رحيل الفنان عمر الحريري بعد 60 عاما من العطاء الفني

تمنى أن يكتب مذكراته ويموت على المسرح واقفا

على المسرح مع الفنان صلاح منصور .. ومع الفنانة إنعام سالوسة
TT

منذ اشتغاله بالفن وهو شاب صغير توحد بصورته كفنان، وحين شب عن الطوق وثبت أقدامه في مصاف نجوم السينما والمسرح، أصبحت هذه الصورة بالنسبة له هي خبز وملح الحياة، وطوال مشواره الفني لم ينفصل عنها، حتى وهو يختلط كإنسان عادي بالناس، وفي أوساط محبيه وعشاقه من الجمهور.

تحت ظلال هذه الصورة، تمنى الفنان الراحل عمر الحريري الذي غيبه الموت عن عالمنا في الساعات الأولى من صباح أمس عن عمر يناهز 85 عاما، أن يموت واقفا على المسرح وسط الجمهور، وأن تكون آخر لحظاته مع الحياة أمام جمهوره الذي أعطاه خلاصة عمره الفني على مدار 60 عاما من الفن.

هذا المشهد الدرامي النبيل أكدته لـ«الشرق الأوسط» ابنته الكبرى ميريت عمر الحريري وقالت: «حتى آخر لحظة كان يتمنى الموت على المسرح، لكن القدر كان له كلمة أخرى؛ حيث توفى بعد منتصف ليل الأحد الماضي بالمستشفى، في حين أنه كان يستعد للعرض المسرحي اليومي الذي يقدمه للأطفال كل صباح بعنوان «حديقة الأذكياء» على خشبة مسرح البيت الفني.. تضيف ميريت قائلة: «للأسف، اكتشفنا مؤخرا إصابته بسرطان العظام، وفي الأيام الأربعة الأخيرة، كان يتردد على المستشفى بعد تدهور حالته الصحية بشكل مفاجئ، حيث انتشر المرض بشكل سريع، ووصل إلى المثانة، ومن ثم إلى الرئة في اليوم الأخير لوفاته».

من جانبه، نعى أشرف عبد الغفور، نقيب الممثلين المصريين، الحريري قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «أمام الموت لا يمكننا إلا الصمت واحتساب الحريري عند الله واحدا من كبار الفنانين وعمالقة الفن المصري، الذي أثري الحياة الفنية المصرية والعربية على مدى ما يزيد على نصف قرن». وأضاف عبد الغفور: «لقد استطاع الحريري أن يثرى الفن المصري والعربي في كل مجالاته بالكفاءة والرقي نفسيهما.. من مسرح، إلى سينما، وتلفزيون، وإذاعة، وكيف لا، وهو من تربى على خشبة المسرح القومي، ومن المثير للنفس أنه صباح يوم وفاته كان لديه موعد لعرض مسرحيته للأطفال وما زلت الأفيشات تحمل اسمه وصورته حتى الآن، فلقد كان فنانا يدرك جيدا قيمة الفن ورسالته وحتى وهو في مرضه».

وتقول ميريت الحريري: «لقد زاره في أيامه الأخيرة الكثير من الفنانين؛ على رأسهم لبنى عبد العزيز التي ظلت ملازمة له خلال الأيام الأربعة الأخيرة. ومن الفنانين الذين زاروه، سميحة أيوب، ورجاء الجداوي، وليلى طاهر. والفنانة مديحة يسري كانت كذلك على اتصال يومي به لأنها خارج مصر».

وحول شخصية الفنان الراحل، يتذكر عبد الغفور قائلا: «عاش الحريري فنانا محبوبا من الجميع، وكان واسع الصدر والأفق والثقافة، لم يشتك منه أحد يوما ما، فلقد كان سمح الخلق، دمثا لا تأتي سيرته إلا بكل حب وخير بين جموع الوسط الفني من أصغر عامل به إلى أكبر فنان».

