مضاد حيوي جديد يدفع البكتيريا إلى الانتحار

كشف للباحثين طريقة حياتها وفتح طرقا جديدة أمام الطب لإنتاج عقاقير توقف عمليات الاستقلاب في الخلايا

يحبط المضاد الحيوي المكتشف عمل انزيم معين مهم جدا لحياة أي بكتيريا
TT

تحدث أطباء ألمان عن أمل جديد في مجال كسر شوكة البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية من خلال مضاد حيوي جديد يدفع الخلايا البكتيرية إلى الانتحار. ونجح العلماء من جامعتي بون ودسلدورف بالتوصل إلى هذه النتائج بالتعاون مع الباحثين في مختبرات جامعة نيوكاسل الإنجليزية.

وذكر البروفيسور بروتز اوسترهيلت، من جامعة دسلدورف، أن فريق العمل توصل إلى كشف قوى المضاد الحيوي الجديد (Acyldepsipeptide Adeps) باستخدام مجهر حيوي فائق الفعالية والكفاءة وضعته جامعة نيوكاسل تحت تصرفهم. وعادة تعمل المضادات الحيوية التقليدية على وقف واحدة أو اثنتين من العمليات الحيوية داخل الخلية البكتيرية، في حين يحبط Adeps عمل إنزيم معين مهم جدا لحياة أي بكتيريا.

وهذا الإنزيم CLp - Protease يعمل داخل الخلية البكتيرية على ترميم و«تدوير» المواد البروتينية المحطمة، وأهميته كبيرة لنشاط الخلية، لأن من صلب عمله إصلاح ما تحطمه المضادات الحيوية داخل الخلية. واتضح تحت المجهر الحيوي أن Adeps أفشل عمل هذا الإنزيم ومعه عمل العديد من البروتينات الحيوية أيضا.

الدكتور بيتر شاس، المتخصص في الخلية البكتيرية من جامعة بون، قال إن Adeps يدفع البكتيريا عمليا للانتحار. هذا لأن إفشال عمل Adeps يحبط عمل بروتين ftsZ المسؤول عن انقسام الخلية وتكاثرها. وبالتالي فإن الخلية البكتيريا «تهضم» نفسها بنفسها حال تعرضها إلى المضاد الحيوي Adeps. هذا يعني أن المضاد الحيوي الجديد يعمل على البكتيريا مرتين، يحبط في البداية عمل الإنزيم المهم في عملية الاستقلاب داخل الخلية، ثم يوقف في النهاية عملية انقسام الخلية وتكاثرها.

مختبريا نجح Adeps في قتل البكتيريا من نوع ستافيلوكوكوس «العنقودية» وخصوصا بكتيريا اوريليوس، وقتل البكتيريا من نوع ستاريبتوكوكوس، وخصوصا المسبب منها لالتهاب الأذن الوسطى والتهاب الرئتين والتهاب سحايا الدماغ. كما نجح المضاد الحيوي الجديد في وقف تكاثر الإنتروبكتيريا المسؤولة عن التهاب المسالك البولية والتهاب الدم، ووقف نشاط الانوبكتيريا المسؤولة عن التهاب شغاف القلب.

المضاد الحيوي الجديد ما يزال في طور الدراسة حسب البروفيسور بروتز اوسترهيلت، لكنهم يرون فيه أكثر من مجرد عقار جديد في محاربة البكتيريا المقاومة، لأنه كشف للباحثين طريقة حياة البكتيريا. وهذا يفتح طرقا جديدة أمام الطب لإنتاج عقاقير توقف عملية الاستقلاب داخل الخلية البكتيري.

الدكتور ساش من مركز أبحاث الخلية البكتيرية، قال إن المجهر الحيوي الفائق الذي استخدموه في نيوكاسل سلط الضوء على عملية الاستقلاب داخل الخلية. إذ كان من الممكن، باستخدام هذا المجهر، تلوين كل البروتينات باللون الأخضر المشع، وبقية الأجزاء الحيوية بألوان أخرى مشعة. وهكذا شاهد العلماء بأعينهم كيف أدت إضافة المضاد الحيوي Adeps إلى توقف عمل إنزيم CLp - Protease. وكيف قادت العملية بعد ذلك إلى توقف عملية الانقسام وانتحار الخلية.

جدير بالذكر أن دراسة علمية جديدة كشفت أن 9 في المائة من الأشخاص الذين أصيبوا بالتهاب الرئتين الناجم عن ستربتوكوكس نومونيا سنة 1995 كان لديهم مقاومة لثلاثة أنواع مختلفة من المضادات الحيوية على الأقل. وارتفعت هذه النسبة بين المصابين بنفس المرض إلى 14 في المائة عام 1998، مع وجود مؤشرات على زيادة هذه النسبة في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. ولهذا فقد تكرر تحذير الأطباء من خطر تزايد مقاومة البكتيريا المقاومة للمضاد الحيوي بفعل الاستخدام غير المبرر لهذه المضادات، لأن المعروف أن البكتيريا تكيف نفسها بنفسها لمقاومة المضاد كلما زاد احتكاكها به.

والأطباء يحذرون أيضا من الخطأ في توقيت وصف المضاد الحيوي ومن الإفراط في استعماله ومن عدم الحاجة أصلا لاستخدامه كما هي الحال في حالات الرشح العادي كمثل.

