توسع سوق السيجارة الإلكترونية بين المدخنين

بنكهات مختلفة يرتفع عددها إلى 98 وغير محظورة في المطاعم والمقاهي

TT

شيء طبيعي أن يظهر رجل المالبورو على حصانه بين الجبال، وهو يلاحق بقرة فالتة ليتمتع بعدها باستراحة مع سيجارته المفضلة. مثل هذا السيناريو الصغير معهود في دعايات السينما، ولكن ما إذا كان راعي البقر الأميركي سيستعيض عن «تدخين» التبغ بـ«تبخير» سيجارة إلكترونية فهذا حلم قد يتحقق مستقبلا طالما أن الـe - Cigarette بدأت تتسلل إلى هوليوود نفسها.

الممثل المعروف جوني ديب ظهر مؤخرا في فيلم «السائح» وهو يدخن سيجارة إلكترونية في كابينة القطار. ونقلت الصحف التي تتابع أخبار المشاهير خبر تصوير فتاة المجتمع الراقي باريس هيلتون وهي تتمتع «بتبخير» سيجارة إلكترونية أنيقة، لونها يناسب لون بدلتها، في مرقص ليلي في لوس أنجليس. وتفضل إحدى بطلات مسلسل «جريز أناتومي»، وهي كاثرين هيغل، الظهور في المسلسل وهي تمتص السيجارة الإلكترونية.

الممثل ليوناردو دي كابريو شوهد أيضا على دراجته الهوائية وهو يضع سيجارة إلكترونية بين أسنانه. وتم تصويره هكذا في مارس (آذار) الماضي في حي «إيست فيليج» في مانهاتن وهو يمارس رياضته اليومية.

وكل سيجارة إلكترونية تحتوي على مادة عطرية وطعم يشبه النيكوتين، أو النيكوتين المخفف نفسه، وتكفي الواحدة إلى سحب 300 نفس أو ما يعادل 25 سيجارة حقيقية. وإذا كان جوني ديب يفضل طعم التفاح في سيجارته الإلكترونية فإن باريس هيلتون تفضل طعم الفانيلا. وهناك اليوم سجائر إلكترونية توفر «النيكوتين» بنكهات مختلفة وحسب المزاج.

ورغم تحذير الأطباء من أن السيجارة الإلكترونية، وخصوصا المزودة بسائل النيكوتين، ليست دون أخطار، فإن سوق السيجارة البلاستيكية الملونة، التي يصل حجم بعضها إلى حجم السيجار الكوبي، تكتسب رواجا. والأنواع الجيدة منها تحفظ صحة المدخن نفسه وصحة الآخرين من المدخنين السلبيين، لأنها لا تطلق دخان النيكوتين وإنما بخار المواد العطرية. بل إن السلطات في النمسا صنفت السيجارة الإلكترونية ضمن «المواد الطبية العلاجية» وأباحت بيعها في الصيدليات أيضا. وتتجه ألمانيا إلى نفس الوجهة رغم تشدد السلطات الصحية وتشكيكها في «لا عدوانية» السيجارة الإلكترونية.

ويعتقد طبيب أمراض الرئة الألماني توماس هيرنغ أن السيجارة الاعتيادية تسبب الإدمان مرتين، مرة على مادة النيكوتين، وثانية على عادة السعي وراء السيجارة أثناء الحديث أو شرب القهوة أو الكحول. ويمكن للسيجارة الإلكترونية أن تحرر المدخن من إدمان العادة أكثر مما تحرره من إدمان النيكوتين، ولذلك فإن المدخن كثيرا ما يعود للتدخين الحقيقي بعد انتهاء فترة العلاج بها.

وكانت الولايات المتحدة، ومن بعدها أوروبا، شهدت ظهور الكثير من المنظمات التي تناضل ضد «التدخين في السينما»، وتعتبر هذه المنظمات ظهور بطل الفيلم وهو يدخن تشجيعا للشباب على تقليدهم. بل لاحظت هذه المنظمات أن ماركات سجائر معينة تتكرر في أفلام هوليوود الأمر الذي يعني مشاركة هذه الشركات في الإنتاج واستخدام الفيلم كدعاية خفية لشركات التدخين المعنية. ارتفعت أرباح باعة السجائر الإلكترونية إلى 100 مليون دولار أميركي سنويا خلال العقد الأخير من السنين. وفي ألمانيا تقول دائرة الإحصاء المركزية إن باعة السجائر الإلكترونية، ومعظمهم على الإنترنيت، يبيعون 12 ألف سيجارة إلكترونية كل سنة. ونجح محل جديد لبيع السجائر الإلكترونية في مدينة بوخوم (غرب) أن يبيع كل معروضاته من «ترسانة» السجائر الإلكترونية خلال ساعات تلت الافتتاح. ويمكن الحصول على السيجارة الإلكترونية بطعم التفاح أو البطيخ أو الموز... إلخ. وهناك في ألمانيا حاليا سجائر إلكترونية بنكهات مختلفة يرتفع عددها إلى 98 نكهة. وذكر لاعب التنس لوتز ديزر أنه كان يدخن علبة سجائر كاملة يوميا، وهو ما يكلفه 150 يورو في الشهر، في حين أن السيجارة الإلكترونية لا تكلفه أكثر من 50 يورو شهريا، والأهم هو أن نسبة النيكوتين في جسده انخفضت إلى الصفر تقريبا. ويشعر ديزر نفسه بأفضل حال وتحسن أداؤه في لعبة التنس كثيرا مقارنة بأيام التدخين السابقة. ثم إن علاقاته الاجتماعية تحسنت منذ صار يستعمل سيجارة «التبخير» لأنها غير محظورة في المطاعم والمقاهي. منتجو السجائر الإلكترونية يقولون إنها خالية من المواد الضارة وإنها أكثر صحية من السيجارة النيكوتينية التقليدية بنسبة 90%. ورغم الاختلافات بين العلماء حول مضار «التبخير» مقارنة بتدخين النيكوتين، فإن الباحث الأميركي زكريا خان على قناعة بأنها أصح في كافة الأحوال، وخصوصا من ناحية النيكوتين الذي يترسب في الجهاز التنفسي.

