ما القيمة الحقيقية للجوائز التي تمنحها المؤسسات والمهرجانات؟

«الشرق الاوسط» في مهرجان أبوظبي السينمائي السادس

Tree of life شجرة الحياة: 32 مليونا بسبب جائزة
TT

في شهر يوليو (تموز) الماضي بعث المخرج رضا الباهي بفيلمه الجديد «ديما براندو» إلى مدير مهرجان فينيسيا ماركو مولر مع ملاحظة: «المسابقة أو لا». شاهد مدير أعرق مهرجانات العالم الفيلم ورد: «لا». وفي مكالمة أجراها زميل لمدير المهرجان قال له مولر: «لا أعتقد أنه يصلح للمسابقة».

الاختيار السريع الثاني للمخرج التونسي كان مهرجان تورونتو حيث تم عرضه متلقفا آراء نقدية معظمها معتدل وما فوق. والاختيار الثالث مهرجان أبوظبي مشاركا في مسابقة الفيلم الروائي. وبينما يخلو تورونتو من مسابقة ولجنة تحكيم (جائزته الوحيدة هي جائزة الجمهور التي تتم عبر التصويت والتي نالها «وهلق لوين» للبنانية نادين لبكي) فإن فوز الفيلم التونسي في مهرجان أبوظبي، لو تم، أمر بالغ الضرورة لأسباب مختلفة أحد أهمها سبب مالي. فببساطة حظ الفيلم في استرداد تكاليفه (التي ربما تجاوزت المليون دولار عبر سنوات من الاستعداد والتغييرات التي أصابته خلالها) من السوقين التونسي والعالمي محدود، أما السوق العربية فجثة هامدة ما يجعل الجائزة المالية خير تعويض لتدخل صلب المصلحة الإنتاجية. أحد أهم الأسباب التي من أجلها يتم إنجاز الأفلام العربية هذه الأيام.

هذه المكافأة، سواء نالها هذا الفيلم أو ذهبت لسواه، ليست حكرا على مهرجان أبوظبي، فهناك مهرجانان كبيران آخران بمكافآت سخية هما دبي وقطر. لكن فعل هذه المكافآت المجتمعة في صناعة الفيلم العربي لم يعد بالإمكان تجاوزه. لقد صار تقليديا الآن أن يقوم المخرج العربي الجاد أو الذي يتمتع بموهبة تحظى بالاهتمام بتحقيق فيلمه وعينه على أحد هذه المهرجانات العربية منذ البداية مرتبطا بآلية تنفيذ وعمل تشمل التقدم إلى أحد هذه صناديق الدعم المرتبطة بالمهرجانات المذكورة لبلورة عمله ولكي يستطيع أن يجد الدعم الذي يحتاجه لإنجاز الفيلم. بالتالي، يصير متوقعا أن يتم اختيار فيلمه للمهرجان الذي أنشأ صندوق الدعم ذاك أو عمل معه.

على صعيد مواز، فإن الجائزة الأولى بحد ذاتها ليست ذات اعتبار يتجاوز هذا الوضع.

للإيضاح، تتبلور أهمية الجوائز على عناصر مجتمعة ليست متوفرة إلا في بعض المهرجانات العربية وإذا ما توفرت فبتفاوت.

في المقدمة هي تاريخ المهرجان العريق وشهرته ما يشجع المنتج - المخرج على التقدم إليه.

جائزة مهرجان «كان» قد تساعد الفيلم على توسيع رقعته الجماهيرية، كما الحال حين فاز الفيلم الفرنسي «النبي» لجاك أوديار سنة 2009 فارتفعت رقعة توزيعه داخل فرنسا وخارجها وتم ترشيحه للأوسكار. في العام الحالي، نال فيلم ترنس مالك «شجرة الحياة» ذهبية المهرجان الفرنسي ما رفع سقف المعرفة الجماهيرية به وساعده في تحقيق نجاح عال لفيلم خاص جدا (أنجز نحو 32 مليون دولار عالميا).

