الشرطة الألمانية تطالب بوزارة للإنترنت

«خارطة طريق» إلكترونية يقترحها خبير على الحكومة الألمانية

انتقد الخبراء عدم وجود سياسة موحدة تجاه الشبكة الإلكترونية («الشرق الأوسط»)
TT

ثارت ضجة كبيرة في ألمانيا قبل أسابيع بعد الكشف عن استخدام أجهزة السلطة الأمنية لبرنامج كومبيوتر خاص، بمثابة «حصان طروادة» إلكتروني، لاختراق كومبيوترات المواطنين. المواقف الرسمية اختلفت بين نفي حازم صدر عن وزارة الداخلية الاتحادية واعتراف جزئي من قبل راينهولد غال، وزير الداخلية الاشتراكي في ولاية بادن فورتمبيرغ، الذي أبلغ صحيفة «بادشه تسايتونغ» أن البرنامج الكومبيوتري المذكور استخدم بشكل محدود في قضايا منفردة، وبنسخ لا تتيح له التجسس على كل الشبكة.

في خضم الجدل الدائر حول الموضوع، في الصحافة وأروقة البرلمان، وبين أحزاب الحكومة والمعارضة، طالبت الشرطة الألمانية باستحداث وزارة خاصة اسمها وزارة الإنترنت ويقودها وزير يرتبط بشكل مباشر بدائرة المستشار. ويفترض أن تهتم هذه الوزارة بتنظيم عمل الشبكة الإلكترونية والنضال ضد الجريمة الإلكترونية المنظمة.

وقال أندريه شولتز، رئيس اتحاد موظفي شرطة الجنايات، إن الوقت أصبح مناسبا تماما لتأسيس وزارة تهتم برسم سياسة ألمانيا الإنترنتية. وأضاف أن عصر المعلوماتية يفترض وجود سياسة موحدة لحكومة الاتحاد مع حكومات الولايات تجاه الجريمة المنظمة وضد إساءة استخدام الإنترنت وضد خرق حقوق الموطنين والتعدي على حق حماية المعطيات الشخصية.

وكانت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، قد تدخلت شخصيا بهدف فرض التحقيق في فضيحة التجسس الجديدة على المواطنين. وكانت الصحافة نقلت عن «نادي الكومبيوتر الألماني» خبر وجود «برنامج كومبيوتري» (سوفت وير) تجسسي اخترقت السلطات به كومبيوترات المواطنين، لكن الأجهزة الأمنية الألمانية سرعان ما أدارت دفة الجدل من النقاش حول «التعدي على حقوق الألمان» إلى الحوار الاكتفاء ببرامج تجسس الدولة والامتناع مستقبلا عن شراء «سوفت وير التجسس» من الشركات الخاصة.

مجلة «دير شبيغل»، الواسعة الانتشار، أعلنت من مصادرها الخاصة، أن الأجهزة الأمنية والضرائبية اشترت البرنامج المعروف باسم «حصان طروادة الإلكتروني» من شركة تتخذ من ولاية هيسن (غرب وسط ألمانيا) مقرا لها. والأدهى من ذلك، أنه سبق للرئيس السابق للشركة المذكورة أن حوكم قضائيا في مدينة كولون عام 2002 بتهمة رشوة دوائر الدولة، وحكم عليه في حينه بالسجن لمدة 21 شهرا مع فرض غرامة تبلغ 1.2 مليون يورو.

وزراء داخلية الولايات عقدوا مؤتمرا خاصا حول الموضوع مع وزير الداخلية الاتحادي، هانز بيتر فريدريش، واستخدموا فيه الشبكة الإلكترونية نفسها للاتصال. وبدا من المعلومات التي سربها الوزراء إلى الصحافة، عن «الفيديو كونفرانس»، أن الوزراء يختلفون في مواقفهم تماما، وخصوصا بين الولايات التي يحكمها الاشتراكيون والولايات التي يحكمها الديمقراطيون المسيحيون. فوزير داخلية سكسونيا السفلى، أوفه شونمان، يسعى، حسب تصريحاته إلى الصحافة، إلى تأسيس سلطة مستقلة عن الحكومات تتولى الإشراف على الشبكة وتضمن للمواطن حقوقه في الحفاظ على أسراره. ويقترب الوزير المحافظ في موقفه هذا من موقف دعاة تأسيس دائرة خاصة لحماية المواطن من التجسس على غرار دائرة حماية المعطيات الشخصية. وعارضه في ذلك هانز بيتر أول، المتحدث باسم كتلة المحافظين البرلمانية، الذي قال لصحيفة «ميتلدويتشة تسايتونغ» إن على الحكومة الاتحادية أن تنشئ مركزا خاصا بها لتطوير مثل هذه البرامج. ويرفض أول بهذا الكلام شراء برامج التجسس من الشركات الخاصة وينيط عملية تطويرها واستخدامها بمؤسسة حكومية خاصة. هذا ينطبق أيضا مع موقف الاشتراكي راينهولد غال، وزير داخلية ولاية بادن فورتمبيرغ، الذي استشهدنا به سابقا.

