«الأوبرا السلطانية» تدشن مرحلة جديدة في مجال الفنون العمانية

محسن الشيخ عضو مجلس إدارة الدار لـ «الشرق الأوسط»: السلطان قابوس كان يحمل فكرة الأوبرا منذ عشر سنوات

دار الأوبرا السلطانية في مسقط، ويتسم المبنى الرئيسي ببريقه الخارجي المستمد من الرخام العماني
TT

دشن السلطان قابوس بن سعيد دار الأوبرا السلطانية الأسبوع الماضي، وهي أول دار للأوبرا في عمان ومنطقة الخليج. وجاء افتتاح دار الأوبرا السلطانية تتويجا لمسيرة التنمية الثقافية المستدامة في السلطنة، وانطلاقا من أهمية التنمية الثقافية كإحدى ثمار النهضة ودورها الفاعل في التقارب بين الحضارات. وافتتح الموسم الأول للمسرح الجديد 12 أكتوبر (تشرين الأول) بتقديم أوبرا «توراندوت» للملحن الإيطالي العظيم جياكومو بوتشيني. ومخرج العرض هو فرانكو زيفيريلي. كما قاد الأوركسترا المغني بلاسيدو دومينغو. وينص برنامج الموسم الأول للأوبرا الملكية على تقديم عدد من الأوبرات تكريما لسيدة الغناء العربي أم كلثوم.

وتعد دار الأوبرا السلطانية في مسقط تتويجا لمسيرة التنمية الثقافية التي تبناها السلطان قابوس بن سعيد، الذي خلف والده في الحكم عام 1970. ويعرف السلطان قابوس باهتمامه الكبير بالموسيقى الكلاسيكية، وكان قد أنشأ أول أوركسترا سيمفوني في منتصف ثمانينات القرن الماضي.

وتعتبر الدار تحفة معمارية، حيث يمكن تلمس بعض تفاصيل القلاع العمانية المتمثلة في الفتحات المتكررة الواقعة في أعلى الجدران الخارجية، إضافة إلى استلهام تراث المشربيات الخشبية التي تميز البيوت العربية في تصميم التشكيلات الخشبية داخل المبنى وفي تصميم الفوانيس والثريات. ويمكن تلمس أيضا بعض آثار التراث المعماري الذي يعود للعهد المملوكي، كما تتم مشاهدة الزخرفة المغولية الهندية في الكوات العديدة على الجدران.

ويتسع المسرح لـ1100 شخص، وبني مراعاة للخصائص القومية والجغرافية لعمان، ويحتل مع الحدائق المحيطة والغاليري للفنون والمطاعم والمحلات الفاخرة مساحة 80 ألف متر مربع.

وكشف الدكتور محسن بن محمد الشيخ، المستشار بديوان البلاط السلطاني عضو مجلس إدارة دار الأوبرا السلطانية، في لقاء مع مجموعة من الصحافيين العرب، الرسالة التي تتبناها الدار، وبرامجها التي من المنتظر أن تتماس بشكل مباشر مع مختلف شرائح المجتمع. وقال «إن دار الأوبرا السلطانية ستشكل جسر تواصل وحوار حضاري»، مشيرا إلى أن «رسالة الدار تتنوع ببرامجها من أجل تعزيز القيم التي سوف ترسخ على مر الأيام». وتقدم دار الأوبرا السلطانية مسقط العديد من الفنون الرفيعة والبرامج المبتكرة التي تدعم مجالات المعرفة والإلهام لكل المرتادين من عمان وأنحاء العالم.

واستعرض الدكتور محسن الشيخ تفاصيل هذا الصرح الثقافي قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «المشروع قبل 10 سنوات من الآن كان حلما، وقد تمثل على أرض الواقع، وحين أوكلت إلينا مهمة بناء هذا الدار، فكرنا في أهم معايير بناء دار أوبرا بسمات ملكية، وبعد عدة لقاءات مع استشاريين توصلنا إلى ضرورة بناء متعدد الأغراض، بحيث يجمع جميع الفنون الأدائية أو الاستعراضية على خشبته. وأضاف «لبناء معمار مماثل لا بد من توافر تقنيات عالية بخاصة مع اختلاف مواصفات المسرح الذي يقدم عروضا موسيقية عن ذلك الذي يقدم العروض الأوبرالية، والنتيجة أن بنينا مسرحا متغيرا بحسب العرض المقدم عليه، وبشيء من التفصيل، فالمسرح مقسم إلى مسرح رئيسي تقدم العروض المسرحية والاستعراضية عليه وخلفه مسرح موسيقي، وفي حال العروض الاستعراضية تنزل المدرجات الأمامية للدار نحو الأسفل لتستوعب المساحة الكافية للعرض، وعند العروض الموسيقى تخرج المدرجات الأمامية، ويتقدم المسرح الخلفي لتقديم أفضل أداء موسيقي مع التقنيات المصاحبة لها، وتتسع المدرجات لتستوعب أكثر من 1000 شخص.