السيجارة التقليدية تطلق عند احترق التبغ نحو 1200 مادة مختلفة بينها أكثر من 400 مادة خطرة على الصحة بكميات مختلفة. بين هذه المواد مادة القطران المعروفة بترسبها في الرئتين وتسببها في سرطان الرئة وأمراض الرئة والقصبات المزمنة. إن تدخين علبة سجائر واحدة يوميا يعني ترسب 200 سم مكعب من القطران في الرئتين خلال سنة، وهذه كمية تعادل قدح قهوة كبير.

والسيجارة الإلكترونية تعمل بتقنية إنتاج البخار بمساعدة تيار كهربائي توفره بطارية صغيرة مدمجة داخل «قلم» السيجارة. وهذا يجري دون حرق تبغ، دون جمرة ودخان ووهج، وإنما من خلال اشتعال كتلة من الأسلاك الدقيقة في مقدمة السيجارة تتقد بالمصباح.

ومع كل سحبة نفس يتولد تيار كهربائي صغير يبخر المادة العطرية في السيجارة، يخلطها مع الهواء النقي، وينطلق بخار، أو بالأحرى ضباب دقيق، يشبه الدخان. فالسيجارة مؤلفة من جزأين، يحتوي الأول، وهو الجزء الأبيض الطويل، على البطارية التي تعمل بأيونات الليثيوم، ثم الجزء الثاني وهو العقب الذي يحتوي على المادة العطرية. وطبيعي يمكن للمستخدم تفكيك السيجارة الإلكترونية، وتنظيفها، أو تبديل البطارية، أو شحن خزان المادة العطرية، وأن يعيد تجميعها ثانية. والسجائر الإلكترونية المتطورة تحتوي على ثقوب في الحلقة الذهبية التي تفصل جزأيها (العقب والجسد)، والغرض من الثقوب هو السماح بدخول الأكسجين اللازم للتفاعل عند امتصاص النفس من السيجارة. والسيجارة الألمانية من نوع «فيتاريته» مزودة بجهاز استشعار سمعي صغير يشغل آلية تبخير المادة العطرية حال صدور صوت الامتصاص.

ويعود الفضل في ظهور السيجارة الإلكترونية إلى الألماني غونتر شايدت الذي اخترع عام 1973 أول جهاز لصناعة الضباب الدقيق. ويجري استخدام هذا الجهاز في هوليوود منذ ذلك العام في صناعة الأفلام والتصوير في الاستوديوهات. ونال شايدت جائزة الأوسكار حينها عن أفضل تقنية سينمائية. الطبيب الباحث فالتر دريش مقتنع بأن السيجارة الإلكترونية بديل صحي جدير بالاهتمام. ويقول: إنه جرب تدخين السيجارة في مطعم، وإنه سأل الجالسين القريبين منه ما إذا كان «تبخيره» يزعجهم فنفوا ذلك، النادل لم يعترض أيضا لعدم وجود قانون يحظر التبخير بعد. مع ذلك يعتقد دريش أن التحقق من سلامة السيجارة الإلكترونية يتطلب دراسة مقارنة بين مدخني النوعين بعد 10 - 15 سنة من الاستخدام، وحينها فقط يمكن تبرئة السيجارة الإلكترونية أو إدانتها.

الدراسات حول السيجارة الإلكترونية قليلة وغير وافية في معظم الأحيان. ولا يخضع إنتاج هذه السجائر حتى الآن إلى القوانين الأمر الذي يشجع بيعها على الصفحات الإلكترونية. ودراسة أولية أجرتها وزارة الصحة في ولاية براندنبورغ الألمانية (شرق) تقول: إن تبخير السوائل المحتوية على نسبة من النيكوتين تتسبب أيضا في تسرب بعض النيكوتين إلى اللعاب والرئة. وإذ تخشى السلطات الصحية من تجمع الجراثيم داخل السيجارة الإلكترونية في حالة عدم رعاية الجهاز الصغير وتنظيفه، تنتقد المنظمات الإنسانية مصادر السوائل العطرية التي يجري إنتاجها على مستوى عالمي في الصين ويتم تصديرها إلى أوروبا والولايات المتحدة. إذ ليست هناك رقابة وشروط حتى الآن على هذه المواد في أوروبا. ثم إن الصين تشغل 200 ألف إنسان في إنتاج هذه المواد في ظروف غير إنسانية حيث ينال العامل 60 - 70 يورو شهريا كمعدل، ولا ينال سوى يوم واحد عطلة في الشهر. وتطالب هذه المنظمات الاتحاد الأوروبي بوضع قانون يحدد استيراد المواد العطرية وإخضاعها للفحص للتأكد من خلوها من المواد السامة والضارة.