهم السفراء وكذلك فعل (هارون) الرشيد الذي وطد علاقته بشارلمان».