في فينيسيا، العام الماضي، مشى فيلم «بجعة سوداء» المسافة بين المهرجان الإيطالي في سبتمبر (أيلول) إلى حفل الأوسكار في فبراير (شباط) براحة شديدة. الجائزة التي نالها في فينيسيا ساعدته على الرواج ولفت النظر إليه.

لكن الأوسكار يبقى سيد الجوائز ليس فقط على صعيد رفع مستوى الإلمام لدى قطاعات مختلفة، بل أساسا في ديمومته. إلى الآن، وفي كل عام، نجد مقالات حول الأفلام والشخصيات السينمائية التي فازت بهذه الجائزة من الثلاثينات وما بعدها إلى اليوم. والإقبال على مشاهدة حفلتها التلفزيونية لا يزال تقليدا عالميا يقدم عليه عشرات ملايين المشاهدين حول العالم.

على عكس كل ذلك، فإن الجوائز العربية لا قيمة فعلية كبيرة لها على هذا الصعيد تحديدا. لا توجد جائزة عربية تقود الفيلم إلى نجاح جماهيري لأنه لا يوجد جمهور موحد ومحدد للفيلم العربي. بالتالي لا تأثير للجائزة لا في الأسواق المحلية ولا في الأسواق العربية ولا في الأسواق العالمية طبعا.

والقول «تحديدا» يعني أنها جوائز ذات قيمة في جوانب أو على أصعدة أخرى. هذا لا يمنع. لكن الحاجة هي أن تصبح من الأهمية بحيث تشمل أهميتها كل الأصعدة وهذا أمر صعب تطبيقه لأن الظروف الحالية من التشتت بحيث لا يمكن السعي بنجاح لإعادة بنائها على نحو يحقق الغايات المفتقدة.

المشكلة هي أنه لا توجد أسواق ستعكس قيمة نجاح الفيلم الواحد. بصرف النظر عن الفيلم وجائزته والمهرجان الذي منحه إياها، ستبقى الجائزة قيمة تاريخية وشخصية يتداولها الإعلام العربي. لكنها ليست طريقا لكسب جمهور، ولا هي متصلة برغبة المنتجين، عرب أو أجانب، العمل مع المخرج الفائز تبعا لموهبته أو نجاحه.

الفيلم الفائز قد يمكن مخرجه من البقاء في سدة منافسة المهرجانات العربية عليه، لكن الفاصل كبير بين ذلك وبين أن ينقله النجاح إلى نجاحات أخرى، كما يحدث في الغرب.

لكن ليس كل الغرب. إنها 5 مهرجانات فقط حول العالم تعني جوائزها الكثير لحامليها وهي بالتدريج: كان، فينيسيا، برلين، صندانس وتورونتو. أما بين المناسبات فهناك على التوالي الأوسكار والغولدن غلوبس ومنافسة على المركز الثالث بين جائزتي البافتا البريطانية وجائزة الفيلم الأوروبي.

طبعا الصورة تبدو أفضل من هذا التصنيف أو الوصف، وذلك حين يرفع الفائز بجائزته أمام الكاميرات والمصورين، لكن الواقع هو أنه فوز شخصي جيد وضروري، لكنه قلما ينعكس، في معظم مهرجانات العالم، إيجابا على مستقبل ذلك الفائز.

* أفلام

* مشاكل امرأتين على الشاشة

*أسماء

*إخراج: عمرو سلامة أدوار أولى: هند صبري، ماجد الكدواني، هادي عادل مصر - 2011 - مسابقة آفاق جديدة.

التقييم: (2*) (من خمسة)

*هناك ما يشد المخرج سلامة إلى حالتين على قدر من التناقض في فيلمه الجديد «أسماء». هذا هو فيلمه الثاني بعد «زي النهاردة» (2008) الذي حمل وعد ولادة مخرج جديد. هذا الوعد يتكرر هنا ولو أنه لا يتحقق بالكامل. دراما ذات ملامح عاطفية شديدة الرسوخ في السينما المصرية، وهذه هي الحالة الأولى، والثانية هي في انعتاق الفيلم من السرد التقليدي المعتاد ورغبته في بناء سردي مختلف، وإن لم يكن جديدا.

