سوسن باكوس.. أجبرتها الحرب في العراق على تحدي نفسها وخوض المنافسة في لندن

تحلم بلقب «زها حديد في تصميم الديكور»

TT

في زاوية مخفية في الأزقة القريبة من محطة «بارسينز غرين» في غرب لندن تقع صالة العرض والمشغل الخاص بمصممة الديكور العراقية سوسن باكوس، وعلى عكس صلابة المشهد المحيط بالمبنى من الخارج، يتنفس المكان من داخله بالألوان والذوق الرفيع.

بابتسامة عربية عريضة استقبلتنا باكوس في مشغلها وإلى جانبها ابنها البكر نمير وبعد السلام والتحية والوقوف أمام قطع رائعة في التصميم الذي قامت باكوس بوضع لمساتها عليها بالكامل حان وقت التكلم عن قصة تلك السيدة التي يشع من وجهها حبها للفن والتصميم والعمل المهني عالي المستوى.

استهلت باكوس حديثها بتعريف نفسها كونها عراقية عربية فخورة بما توصلت إليه في لندن منذ أن وصلت إليها لقضاء عطلة مع زوجها وابنها وابنتها وامتدت العطلة لتصبح إقامة جبرية إبان غزو العراق للكويت عام 1990، القصة بدأت عندما تقطعت بالعائلة سبل العودة إلى البلاد، وحينها كان همّ سوسن أن تطمئن على باقي أفراد العائلة، فأجبرت على البقاء في لندن وطالت الحرب وطالت الإقامة في لندن فكان لا بد أن تجد عملا يساعدها على دفع الفواتير ومستلزمات الصغار بعد أن انفصلت عن زوجها في تلك الفترة. بدأت العمل في أحد مسارح المدينة كمصممة ومنفذة لملابس الممثلين الصغار الذين تتراوح أعمارهم ما بين سن السابعة والـ14 إضافة إلى تنفيذ ماكياج المسرح، وساعدت دراسة سوسن في بغداد وتخرجها في قسم التصميم التجاري والصناعي في حصولها على هذه الوظيفة، ولو أن حينها كانت اللغة الإنجليزية تقف عائقا، فصممت على تعلم اللغة لكي تستطيع الاندماج في المجتمع الإنجليزي بشكل أفضل ومن ثم لكي تتمكن من فهم النص في المسرح لأنه كان يتعين عليها تجهيز الممثلين الصغار وإرسالهم في أوقات محددة إلى خشبة المسرح، وهكذا حصل، درست سوسن اللغة الإنجليزية وطلب منها المشاركة في عمل مسرحي آخر، وفي آخر ليلة عرض تم استدعاؤها إلى المسرح تقديرا لعملها، وتروي سوسن كيف كانت تبكي وراء ستارة المسرح لأنها بعيدة عن أهلها وذويها.

وفي مرأب منزلها بدأت سوسن بخياطة الستائر للأصحاب من الجاليات اللبنانية والسورية وغيرها، ومن ثم أصبح هناك إقبال على تصميم الستائر الذي كانت تقوم بتنفيذه، فاستعانت ببعض الصديقات اللاتي قمن بمساعدتها في الخياطة من ذلك المرأب الصغير إلى أن حالفها الحظ في يوم من الأيام عندما عرض عليها أحدهم شراء شركة «أولسانز» التي كان يملكها بيتر لايل وهو صديق للعائلة ومتزوج من سيدة عراقية، أراد لايل التقاعد من مهنة تصميم وتنجيد الأثاث ولم يرد أي من أبنائه مواصلة المهنة والعمل في المصنع، وعرض لايل على سوسن شراء اسم الشركة لقاء مبلغ 180 ألف جنيه إسترليني وثمن المبنى كان وقتها 280 ألف جنيه إسترليني، ولم تكن تملك سوسن من تلك المبالغ الضخمة إلا 15 ألف جنيه إسترليني حصلت عليها من شركة التأمين بعد حادثة سير تعرضت لها، واعتذرت بعدها عن قبول العرض إلا أن لايل اقترح عليها فكرة أخرى، وهي العمل بجانبها لمدة عام واحد لحين تصبح معروفة في السوق اللندنية، وبالتالي يتعين عليها دفع مبلغ 100 جنيه إسترليني في اليوم الواحد، وتتوقف هنا سوسن وتتنهد وتقول: «في تلك الفترة لم يكن يغمض لي جفن، لم أعرف النوم، المسؤولية كانت كبيرة جدا»، البداية كانت صعبة، فكان زبائن لايل يطلبون دائما التكلم معه، ولكن سرعان ما انقلب الوضع واستطاعت سوسن أن تستحوذ على ثقة جميع زبائن الشركة القدماء وتأسيس لائحة جديدة لزبائنها الجدد، وبعد عام انفردت سوسن بملكية الشركة واشترت مبنى لها في منطقة «وايت سيتي» وانتقلت بعدها إلى منطقة «بارسنز غرين»، ولم تنس فضل شخص عراقي أعارها مبلغ 14 ألف جنيه إسترليني لتصليح أرضية المكان للتخلص من الرطوبة، وبعدها شاء القدر أن يعمل هذا الشخص معها فساعدته بالتالي على الحصول على وظيفة في الشركة.