ويحسب لعملاق الفن المصري يوسف وهبي أنه من قدم الحريري لأول مرة إلى عالم الفن من خلال مشهد في فيلم «كرسي الاعتراف» عام 1949 بعد تخرجه بعامين من المعهد العالي لفن التمثيل العربي «1947» وكان من بين دفعته الفنان الراحل شكري سرحان.

ويعتبر فيلم «الأفوكاتو مديحة» الذي شارك فيه الحريري الفنانة القديرة مديحة يسري، واحدا من أشهر أفلامه، وأول وقوف له كذلك أمام عدسات الكاميرا عام 1950، لتتوالي بعد ذلك أعماله السينمائية التي زادت على 180 فيلما سينمائيا؛ منها «المذنبون»، و«الناصر صلاح الدين»، و«موعد مع الحياة»، و«القاضي والجلاد»، و«سكر هانم»، و«الوسادة الخالية»، و«الآنسة حنفي»، و«أهل القمة».

كما قدم الحريري العديد من المسرحيات خاصة مع الفنان عادل إمام؛ منها «شاهد ما شافش حاجة» و«الواد سيد الشغال» و«الزعيم» وغيرها.

واشتهر عمر الحريري المولود يوم 26 فبراير «شباط» 1926 في حي عابدين بالقاهرة، بتقديم العديد من المسلسلات التلفزيونية الناجحة مثل «أحلام الفتي الطائر» و«خالتي صفية والدير» و«ساكن قصادي» و«عمر بن عبد العزيز» و«السيرة الهلالية»، و«شيخ العرب همام» مع الفنان يحيى الفخراني، وكان آخر عمل تلفزيوني له هو مسلسل «سمارة» مع الفنانة غادة عبد الرازق.

وتكشف ميريت الحريري لـ«الشرق الأوسط» عن نية والدها كتابة مذكراته الفنية، ولكن القدر لم يمهله، فتقول: «لقد كان يتمنى أن يكتب مذكراته الشخصية، خاصة أنه عاش معظم فترات تاريخ مصر الحديث بداية من الملكية وصولا إلى ثورة 25 يناير (كانون الثاني) الماضي، فقد كانت جدتي (والدة عمر الحريري) متزوجة من البرنس هاشم حسين من العائلة الملكية، وعاشت في البلاط السلطاني، وهو عاش هذه الفترة، مرورا بعد ذلك بفترة ثورة يوليو (تموز) وانتصارات وانكسارات مصر خلال الستين عاما الماضية».

وتضيف قائلة: «كان يحزنه كثيرا كمية الأخطاء التاريخية الكثيرة في مسلسلات السيرة الذاتية مثل الملك فاروق، والملكة نازلي وغيرها، لأنه عاصر تلك الفترات عن قرب وارتدى الطربوش وصولا إلى البدلة الحديثة موديل 2011، لكن لم يستفد أحد من هذا الزخم التاريخي والفني والإنساني للحريري حتى وفاته».

ونفت ميريت أن يكون والدها قد كتب أي مسودة مبدئية لهذه المذكرات لأنه كان ينتظر من يتبنى المشروع أولا قائلة: «لا، لم يترك أي شيء بخط يده».

وشيعت جنازة الفنان الراحل عمر الحريري أمس من مسجد أبو بكر الصديق بمساكن شيراتون بالقاهرة حيث دفن في مدافن الأسرة بمنطقة الإمام الشافعي، وتتلقى أسرته العزاء فيه اليوم (الثلاثاء) في مسجد الشرطة بمنطقة الدراسة بالقاهرة.

يذكر أن عمر الحريري تزوج ثلاث مرات؛ كان آخرها من سيدة مغربية تدعى رشيدة، أنجب منها ابنته الثالثة والصغرى بريهان 16 عاما، فيما توفيت ابنته الوسطى نيفين منذ ثلاث سنوات.