وقال الشيخ ردا على سؤال لـ«الشرق الأوسط» إن يوم افتتاح الأوبرا «هو يوم مهم جدا في تاريخ عمان»، مشيرا إلى أن السلطان قابوس كان يحمل فكرة الدار منذ عشر سنوات.. واليوم تحقق شيء نفخر به جميعا». وأكد أن الكثيرين «أتوا إلى تهنئتنا بمناسبة حفل الافتتاح وبالمشروع الذي أنجز، إلا أننا أكدنا لهم أننا اليوم بدأنا الخطوة الحقيقية وبدأنا رحلة التحدي». وقال «إن علينا أن نشرك المدارس والجامعات في المشروع للوصول إلى ثقافة أوبرا مستدامة، وهذا هو التحدي الكبير الذي نحن بصدده خلال المرحلة القادمة خاصة السنوات الخمس القادمة». وأوضح أن أسعار التذاكر في السلطنة تعتبر منخفضة مقارنة بالكثير من دول العالم؛ بهدف جذب أكبر عدد من الجماهير»، مضيفا «نريد الشعب أن يشارك في هذا المشهد، فهذه الدار هي دار كل العمانيين.. إنها جزء من حضارتهم». وأوضح الشيخ خلال تجواله مع مجموعة الصحافيين داخل أروقة الدار وهو يتحدث عن الحلم الذي تحقق بعد عشر سنوات من العمل الجاد المتواصل تحت رعاية وإشراف السلطان قابوس بن سعيد، إن هذا المشروع سيستضيف العديد من الفعاليات المختلفة كحفلات الأوبرا والحفلات الموسيقية والمسرحيات، إضافة إلى المؤتمرات والعديد من المؤتمرات الثقافية والفنية. من جهته، قال المهندس حامد الغزالي، المشرف على الشق المعماري، إن مجلس إدارة الدار استعان بسبع شركات استشارية متخصصة لوضع التصميمات اللازمة من الداخل والخارج. فيما قال محسن الشيخ إن مجلس إدارة الدار زار العديد من دور الأوبرا العالمية في أوروبا وأميركا ومصر لتكوين فقرة عامة عن رسالة الدار.

وقال الشيخ إن ما يميز دار الأوبرا السلطانية ربما عن غيرها من الدور أنها تتبنى جسرا تمده بين الثقافات، ولا تتبنى قالبا موسيقيا واحدا. وأكد أنه ليس من باب الشعارات أن دار الأوبرا السلطانية ستتبنى خططا لتقريب الجميع من الدار، حتى تثبت للجميع أنها تحمل على عاتقها رسالة خيرة.

وقال إن المجتمع العماني مجتمع شاب، لذلك سيكون هناك تركيز على فئة الشباب، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن «دار الأوبرا السلطانية هي الدار الوحيدة في العالم التي تقدم ترجمة بكل اللغات للأعمال التي تعرض فيها من خلال شاشة تلفزيونية مثبتة في المقعد المواجه، وسوف يكون لدينا خلال وقت قصير رصيد من الأعمال المترجمة».

ويتسم المبنى الرئيسي ببريقه الخارجي المستمد من الرخام العماني عالي الجودة المستخدم في بنائه، كما تحيط به مساحات مفتوحة وحدائق وأشجار غناء، وتتسم واجهات المبنى بوجود عقود عريضة عالية وقناطر واسعة في كل جانب من جوانب المبنى، مما ينتج شعورا بالاتساع والإضاءة، إضافة إلى اعتماد تصميمه على التراث المعماري العماني والعربي والإسلامي.

وشيدت دار الأوبرا السلطانية في مساحة شاسعة تبلغ ثمانين ألف متر مربع في منطقة قريبة من شاطئ القرم في العاصمة مسقط، وتبلغ المساحة المبنية ما يربو على خمسة وعشرين ألف متر مربع، وموقع دار الأوبرا يمتد من جهة الغرب إلى جهة الشرق.