أرادت سوسن أن تنقل الشركة إلى مستوى آخر، وفي هذه الفترة كانت تقوم بخياطة الستائر للزبائن ومصممي الديكور إضافة إلى تنجيد الأثاث وتصميمه، وشعرت حينها بأنها تتحول إلى حب جديد، وهو حب تصميم الديكور المنزلي، فهي لطالما عشقت القماش والخامات المتنوعة والرسم، وارتبط اسمها بشخص يدعى إدوارد آل كانت تقوم بخياطة الستائر له وكانت ترافقه إلى «ديكوريكس» أكبر معارض الديكور في لندن، وفي مرة من المرات وقفت وحلمت بأن تعرض يوما ما في هذا المعرض تصميماتها، ولو في متر مربع واحد، ولو كان عرضها لأريكة أو ستارة، أرادت الانتشار والنجاح.

العمل الدؤوب وسهر الليالي جعلا منها اليوم واحدة من أهم مصممي الديكور في لندن، وقامت لغاية اليوم بتصميم وتنفيذ ديكورات كثيرة في لندن وبلجيكا والولايات المتحدة وفرنسا وجزر الباهاماس.. وتحقق حلمها من خلال المشاركة على مدى 5 سنوات متتالية في معرض «ديكوريكس» في لندن إضافة إلى معرض ميلانو للديكور ومعرض «ميزون إي أوبجيه للديكور» في باريس. وهذا العام استطاعت سوسن باكوس لفت أنظار الزوار لمعرض «ديكوريكس» من خلال ديكورات عصرية عنوانها الأناقة والسهل الممتنع.

وتقول باكوس إنها لم تكن تتصور أنها ستصل إلى ما وصلت إليه اليوم، فالمنافسة قوية وهي تعتبر نفسها دخيلة على السوق اللندنية، حيث إن المنافسة في هذا المضمار قوية جدا إلا أنها وبرعاية من الله، وجد منها استطاعت تحقيق ما أرادته وطموحها أكبر من ذلك، فهي من أشد المعجبين بالمعمارية العراقية العالمية زها حديد، فعبرت عن أشد إعجابها بها وقالت بأنها تحلم بلقائها وتحلم بأن تكون يوما ما «زها حديد في تصميم الديكور».

وعن كيفية بدء أي مشروع ديكور، تقول باكوس بأنه من المهم أن تجلس مع الزبون للتعرف إلى ذوقه والألوان التي يحبها وتلك الأخرى التي لا يحبذها، تتعرف إلى أسلوب حياته إلى تفضيله الأسلوب العصري أو الأنتيكات..؟ وبعدها تقوم بتصميم ما يعرف بـDesign Board تضع عليه عينات من القماش التي ستستعمله والخامات والجو العام والخشب وعندما يتم التأكد من أن هذا ما يريده الزبون تبدأ عملية التنفيذ بعد أن يقوم نمير ابن سوسن بتصميم إلكتروني للديكور بنظام ثلاثي الأبعاد يخول الزبون الحصول على رؤية واضحة مطابقة تماما للنتيجة النهائية.

سوسن تعمل جنبا إلى جنب مع ابنها نمير خريج التصميم التصويري، ومهمته تنفيذ تصميمات والدته عن طريق الكومبيوتر، فدراسته ساعدته في مد يد العون لأمه، ويقوم أيضا بملاحقة المشاريع بالكامل والسفر إلى الخارج ومتابعة جميع المعارض العالمية الخاصة بالديكور، ويقول نمير بأنه يتدخل في بعض الأحيان في التصميم ويعطي رأيه في بعضها إلا أن والدته تعرف ما تريده ويبدو أن دمها العربي يغلب على الدبلوماسية والقبول بأي شيء أقل من المستوى المطلوب.

تملك شركة «أولسانز» مكاتب في دبي تهتم بالزبائن الخليجيين والعرب وتهتم بالسوق العربية، ولو أن الكثير من العملاء العرب يأتون إلى فرع لندن، كما أن هناك شريحة كبرى من الزبائن الإنجليز وغيرهم من الجنسيات الأوروبية الأخرى.

وعن الخطوط العريضة لتصميم الديكور الحالي، تقول باكوس بأن التصميم على الشكل البيضاوي شائع جدا حاليا وهذا ما قامت به مؤخرا في معرض «ديكوريكس» كما أن المخمل من أكثر القماش استعمالا حاليا، إضافة إلى «المخمل الحرير» وهناك نوعان منه، فالنوع الأغلى ثمنا رائع إلا أنه يظهر العيوب أكثر بسبب نعومته ولمعانه الفائق في حين يمكن الحصول على نفس القماش وبأقل تكلفة ويكون متينا أكثر. وتقول سوسن بأنها مزاجية في تصميمها وتختار الألوان بحسب ما تشعر به وبحسب مزاجها، وفي هذا الموسم تركز جدا على اللون «الباذنجاني» الداكن. تقوم باكوس بشراء جميع الأقمشة بنفسها من «تشيلسي هاربور» وما يميز شركتها عن غيرها هو أنها تمزج ما بين التصميم والتنفيذ والتصنيع بما فيه التنجيد، فهي تؤمن كل ما يحتاجه الزبون لتصميم أي ركن في منزله. زبائن الشركة هم أصحاب المنازل الخاصة إضافة إلى مصممي ديكور أجانب يأتون إلى «أولسانز» لتصميم الستائر وتنفيذ الديكورات والأثاث. للمزيد من المعلومات يمكنكم الاتصال على الرقم التالي: 0207 736 4888