150 سنة على اختراع أول هاتف

يوم 26 أكتوبر 1861 استعرض الألماني يوهان فيليبس رايز أول «تليفون»

نال ألكسندر بيل براءة الاختراع عام 1886 و يوهان رايز
TT

في مارس (آذار) 1886 نال ألكسندر بيل براءة اختراع التليفون المرقمة 174465 ودخل التاريخ كمخترع غير العالم وكأب «التليغراف الناطق». بعده دخل ويليام غراي التاريخ كأول مخترع زود جهاز الهاتف بإمكانية العمل بقطع النقود يوم 13 أغسطس (آب) 1899 وسجلته دائرة الاختراعات كمكتشف الهاتف العمومي. لكن المكتشفين عملا كما هو معروف على دراسات الألماني يوهان فيليبس رايز، وعلى النموذج الأول من جهاز «التليفون» الذي استعرضه في مجلة «الفيزيائي الألماني»(ص57) لأول مرة عام 1860.

يوهان فيليبس رايز، (1834 - 1874)، لم يستطع كسر حاجز الرقيب العلمي في ألمانيا، أرهقته شروط تسجيل الاختراعات في ألمانيا، ثم قتله المرض قبل أن يتم الأربعين، لكن العالم يعترف اليوم بفضله في اختراع أول جهاز تليفون. ففي يوم 26 أكتوبر (تشرين الأول) 1861، استعرض المخترع والفيزيائي الألماني جهاز «التليفون» أمام الجمعية العلمية في فرانكفورت وأثار الكثير من اللغط حول «ناقل الحديث». وجاء صوت رايز في الجهاز من بعد أكثر من 350 مترا واضحا في القاعة المكتظة بالعلماء «الحصان لا يأكل سلطة الخيار».

بحديثه عن الحصان والسلطة ختم رايز أبحاثه التي بدأها عام 1854 على الجهاز. ومن الواضح أنه سماه «تلي فون» على غرار اسم جهاز إرسال البرقيات الذي كان يحمل اسم «تلي غراف». و(تلي) كلمة يونانية تعني (البعيد)، وهكذا حمل جهاز نقل الحديث الذي اخترعه رايز معنى نقل الصوت عن بعد. قبل رايز كان «الحديث المنقول كهربائيا» مجرد فكرة طرحها الإيطالي أنوشنزو مانزيتي في مقال كتبه عن «التليغراف المتحدث» عام 1844. وتلاه الفرنسي شارل بورسو الذي نشر في مجلة «الليتراسيون» مقالا علميا حول إمكانية التنقل الكهربائي للكلام مباشرة.

وقصة الحصان وسلطة الخيار لا تخلو من طرافة. فرايز كان آنذاك يعيش في الريف وحول إسطبله إلى ورشة لاختراعاته التي شملت آنذاك أيضا ساعة مائية ودراجة هوائية بثلاث عجلات. أراد المخترع أن يدهش جمهور القرويين باكتشافه فدعاهم إلى الإسطبل وجعل نسيبه يتحدث إليه في «التليفون» من غرفة في المنزل، ويقوم هو بترديد ما سمعه على الهاتف عبر السلك على الجمهور. يقول أحد زملائه المعلمين إنه شك في وجود لعبة ما واعتقد أن رايز ربما يحفظ النص عن ظهر قلب ويردده على السامعين. تسلل الصديق إلى الغرفة حيث كان النسيب يعمل على سماعة الهاتف، جلس مكان النسيب، وصار يردد على رايز جملا لا معنى لها ولكنها قد تكشف له حقيقة الأمر. ويقول المعلم: رددت جملا من قبيل «الشمس مصنوعة من النحاس» و«الحصان لا يأكل سلطة الخيار». ويضيف أن رايز ردد الجمل مستغربا من محتواها وهو في الإسطبل، لكن «الاختبار» كان كافيا ليكشف له أن رايز حقق سبقا علميا حقا.

ألمانيا القيصرية وقفت متوجسة من الجهاز، وكتب العديد من العلماء يصفون الجهاز بالعبثية وعدم الجدوى، وأثبتوا بذلك عمى تاريخيا لا نظير له. أحدهم كان يوهان كريستيان بوغندورف الذي كتب في مجلته السنوية «الفيزياء والكيمياء» أن الجهاز لا جدوى منه ولا نفع وأنه يشك في إمكانية نقل الصوت مسافات أبعد من 300 متر. البعض كتبوا مثيرين خوف الناس من «جاسوس» جديد على حياتهم الخاصة وحذروا من غضب الكنيسة. وعلى أي حال، حالف رايز الحظ في عرض الجهاز أمام القيصر فرانز يوزيف أوسترايش عام 1863 ونجح، بدعم من التاجر والمهندس الميكانيكي يوهان فالنتين ألبرت، في إنتاج عدد من الأجهزة المماثلة للاستخدام في القصر، وفي بعض بيوت النبلاء، وبيع الجهاز آنذاك بمبلغ 12 طالر. والجهاز القيصري الأول معروض اليوم في متحف الاتصالات في فرانكفورت.