الفيروسات المسببة للسرطان تتخفى بأجزاء من البكتيريا المعوية غير الضارة (الفلورا).

بطبيعة الحال يمكن لاكتشاف المضاد الحيوي Adeps أن يلعب دورا مهما في مكافحة سرطان الأمعاء بعد أن تم الكشف عن دور الفيروسات في اختراق خلايا الأمعاء بمساعدة البكتيريا المعوية غير الضارة المسماة بالـ«فلورا». فالتجارب التي أجرتها عدة فرق علمية أميركية اتفقت على أن الفيروسات تستخدم خلال بكتيريا الفلورا للتخفي واختراق جدران الأمعاء.

وهذا الاكتشاف لا يكشف دور الفيروسات المحتمل في نشوء الأورام السرطانية في الأمعاء، وإنما يعري أيضا «براءة» البكتيريا المعوية «غير الضارة» من الأمراض. وكانت الدراسات التي أجراها الألماني شتيفان بيشوف، من معهد الصحة الغذائية في جامعة هوفنهايم الألمانية، على متطوعين بدناء توجه أصبع الاتهام إلى بكتيريا الأمعاء بسب دور ممكن لها في البدانة وفي ظهور داء السكري2، وفي نشوء مرض تصلب الشرايين. فالحجم الهائل للبكتيريا في الأمعاء يجعلها (نحو 1500غم) على احتكاك مباشر مع الخلايا الوقائية، وخلايا بطانة الأمعاء، والخلايا العصبية التي تنقل الإيعازات إلى الدماغ.

دراستان نشرتهما مجلة «ساينس» تكشفان بأن الفلورا تضطلع بدور أكبر بكثير مما يصفه العلماء على أنه «تمرين لنظام الوقاية في جسم الإنسان». أجريت الدراستان بشكل منفصل، في جامعتين أميركيتين مختلفتين، على الفئران، وتوصلتا إلى نفس النتائج؛ أن الفلورا «المفيدة» تساعد الفيروسات الخطيرة على التخفي والاحتيال على جهاز المناعة.

ميليسا كين وفريق عملها من جامعة شيكاغو أجروا تجاربهم على فئران الاختبار باستخدام الفيروس المسمى «ماماتومفيروس MMTV». زرقوا إناث الفئران الحوامل بهذا الفيروس فلاحظوا لاحقا أن الفيروس تسلل مع حليب الأمهات إلى الصغار وتسبب لها بالتهابات في الأمعاء. في خطوة لاحقة عالجوا الأمهات بالمضادات الحيوية لقتل البكتيريا المعوية (الفلورا) فلاحظوا أن الفيروس المزروق في الأمهات لم يتسبب في أي التهابات عند الصغار. لم يعثروا على الفيروسات في الطحال ولم يجدوا مضادات حيوية ضد الفيروس في دماء الصغار. استنتجوا من ذلك أن الفلورا تساعد الفيروس على التخفي عن جهاز المناعة.

التجارب المختبرية الأخرى باستخدام فيروس أوضحت أنه يرتبط ببرويتن معين يوجد طبيعيا في جدران خلايا الفلورا. ويرتبط هذا البروتين، وهو «ليبوبولي ساكرين LPS»، مع جزيئة تسمى TLR4 توجد في غلاف كريات الدم البيضاء المسؤولة عن المناعة. ويحبط الفيروس بهذه الطريقة عملية التفاعل الوقائي في جسم الإنسان ويستعين بالبكتيريا لاختراق جدران الأمعاء والاستقرار في خلايا بطانتها.

وإلى نتائج مماثلة توصل فريق عمل ثان قادته الباحثة شارون كوس من جامعة «ساوث ويسترن ميديكال سنتر» في دالاس بتكساس. عاملت كوس الفئران أيضا بالمضادات الحيوية ثم زرقتها بفيروس «بوليفيروس» فمرضت هذه الفئران أقل من غيرها ممن لم تعالج بالمضادات. أعاد العلماء التجارب باستخدام فيروس «ريوفيروس» وتوصلوا إلى نتائج مماثلة. وكما في تجارب جامعة شيكاغو كشفت التجارب الأخرى أن هذين الفيروسين يتخفيان أيضا بمساعدة بروتين «ليبوبولي ساكرينLPS» الذي يتواجد في الأغشية الخارجية لبكتيريا الفلورا. وهكذا تؤهل الفيروسات نفسها للتحايل على جهاز المناعة والوصول إلى جدران الأمعاء والاستقرار فيها.

في تجارب أخرى منفصلة عن بعضها توصل فريقان آخران إلى علاقة البكتيريا المعوية (الفلورا) بسرطان الأمعاء. إذ كشفت التجارب التي أجراها ماتيو مايرسون، من معهد دانا - فاربر للأبحاث السرطانية في بوسطن، عن وجود بقايا وراثية من تشكيلة بكتيريا الفلورا في شرائح مأخوذة عن أورام سرطانية في الأمعاء. وإلى نفس النتائج توصل روبرت هولت من جامعة «بريتيش كولومبيا» حيث كتب عن تركيز «عال» من بقايا بكتيريا الفلورا في نماذج من خلايا الأمعاء المصابة بالأورام السرطانية. نشرت النتائج في مجلة «جينوم ريسيرتش» واستخدم فريقا العمل في الكشف عدة طرق عمل أدت إلى الكشف عن نفس النتائج.