واشنطن تعج بأفراد من أسر مالكة أفريقية

تتيح لهم العاصمة الأميركية إمكانية الاحتفاظ بمكانتهم المرموقة إلى جانب العيش في عاصمة عالمية

كثير من أفراد الأسر المالكة الذين يطلقون على هذه المنطقة وطنهم منفيون؛ وآخرون أتوا نظرا لأن أجدادهم أو آباءهم، الذين تم تجريدهم من سلطتهم (واشنطن بوست)
TT

أميرة إثيوبيا الصغيرة ذات الشعر المموج هي مسؤولة قروض عقارية تسافر 40 دقيقة يوميا، وتعد طعامها بنفسها وتذهب للتسوق في مركز «تايسونز كورنر».

«ليس لدي حراس شخصيون ينظمون لي المرور أو خياطون يحيكون لي ملابسي. هذه أميركا»، تقول سابا كيبيدي من ماكلين، التي ضحكت ونظرت إلى زوجها، الأمير إرمياس سهل سيلاسي، حفيد الإمبراطور الإثيوبي هايلي سيلاسي.

وفي داك درايف في آبر مارلبورو، يقطن كوفي بواتيغ، أحد ملوك قبيلة الأشانتي من غانا - هناك كثيرون - يعمل محاسبا قانونيا معتمدا ولديه منزل كبير يضم شاشة تلفزيون مسطحة يتابع عليها مباريات كرة القدم، وصورا للأسرة المالكة من غرب أفريقيا معلقة فوق الموقد.

«في بعض الأحيان، تكون هذه الضواحي هادئة جدا إلى حد أنها تذكرني بقريتي في غانا»، هكذا يقول بواتينغ مغلقا عينيه ومستمعا لصوت الكريكيت في منتصف الليل الممتزج مع همهمة موسيقى غرب أفريقيا المنبعثة من حفل في منزله.

كيبيدي وبواتينغ هما مثالان للعديد من أفراد الأسر المالكة الأقل شهرة الذين يعيشون في ضواحي واشنطن. ويضمون الملك كيجيلي نداهنوروا الخامس، الذي حكم رواندا إلى أن تمت الإطاحة به في عام 1961 والآن يطلق على أوكتون وطنه، وولي العهد الإيراني رضا بهلوي، الذي يعيش في بوتوماك ويدير جمعية تؤكد على الحاجة الملحة لإرساء الديمقراطية في بلده.

وفي الوقت الذي تعد فيه واشنطن وجهة لهؤلاء الساعين إلى السلطة، فإنها أيضا ملجأ لهؤلاء الذين فقدوا تلك السلطة. كثير من أفراد الأسر المالكة الذين يطلقون على هذه المنطقة وطنهم منفيون؛ وآخرون أتوا نظرا لأن أجدادهم أو آباءهم، الذين تم تجريدهم من سلطتهم، رأوا أن الولايات المتحدة توفر فرصا أفضل لأبنائهم، فيما تتيح لهم واشنطن إمكانية الاحتفاظ بمكانتهم المرموقة، إلى جانب العيش في عاصمة عالمية.

كثيرون منهم يعيشون حياة تتفق والنمط العام السائد في واشنطن. إنهم دبلوماسيون من نوع مختلف، يلتقون بمسؤولين في البنك الدولي ونشطاء حقوقيين وأعضاء بمجلس الشيوخ يعملون بالسفارات وفاعلي الخير. ونظرا لكونهم شخصيات ملكية، فإنهم يترأسون حفلات أعياد الميلاد وحفلات الزفاف والجنازات مستعينين بقدرتهم على إدارة الاحتفالات. ونظرا لكونهم من سكان الضواحي، فإنهم يعانون من مشكلة ازدحام المرور ويلجأون لخدمات التنظيف الجاف ويساعدون أطفالهم في أداء واجباتهم المنزلية.

«في أميركا، لقبك ومبلغ 1.50 دولار سيكفلان لك الحصول على فنجان قهوة»، هكذا يتحدث مازحا غل أحمد زكريا، جراح ولادة ينحدر من العائلة المالكة الأفغانية وأنهى مدة عمله كجراح مقيم بمستشفى جامعة جورج تاون. واستكمل قائلا: «لكن إذا قلنا إن لأفراد الأسر المالكة وطنا في أي مكان، فسيكون هو واشنطن».

