أغاني فرقة «مسار إجباري» تمس الأوضاع الاجتماعية للمصريين

العازف أحمد حافظ لـ«الشرق الأوسط»: الموسيقى لغة عالمية وألحاننا أكثر صدقا

فريق مسار إجباري
TT

«مسار إجباري» هو فريق غنائي مصري ذاع صيته بالداخل وسار رويدا رويدا حتى بدأ طريق العالمية، حيث حصل أخيرا على جائزة اليونيسكو لهذا العام، وهو أيضا الفريق الذي شق لنفسه مسارا داخل قلوب المصريين، وسار على هذا الطريق بمنتهى الجرأة حينما قرر أعضاؤه الخمسة أن يقدموا الفن الراقي الجميل وتحدوا الأوضاع الاجتماعية، وقرروا تطوير الأغنية المصرية بروح شبابية أصيلة استلهمت روح الطرب المصري الأصيل لتقدمه بأسلوب معاصر.

عزف الفريق لأبناء الغلابة كما عزفوا للطبقات الراقية، وتنقلوا بين شوارع الإسكندرية ومجاهل غابات أفريقيا ومسارح أوروبا وأميركا. حصلوا على الكثير من الجوائز في مصر والعالم، ورافقوا مشاهير الفن في العالم ومنهم عازف البيانو مايك ماسي وحصلوا على لقب فنان لثقافات الحوار بين العرب والغرب.

وقدمت الفرقة الكثير من الأعمال الفنية الرائعة، ومن أعضائها أيمن مسعود عازف كي بورد، وهاني الدقاق (مغن وعازف غيتار وملحن)، وتامر عطا الله (عازف درامز)، وأحمد حافظ (عازف غيتار)، ومحمود صيام (عازف غيتار)، أغان عدة من أشهرها: «مرسال لحبيبتي»، و«أوقات»، و«دي مش طريقة»، و«يا عيون مصر الحزينة»، «هز الهلال يا سيد»، وغيرها، والتقت «الشرق الأوسط» مع عضو الفرقة أحمد حافظ وكان لنا معه هذا الحوار:

* كيف تكونت فرقة مسار إجباري؟

- تكونت «مسار إجباري» في الإسكندرية عام 2005، لكن يمكن القول: إن البداية الحقيقية للفرقة ترجع إلى قبل هذا العام بزمن، بمعنى أننا نحن الخمسة، أعضاء الفريق، كنا يعرف بعضنا البعض منذ أكثر من 15، فنحن جميعا نعيش في مدينة الإسكندرية، وكلنا عزفنا الموسيقى مع بعض من قبل، لكن تكوين الفرقة تحديدا بدأ عام 2005، وقبل تكوين فرقة «مسار إجباري» بشهور كنا قد كونا فريقا آخر اسمه «ياللا خلاص»، مع موسيقيين أجانب مقيمين في الإسكندرية، منهم «بنواه» صديقنا الفرنسي (مغن وعازف ترمبيت)، و«يولاندا» مغنية إسبانية، وشباب أفارقة من جزر القمر، كنا في فرقة «ياللا خلاص» نقدم أغاني بالإسبانية والفرنسية واللغة السواحيلية، بالإضافة للغة العربية، لكنها كانت فرصة لأن نلتقي ونبدأ في تكوين فرقتنا الحالية، ونعتقد أن سبب استمرارنا واستمتاعنا بالفريق هي صداقتنا القديمة، فنحن أكثر من «زملاء في نفس الفريق»، وأيضا تجاربنا السابقة في فرق أخرى، هذه التجارب أعطتنا خبرة ليست بالقليلة في كيفية تجنب أسباب عدم استمرار تجارب الفرق الموسيقية.

* لماذا وقع الاختيار على اسم «مسار إجباري» ليكون عنوانا للفرقة؟

- هو اسم يسخر من الأوضاع الاجتماعية في مصر، فلكل مواطن قصة أجبرته فيها الظروف الاجتماعية على السير في مسار لم يختره بكامل إرادته، ذلك أن فرص اختيار الشخص لمساره في مصر محدودة، لكن بعد الثورة المصرية، أصبح هناك أمل في تغير هذا الوضع على الأقل للأجيال الأصغر سنا.

* أغاني الفرقة تناقش موضوعات اجتماعية وتبتعد عن الأغاني الرومانسية، ألم ينتب أعضاء الفرقة الخوف من عدم نجاح هذه الأغاني أو تجاوب الجمهور معها؟

- إطلاقا، ليس لدى الفرقة موقف ضد الأغاني العاطفية، لكن فكرة أن تكون الأغاني كلها (24 ساعة في اليوم، 7 أيام في الأسبوع) أغاني غزل وعتاب هي فكرة شديدة الغرابة، يتمسك بها من يخاف من عدم تجاوب الجمهور، بمعنى أنه يريد أن يقدم الخلطة المضمونة، في حين أن هذه الخلطة لم تعد مضمونة بالشكل الذي كان عليه الحال منذ 10 سنوات، نحن نرى أن نسبة كبيرة جدا من الجمهور تشبعت من هذا النوع من الأغاني، وهي بحاجة لنوع آخر من الأغاني ومن الموسيقى الأكثر صدقا، هذا الاتجاه الجديد كنا نراه يزداد في مصر من سنوات، وبعد 25 يناير (كانون الثاني) أصبح تعطش الجمهور أكبر لأغان تعبر عن واقعه بشكل متطور ومتقن وبسيط وصادق.