عام 1881، أي قبل أن يسجل بيل اختراعه المطور، صدر أول دليل هاتف في ألمانيا وكان يضم 187 رقما واسما. وأطلق العامة على الكتاب اسم «كتاب البهاليل» لأنهم لم يدركوا، بعد 7 سنوات من اختراع التليفون، قيمة هذا الجهاز في حياتهم، واعتبروه ترفا «أرستقراطيا». شبكة الهاتف الحقيقية في ألمانيا نشأت بعد 20 سنة من هذا التاريخ ببرلين وفي مولهاوزن (شليزين اليوم)، وبدأت أول خطوط الهاتف بين المدن الألمانية بعد سنتين أي في عام 1883.

وعرف رايز الهاتف على أنه جهاز يستخدم بشكل فعال في اتصال الأشخاص مع بعضهم البعض من خلال سلك «تليفون». ويسمى الجزء الذي يستخدم في الاتصال بسماعة اليد ويوجد بها أجزاء خاصة للأذن وقطعة للفم، وللهاتف ثلاثة أجزاء تستخدم لثلاث مهام رئيسة هي إدخال – مرسل – مستقبل.

وهناك في المرسل ميكروفون يحول موجات الصوت الشخصي إلى تيار كهربائي ويرسل هذا التيار إلى الهاتف الآخر عبر سلك. ويركب المرسل في السماعة وراء قطعة الفم، وهناك نوعان رئيسيان من المراسلات الهاتفية وهما المرسل الكربوني وميكروفون الكبريت الوريقي.

ومهمة المستقبل هي تحويل التيار الكهربائي القادم عبر خط الهاتف إلى نسخة من صوت المتكلم. ويركب المستقبل في طقم اليد في مكان وراء قطعة الأذن وداخله طبلة حديدية محفوظة داخل إطار مرن مزود بمغناطيس حلقي الشكل يجذب الطبلة باستمرار ويحرص على نقل «تيار الكلام» في اتجاهين بفعل المغناطيسية الناتجة عن حركة التيار في أحد الاتجاهين وقوة جذب المغناطيس الدائم.

بعد وفاة رايز بسنتين، كان بيل، الذي طور جهاز التلفون «التقليدي»، يكافح في الولايات المتحدة من أجل الدعاية للهاتف. وفي يونيو (حزيران) 1876، عرض بيل هاتفه في المعرض المئوي في فيلادلفيا، وقد أثنى العلماء على عمله، ولكن الجمهور لم يعر الأمر اهتماما يذكر حتى أوائل عام 1877 عندما قدم بيل عددا من العروض لهاتفه، وفي أكتوبر من العام نفسه أجرى بيل وتوماس واطسون أول مكالمة بعيدة المدى ذات اتجاهين، حيث تحدثا بين بوسطن وكمبردج في ماساتشوستس بالولايات المتحدة، عبر مسافة طولها ثلاثة كيلومترات، وفي عام 1892م اتصل جراهام بيل بشيكاغو من نيويورك لكي يشرح لرجال الأعمال كيف يعمل الهاتف.

عام 1904، تم نصب أول خلية شراعية للاتصالات ببرلين، وهكذا دشنت ألمانيا عالم شبكات الاتصال العمومية. وفي عام 1930، كان ببرلين 3.2 مليون مشترك في شبكة الهاتف (التليفون)، ويقال إن انتشار الهاتف، والهاتف اللاسلكي بعده، عزز أفكار أودلف هتلر التوسعية في أوروبا. كان هتلر آنذاك منشغلا بشق طرقه السريعة (كان يلقب بـ«هتلر أوتوبان») ولم يعرف الساخرون أنه كان يبني الطرق السريعة التي أهلت دباباته للوصول إلى باريس خلال ساعات. قبله تم تزويد شبكة القطارات الحديثة عام 1926 في ألمانيا بهواتف يمكن الاتصال من خلالها بالبيوت. وحينما هربت الممثلة الشهيرة مارلين ديتريش من ألمانيا إلى الولايات المتحدة خوفا من اضطهاد النازيين في الثلاثينات، كانت تدفع مبلغا هائلا قدره 15 ألف مارك شهريا للاتصال بأهلها ومعارفها يوميا من هوليوود.

التليفون الذي اخترعه رايز، ووجد الألمان صعوبة في تقدير أهميته آنذاك، تحول بالتدريج إلى أداة لا غنى عنها للكثيرين، بل إن القاموس الطبي صار يفرد حقلا بالأمراض التي يسببها الهاتف الجوال والممتدة بين الإدمان واضطراب القلب والصداع...إلخ. الأميركيون في مطلع القرن العشرين اعترفوا بفضل الهاتف الذي اخترعه بيل في تقليص عزلة الريف عن المدينة.

علما أن أول هاتف جوال تم بيعه في ألمانيا عام 1980 كان عبارة عن حقيبة يد يبلغ وزنها 16 كغم وسعرها 800 مارك.