وزير داخلية الراين الشمالي يستفاليا رالف ييجر، عبر عن قناعته بضرورة تشكيل دائرة مستقلة للإشراف على عمل الشبكة، إلا أنه أشار إلى عدم وجود قوانين كاملة حتى الآن تحد من «فوضى» الشبكة الإلكترونية. وأيده في ذلك المتحدث الرسمي للشؤون الداخلية في حزب الخضر كونستانتين فون نوت الذي قال لصحيفة «دي فيلت» إن على الوزراء التأكد من إمكانيات وزاراتهم التقنية، وقدرتهم الفعلية على إنتاج البرامج المضادة للتجسس، قبل الحديث عنها. المرجح في فضيحة «حصان طروادة الحكومي» أن رئاسة الشرطة في ولاية بادن فورتمبيرغ، بجنوب غربي البلاد، كلفت شركة خاصة بإنتاج البرنامج «الخفي» مقابل 1.5 مليون يورو. وبعدها جرى بيعه لمعظم مراكز شرطة الولايات الألمانية. وعلم أن دائرة الضريبة المركزية ودائرة الجمرك كانتا من أهم زبائن الشركة المتخصصة في صناعة البرمجيات الكومبيوترية. وتحدث ناطق باسم «نادي الكومبيوتر الألماني» عن وجود أدلة لا تقبل النقض تشير إلى أن السلطات الألمانية تستخدم هذا البرنامج منذ عام 2009 للتجسس على المواطنين. خبير الشبكة الإلكترونية بيرند شيفورت اقترح على الحكومة الألمانية في «أسبوع الميديا» ببرلين «خارطة طريق» إلكترونية. وانتقد الخبير عدم وجود سياسة موحدة تجاه الشبكة الإلكترونية، وقال إن القوانين الأوروبية التي رسمتها المفوضية الأوروبية لم تكن إلزامية وإنما إرشادية، ولهذا لا تعبأ الشركات الخاصة، ولا الأجهزة الأمنية، بهذه القوانين.

من ناحية ثانية طالب الخبير بضرورة أن يتم التصويت على أي قرار يخص تشكيل وزارة خاصة بالإنترنت في البرلمان الألماني. وطالب أيضا بـ«تأهيل» أعضاء البرلمان إلى مثل هذا التصويت لأن معظمهم من المسنين الذين لا يعرفون الشبكة عن خبرة وإنما عن سماع. وقال إن من لا يختبر الإنترنت عبر المواقع الناشطة مثل «يوتيوب» و«تويتر» لا يستطيع تقدير مخاطرها.

وزيرة العدل الاتحادية زابينه لوتيهويزر شنارنبيرغ اضطرت أيضا إلى التدخل بحكم الحديث الدائر عن قوانين جديدة تنظم العمل في الشبكة، فطالبت بسد الثغرة بين «الدولة والتقنية» في الحال. وحذرت الوزيرة من أن تؤدي هذه الثغرات في «النظام» إلى «انهيار» كومبيوتر الحكومة. واعترفت الوزيرة في حديث مع «دي فيلت» بأن مراكز الشرطة المختلفة تتلقى نسخة مما يدور في الإنترنت كل 30 ثانية. وهذا يحدث بالطبع بمساعدة البرامج الخفية التي يدسها رجال القانون في كومبيوترات المشتبه بهم وغير المشتبه بهم.

يذكر أن محكمة الدستور الاتحادية حظرت في قرار لها عام 2008 فرض الرقابة الإلكترونية على كومبيوترات المواطنين ما لم يكن الشخص المعني يشكل خطرا داهما على الأمن. كما ربطت قرار إخضاع الفرد للرقابة، وفرض الرقابة على كومبيوتره الشخصي، بقرار صادر عن المحكمة. الصحافي المهتم بقضايا التجسس الإلكتروني هانو بورمستر، من معهد «المسؤولية الجديدة» في برلين، وقف أيضا ضد فكرة بناء حصان طروادة خاص بالدولة، مشيرا إلى أن فتح الأبواب أمام «جواسيس الشرطة الإلكترونيين» يبدو مثل ترك طفل وحد مع تورتة شهية.