إنهم يتركون قلاعهم وبلاطهم الملكي وراء ظهورهم، ولكن ليس مكانتهم الرفيعة بين رجال الدولة أو الواجبات المرتبطة بها - حتى عندما يعيشون في ضواحي ميريلاند ويعملون في مهن متواضعة ويبتاعون طعامهم من المطاعم رخيصة الأسعار.

* نوع جديد من القصص الخرافية

* في فناء مظلل بكنيسة أرثوذكسية إثيوبية في الإسكندرية، يمر الأمير سيلاسي وزوجته، الأميرة كيبيدي، بمجموعة نساء يرتدين أغطية رأس قطنية ويصلين. يوجه قس يحمل صليبا فضيا الزوجين المنحدرين من أسرة مالكة إلى الطابق السفلي من الكنيسة. وبالاستعانة بالمباخر، يتدافعون لاحتلال مقاعدهم حول منضدة لتناول وجبة إثيوبية تقليدية.

«انتظرا من فضلكما، لا تجلسا هناك»، هكذا تحدث القس. وأردف قائلا: «اجلسا عند مقدمة الطاولة. لا يمكنكما الجلوس في أي مكان. أنتما شخصيتان شهيرتان جدا».

وخارج الكنيسة، يبدو الزوجان سيلاسي كأي أسرة أخرى عادية في واشنطن. يعمل الأمير في جمعية الدراسات الاستراتيجية الدولية، مركز بحثي في الإسكندرية يركز على قضايا على رأسها مراقبة المياه في أفريقيا. وتتولى الأميرة مهمة التصديق على القروض العقارية لاتحاد الائتمان الفيدرالي الخاص التابع لمجلس الشيوخ والنواب الأميركيين.

غير أن أفراد الأسر المالكة باتوا يشكلون أهمية أكبر بالنسبة للمجتمع الإثيوبي، الذي ينظر لتاريخهم متجسدا في صورة الأميرة سيلاسي. هناك حركة متنامية بين الجيل الأصغر سنا لتبجيل الإرث المثير للجدل لجد الأمير.

والصورة الأنيقة للإمبراطور - ولقبه الكامل «جلالة الإمبراطور هايلي سيلاسي الأول، ملك الملوك، سيد الأسياد، الأسد الغازي من قبيلة يهوذا والمصطفى من الرب» - معروضة في العديد من المطاعم الإثيوبية. وترتدي فرق كرة القدم بمختلف أنحاء واشنطن قميصا رياضيا عليه صورة وجه الإمبراطور النحيل ذي اللحية. وفي حفل أقيم مؤخرا لتكريم الإمبراطور، احتفي به بوصفه رجل دولة قديما مناهضا للاستعمار وقف في وجه المحتلين الإيطاليين وأقام علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة.

ويرأس الأمير سيلاسي أيضا مجلس تاج إثيوبيا (مجموعة تعمل من أجل الحفاظ على تقاليد السلالة الحاكمة وإبراز إنجازات الإمبراطور). ويؤيد المجلس فكرة عودة الملكية الدستورية لإثيوبيا، على الرغم من عدم وجود خطة لإحياء ذلك النظام من جديد.

ويقول الأمير: «لم نتنازل مطلقا عن العرش».

أذهل الأمير المتمسكين بالتقاليد في دولته المتحفظة اجتماعيا حينما طلق زوجته الأولى. وفي فترة لاحقة، التقى بكيبيدي التي تزوجها في فبراير (شباط) الماضي.

«ربما تكون ما زالت هناك حكايات خرافية»، تقول كيبيدي وهي تتأبط ذراع زوجها. وتستكمل قائلة: «تقع أحداث مثل هذه الحكايات في أماكن بعيدة جدا، مثل الإسكندرية بولاية فيرجينيا».