هند صبري تؤدي دور امرأة مصرية مصابة بمرض الإيدز. لكن مشكلتها لا تنحصر في هذا الجانب، بل في أنها أيضا بحاجة إلى إجراء عملية مرارة وأول ما يعرف الأطباء أنها مصابة بالإيدز يفضلون تركها ومصيرها. بذلك فشلت في معالجة هذا المرض الإضافي وإجراء جراحة تخلصها من آلامه المبرحة.

اسمها أسماء وهي من الصعيد وكانت تزوجت ممن تحب لكن خلافا بين زوجها ورجل تعرض إليها دفع الأول لقتل الثاني من دون عمد فدخل السجن. حين خروجه بعد سنوات يقرر الطلاق بعدما تأكدت إصابته بالإيدز وإذ مارس الجنس مع زوجته، تحت إصرارها ومع علمها، انتقل المرض إليها. هو مات وهي بقيت حاملة الفيروس وابنتها كبرت وإن لا تبدو عليها علامات المرض. ما يبدو على الابنة عوارض المراهقة التي تجعلها متبرمة من الوضع، وبما أنها لم تر والدها فهي تعتقد أن والدتها أنجبتها حراما.

كل هذه العوامل تتداخل في صياغة الحكاية التي تمشي على خطين: هناك صاحب البرنامج التلفزيوني (الكدواني) الذي يصله العلم بحالة أسماء ويحاول مساعدتها لكن إصرارها على الإفصاح عن كيف التقطت المرض يعيق ذلك إلى أن يرضى باستضافتها على أي حال تاركا لها مطلق الحرية لتقول ما تريد. هذا الخط يتقاطع مع الخط الآخر الذي هو خلفية وضعها الحالي. كل تلك الحكاية الريفية من حين أن كانت فتاة ترمي حبيب قلبها بالنظرات، إلى زواجها ثم باقي ما تعرضت إليه حياتها من تقلبات.

للأسف، فإن هذا الجانب الخلفي للحكاية، وكما الحال في أفلام أخرى جمعت بين حكايتين آخرها «ديما براندو» يفقد الأهمية التي كانت في باله. المشكلة أن الفيلم لا يستطيع أن يسير بالحكاية التي تقع في الزمن الحاضر وحدها بسبب تركيبته وصغر مساحة عقدته: أسماء لا تريد الكشف عن سبب إصابتها، لكنها ستفعل في النهاية وحين تفعل كنا شاهدنا كل شيء ستكشفه من خلال مشاهد الزمن السابق. بذلك الحاضر هو تكرار لما نعلم حدوثه وليس إضافة حقيقية عليه.

المعالجة العاطفية تكتسب حضورا من النوع ذاته. المشاهد ذاتها هي ذات طابع كلاسيكي (خصوصا تلك التي تقع في الريف). المونتاج يحاول الابتكار من اللحظة الأولى.

كذلك فإن الفيلم بحاجة إلى ما (ومن) ينتقده وليس إلى ما يقدمه. ودموع المشاهدين (أو نصفهم) خير دليل على أنه أصاب الغاية منه. لكن الفيلم الذي يبكي - عادة - هو الفيلم الذي عليك أن تخشاه لأنه لم يحقق هذه الدرجة من التأثر إلا عبر العاطفة وليس عبر العقل والمعالجة الفنية الحقة.

Elena

* إخراج: أندريه زفياجنتزوف أدوار أولى: أندريه سميرنوف، نادجدا ماركينا، إلينا لبادوفا.