وشيد مبنى الأوبرا من ثمانية طوابق، تقع ثلاثة منها تحت الأرض فيما تقع خمسة منها فوقها، ويمتد مبنى الأوبرا من شمال الموقع إلى جنوبه، ويقطع المبنى رواقان من الأعمدة يمتدان على جانبيه الشرقي والغربي، وفي الطرف الشمالي للرواق الغربي يوجد مسرح الاستوديو ويسمى أيضا «الصندوق الأسود». كما يحتوي الطابق الأول على مجلسي استقبال في كل من الجهتين الشرقية والغربية للمبنى، بالإضافة إلى الجناح الخاص المخصص لكبار الشخصيات، وفي الجانب ذاته من المبنى يوجد طريق جميل التصميم مخصص للموكب السلطاني يؤدي إلى بهو الاستقبال السلطاني، ويطل الطريق على الحدائق والمسطح الأخضر الكبير الذي يشكل منطقة عرض إضافية.

ويحتوي الطرف الشمالي للمبنى على خشبة المسرح إلى جانب غلاف خشبة مسرح قابل للحركة ومنطقة مسقوفة يمكن من خلالها الوصول مباشرة إلى خشبة المسرح لتحميل وتنزيل المشاهد والمعدات والتجهيزات، ويحتوي الطرف الأبعد من المبنى على المكاتب الإدارية وغرف تغيير الأزياء. أما المناطق العليا في المبنى، أي الطابقين السابع والثامن، فتحتوي على المزيد من المرافق لأداء الفعاليات التي تقام في الهواء الطلق، ويتسم الطابق الثامن بإطلالته على مشاهد بديعة الجمال إذ يطل على البحر من جهة الشمال وعلى الجبال من جهة الجنوب.

وقال المهندس حامد بن عبد الله الغزالي، مدير المشروع، إنه «يعتبر فريدا من نوعه في الشرق الأوسط من ناحية المواصفات ذات التقنية العالية والخاصة بالمجال المسرحي والغنائي ونقاء الارتداد الصوتي المسموع في قاعة المسرح»، مؤكدا أنه «مشروع فريد في تصميمه وأدائه، وينبع من النظرة الثاقبة واهتمام السلطان بثقافة الفنون الموسيقية والمسرحية». ومن المقرر أن يصبح هذا المشروع بعد الانتهاء منه معلما بارزا ونقطة مهمة للجذب السياحي من خلال إقامة سوق لعرض الفنون التشكيلية والمنتجات اليدوية والحرفية التراثية، بالإضافة إلى المطاعم والمقاهي وأماكن للتسوق، وتشغل الأشجار والمسطحات الخضراء بالموقع نحو 60 في المائة من الأراضي المخصصة للمشروع مما يوفر أماكن فسيحة للتنزه والجلوس. ويتضمن المشروع تشييد مواقف سيارات تتسع لنحو 450 سيارة، وشبكة طرق متكاملة لتسهيل انسياب حركة المرور من وإلى دار الفنون الموسيقية.

وفي ما يتعلق بالتصاميم المعمارية وأنظمة الإضاءة وأنظمة الصوت وإمكانية تحريك خشبة المسرح، يقول المهندس الغزالي «هذا المشروع ينطوي على أعلى المقاييس العالمية وأحدث ما توصلت إليه التقنية في هذا المجال، كما أن مقاعد الجلوس في قاعة المسرح قابلة للتعديل وفقا لنوعية العرض المقدم». ويكمل الغزالي «في حالة تقديم عروض موسيقية يتم تعديل القاعة لتتسع لنحو 1100 مشاهد كحد أقصى، في حين أن عروض الأوبرا والمسرح تتطلب توسعة الخشبة، لذا فبالإمكان تخفيض سعة المقاعد لتصبح 800 مشاهد كحد أدنى، ويمكن تعديل خشبة المسرح بما يتناسب مع نوع العرض سواء كان ذلك عرضا موسيقيا أو عرضا مسرحيا أو أوبراليا أو لأي غرض ثقافي وفني آخر، كما أن إحدى الخصائص الفريدة لخشبة المسرح هي وجود برج علوي بارتفاع 32 مترا لتسهيل التشكيلات المسرحية خلال الأداء وبناء على نوع الإخراج الأوبرالي أو الموسيقي يكون بالإمكان توسعة خشبة المسرح وتكبير موقع الأوركسترا، وذلك باستخدام مصاعد الأوركسترا أو مصاعد خشبة المسرح وعربات المقاعد في أوضاع مختلفة، بالإضافة إلى ذلك سيتم استخدام مجموعة من أدوت التقنية الصوتية التي تساعد على امتصاص الارتدادات لتحقيق نقاوة عالية للصوت بناء على نوع العرض الذي يتم تقديمه».