* زمن أفغانستان الجميل

* في ظهيرة يوم خريفي بارد، تطلب زليخة زكريا حساء المشروم في لا مادلين في طريق جورج تاون القديم في بيثيسدا، حيث تعتبر واحدة من زبائنه المنتظمين.

«صباح الخير يا سيدتي. لدي طبقك المفضل»، يقول نادل من الغابون، وتتحدث امرأتان بلهجة أميركية.

تبدو زليخة زكريا، المعروفة على المستوى المهني باسم الأخير يونوسزاي، مثل أنا وينتور ولكن بطراز أفغاني، فهي نحيلة القوام وترتدي نظارة شمسية حجمها كبير بشكل يفوق المعتاد وذات شعر قصير وكثيف كستنائي اللون.

وقد تلقت تعليمها في السوربون، وتقاعدت مؤخرا من منصبها كأستاذة لغة فرنسية بجامعة جورج تاون. وهي أيضا أحد أفراد الأسرة المالكة في أفغانستان، سلالة ممتدة ينتشر أفرادها بمختلف أنحاء نورث فيرجينيا، ومن بينهم ولي العهد الأمير أحمد شاه خان، الشاعر الصوفي الذي يفضل تجنب الأضواء.

في الأغلب، يقول أفراد آخرون من الأسرة المالكة الأفغانية إنهم لا يرغبون في أن تلتقط صور فوتوغرافية لهم أو أن يظهروا في الأحداث التي تقيمها سفارة أفغانستان. فهم يفضلون التركيز على المشكلات داخل أفغانستان، غير أنهم يقولون إنهم يجب أن لا يفعلوا ذلك، ويرجع ذلك بصورة جزئية لخشيتهم على أمنهم؛ حيث قام أحد المتطرفين الإسلاميين بطعن الملك الأفغاني المنفي محمد زاهر شاه في عام 1991.

تعيش زليخة زكريا مع أخيها الجراح غول أحمد زكريا أوقاتا شبه هادئة وسط ذكريات عصر مختلف. «انظر معي، لقد نشأنا أثناء الفترة التي أنظر إليها باعتبارها الزمن الجميل في أفغانستان» هكذا تقول زليخة زكريا.

«عشنا في أفغانستان في فترة كنت أنعم فيها بالحرية التامة. كنت أقفز فوق الأشجار وأقفز على جداول المياه وأقود دراجتي في الحديقة في المساء. أتذكر أنني في إحدى الليالي كنت أعيد كتابا لإحدى زميلاتي في الفصل. ذهبت في سيارة مفتوحة مع ياسين، الحوذي المخلص خاصتنا، إلى كابل وعدنا في ضوء القمر من دون أن يخالجنا أي شعور بالخوف».

تصمت برهة، ثم تعاود الحديث بهدوء قائلة: «الحرية التي تمتعنا بها في تلك الفترة لم تتمتع بها أي امرأة أفغانية منذ ذلك الحين. وأتساءل عما إذا كن سيتمتعن بها بعد ذلك أم لا».

ما زالت زكريا ترتدي ملابس والدتها الراحلة. تقول إنها «تعتز بها» لأنها تذكرها بتلك الفترة المختلفة من حياتها. وهي تعيش في منزل واحد مع شقيقتها، التي تملك صالون شعر في برينس ويليام. والمنزل يطل على جبال شيناندواه، والتي تقول إنها تشبه إلى حد ما الجبال الوعرة في أفغانستان.

* أفراد الأسرة المالكة المنتخبون في آبر مارلبورو

* «انظر يا أبي، الملك هنا!»، هكذا يقول فردريك أوليفر كواي، الذي كان يرتدي بدلة سهرة داكنة اللون مع قميص من اللون الأرجواني وربطة عنق تتماشى معه. إنها ليلة أحد من إجازة نهاية أسبوع مريحة، وهناك مشروبات تصب ويقدم الفوفو والسمك المقلي في حفل زفاف.