روسيا - 2011 - المسابقة التقييم: (3*) (من خمسة)

*المشهد الأول لهذا الفيلم الثاني لمخرجه (بعد «العودة» قبل 4 سنوات) هو لغصن شجرة بلا أغصان. طائر يحط عليها. الطائر يطير. الصورة رمادية وطويلة. زفياجنتزوف يسجل عبرها ما سنراه لاحقا: زوجة كالشجرة لديها مسؤولياتها. تحط عليها أزمة. تقف قليلا. تمضي.

إلينا (نادجدا ماركينا) امرأة في الأربعينات. بدينة. لا تتمتع بمواصفات جمال ظاهري. كانت (قبل الفيلم) تزوجت وأنجبت وولدها تزوج ويعيش مع امرأته وولديه وهي حامل بولد ثالث. إلينا تزوجها سيرغي (أليكسي روزين) ثري من العهد الجديد لديه حاجة لمن يعتني به. ليس أنه، في البداية، مريض أو مقعد بل لأن المرأة في بيته ستلبي حاجات مختلفة على كل صعيد. إلينا راضية لكن لديها طلب ملح: تريد من زوجها أن يساعد ابنها، وهو غير راغب في ذلك. لقد ساعده ذات مرة وما زالت حال ذلك الابن كما هي. يخبر سيرغي زوجته أنه ليس جمعية خيرية وأن على ابنها أن يسعى (في عهد جديد) لكي يبني نفسه بنفسه وأن يجد العمل الذي يساعده على ذلك. في المقابل، يغدق سيرغي على ابنته الشابة، التي تعيش وحدها وتنتمي إلى طبقة اليوم الثرية، ما تطلبه راجيا أن تلجأ إليه وتعيد اللحمة العائلية إلى حياته. حين يصاب سيرغي بأزمة قلبية تهرع ابنته لجانبه لكنه هرع من لا يريد أن يحرم من الميراث. إذ تلحظ إلينا ذلك، تستمر في أداء وظيفتها. لكن مع عناد الزوج في موقفه حيال ابنها وخوفا من أن تخسر إرثه لصالح ابنته، تقوم بقتله. كونه أصيب بأزمة قلبية خطيرة يجعلها خارج الريبة. بعد موته، تستقبل ابنها وعائلته الذين يشاركونها المنزل. لقد أدت وظيفتها نحو عائلتها هي. بعد مشهد الغصن ذاك، كان المخرج زفياجنتزوف انتقل إلى لقطة أخرى. تنام وحدها في غرفة لا تعكس ثراء الوضع والبيت كله، منفصلة عن زوجها. المخرج يرصد بذلك نقاط البعد ونقاط الجمع بين الطرفين. يشتركان في العيش في البيت، لكنهما لا يشتركان في الحياة المرفهة ذاتها (غرفته أفضل وأثرى تصميما). يشتركان في العلاقة الاجتماعية (زوج وزوجة) لكنهما لا يشتركان في مفهومهما حيال المسائل العائلية.

أحد الزملاء الأعزاء (الناقد كمال رمزي) استشف أن الفيلم يقاضي الفترة الشيوعية ممثلة بسيرغي، لكن ما نراه هو العكس. فيلم زفياجنتزوف يناقض وينتقد الفترة الحالية من الحياة الروسية، ليس فقط لأن الأحداث تقع اليوم، بل لأن الزوج يعكس طبعة الأثرياء الجدد أيضا. ما هو بعدي وعميق يستمر لمعظم دقائق الفيلم (109 دقائق) لكن في آخر ربع ساعة يختفي الخط المبطن من السيناريو ويتحول العرض إلى قصة. النهاية ذاتها ليست مرضية إذ تترك المرأة التي عانت من فتور زوجها حيالها وحيال وضعها، وقد نجحت في التحول إلى جلاد. الخامة الأخلاقية منتفية منها، لكن معالجة الفيلم لها في تلك اللحظات الأخيرة تجعله كمن يشاركها ذلك الانتفاء.

3. Asmaa.jpg أسماء 4. Elena.jpg إلينا