يعتبر كوفي بواتينغ هو الملك الإقليمي لغانا - إنه يمثل منطقة واشنطن. وهو يدخل منزله مع نظيرته الملكة الأم نانا أما أتشيا، كما لو كانا يدخلان قصرهما الملكي. ويحمل الملك منشة ذباب، اعتاد أن يستخدمها العظماء في إثيوبيا لإبراز سلطتهم؛ وتضبط الملكة الأم تاجها المزخرف ذا اللون الذهبي المصفر. وكلاهما يرتدي ملابس مزركشة مصنوعة يدويا تجمع ألوانها بين البرتقالي الزاهي والأخضر والأحمر. ويرتديان عددا كبيرا من الأساور الذهبية في أذرعهما؛ وصنادل مفتوحة مزينة بحلي على شكل أسماك ذهبية وبراعم أزهار.

ويحتل أفراد الأسرة المالكة مقاعدهم في غرفة الأسرة المطلية باللون القرنفلي الفاتح على كرسي العرش المطلي بالنحاس اللامع والمصنوع من جلود الحيوانات كدليل على النفوذ والسلطة. وتأتي مجموعة من الأميركيين من أصل غاني للترحيب بهم. وبعضهم يهزون رؤوسهم، في حين يكتفي آخرون بالوقوف متخذين وضع الانتباه.

«الأمر أشبه بوصول ضابط في الجيش. فأنت تظهر له الاحترام والتقدير»، هكذا يقول فردريك كواي، أبو الولد وأميركي من أصل غاني عاد مؤخرا إلى الولايات المتحدة بعد انتهاء خدمته بالجيش الأميركي في العراق. وأضاف: «ربما تكون هذه أميركا، ولكنهم أفراد أسرتنا المالكة».

ربما يبدون وكأنهم يحاكون غانا من خلال هذه الشقة الكائنة في مقاطعة برينس جورج. لكن ثمة وجه اختلاف كبير. هذان الشخصان المنتميان للأسرة المالكة، اللذان ليسا بزوج وزوجة، تم انتخابهما. الملك والملكة الأم ينحدران من أسر مالكة، لكن هذه أميركا، لذلك قرر المجلس التنفيذي لقبيلة الأشانتي إجراء انتخابات في المجتمع الغاني الموجود بهذه المنطقة.

فاز بواتينغ وأتشيا بمدة ثلاث سنوات ويقدمان تقارير مباشرة لرئيسهما: الملك أوتومفوسي توتو الثاني، الذي يعيش في كوماسي بغانا.

يقول بواتينغ: «في العالم الغربي، يؤمن الناس بفكرة التأمين على الحياة. في ثقافتنا، تأميننا يكمن في شعبنا، أن يؤمن كل منا الآخر. فإذا حدث أن مر شخص ما بضائقة، يأتي 10 أفراد لمساعدته. ونحن لا نرغب في أن نفقد تلك الثقافة».

البلاط الملكي بأكمله تم تجسيده في واشنطن، واكتمل بكبير لغويين، يلتقي بعامة الناس ويتحدث إليهم نيابة عن أفراد الأسرة المالكة. وهناك مستشار لأفراد الأسر المالكة، يعمل بالنهار سائقا لكبار السن. والملكة الأم سيدة أعمال تدير «متجر شامل» في مجمع تجاري مركزي بمدينة الإسكندرية.

«نرغب في مزج ثقافتنا بالسياسات الأميركية»، هكذا يتحدث الملك. وفي إشارة إلى أنهم يحاولون بالفعل مزج الأفكار الأميركية بمفهوم الحاكم المقدس، سيستمرون في إجراء انتخابات، لكن اللجنة ألغت قيود مدد التمتع بالمنصب. إنهم أفراد من أسر مالكة قبل كل شيء».

«هذه الوظائف تكون ممتدة مدى الحياة»، هكذا يقول بواتينغ، وهو يضحك بخفة. ويواصل قائلا: «إذن، قررنا هنا في أميركا أننا طالما نحب شعبنا ويمكننا أن نفعل ما هو في صالحه، يجب أن نمنح فرصة المحاولة وخوض سباق الانتخابات للفوز بمنصب الملك أكبر عدد ممكن من المرات. إضافة إلى ذلك، فإنها متعة مذهلة».

بعدها، أخذ يتمايل هو والملكة الأم على حلبة الرقص.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»