* أغاني «مسار إجباري» تمزج بين موسيقى الروك والجاز والشرقي، وهي توليفة جديدة، ولكن ما هي أسباب التمسك بتقديم الأغاني التراثية؟

- هي «توليفة» كما ذكرت أنت، فنحن لا نندرج تحت أسلوب محدد، بمعنى أنه أصبح لفريقنا «صوت» جديد أصلي، تمتزج فيه أساليب كثيرة؛ أما مسألة تقديمنا أغاني تراثية بتناول معاصر، فله أسباب كثيرة أهمها ببساطة هو استمتاعنا بذلك، ونتيجة لذلك حدث تواصل كبير بين الجيل الجديد وجيل سابق، فهناك الآن شباب من مستمعي الموسيقى الغربية الصاخبة يتحمس ويطرب لأغنية مثل «أنا هويت» لسيد درويش التي نقدمها بشكل معاصر، وقد تندهشين لو علمت أن شريحة كبيرة من الجيل الجديد في مصر ما زال لا يعرف أغاني سيد درويش بل إن بعضهم لا يعرف أنه هو من لحن النشيد الوطني المصري «بلادي بلادي»، وفي تناولنا لهذه الأغاني نحرص على ألا يتغير اللحن الأصلي إطلاقا، ولكن ممكن أن يتغير ما يحيط باللحن، بشكل يساهم في إبراز روح الأغنية.

* في رأيك، كيف يمكن للفرقة التغلب على الصعوبات في مشوار الفرقة الفني، خاصة في ظل تواجد الكثير من الفرق الموسيقية الشبابية في الوقت الراهن؟

- لا أعتقد أن تزايد عدد الفرق الموسيقية عقبة أمامنا، بل نعتبره أحد العوامل التي تقوي الاتجاه العام الذي يريد تطوير الأغنية والموسيقى المصرية، وبمرور الوقت يصبح لكل فرقة «صوت» مختلف وتصل بالتدريج إلى مرحلة النضج، ومعظم الفرق البارزة الآن في مصر هم أصدقاؤنا، تشاركنا من قبل وما زلنا نشارك معهم في مهرجانات وورش عمل وأمور أخرى كثيرة، وفي الإسكندرية كان لنا من 2005 حتى 2010 استوديو خاص لتدريباتنا، مع بعض الفرق الأخرى، أما بالنسبة للأماكن التي يمكن أن نقدم فيها عروضا، فلا شك أنها ما زالت محدودة (وإن زادت بشكل كبير في الـ10 سنوات السابقة)، وبعيدة بعض الشيء عن غالبية الشعب المصري، ومنذ بدأنا ونحن نسعى لتقديم عروض في أماكن جديدة، وأصبح لنا حرية أكبر في ذلك بعد 25 يناير، فقمنا وما زلنا نقوم بتقديم عروض أكثر في أماكن جديدة تماما، وأكثرها حفلات في الشوارع والميادين.

* حصول الفرقة على جائزة اليونيسكو وضعها أمام مسؤولية كبيرة كفرقة لها ثقلها، فكيف ترون مستقبل الفرقة في المرحلة القادمة؟

- جائزة اليونيسكو تعتبر من أهم المحطات في مسيرة الفرقة، حصلنا عليها كجائزة لجهودنا في تقديم موسيقانا المصرية في دول كثيرة مثل مقدونيا، مالطا، تركيا، إيطاليا ودول أخرى كثيرة؛ ونحن نسعى لأن نستمر في هذا الدور، خاصة أننا كثيرا ما نقابل الجاليات المصرية في الخارج ونسعد لتأكيد الصلة بينهم وبين الوطن، لكننا نرى أن دورنا الأساسي داخل مصر، وهذا الدور من الممكن أن يكون بناء، خاصة في هذه المرحلة الهامة من تاريخ مصر، فالتأثير الإيجابي الذي يحسه من يحضر حفلاتنا أو من يستمع إلى ما نقدمه هو أهم ما يحركنا.

* قدمت الفرقة حفلاتكم في أفريقيا وفي أوروبا وأميركا، وتقدمون حفلات مفتوحة في مهرجانات «الشوارع والميادين»، وحفلات في مكتبات وأماكن ثقافية، فهل يختلف أداء الفرقة بحسب طبيعة الجمهور؟

- الموسيقى لغة عالمية، والموسيقى المصرية تحديدا يشعر من يسمعها بأنها مألوفة مهما كانت جنسيته، وبصفة عامة لا نعتقد أننا نعاني من معضلة أن الفن الجيد لا يصح أن يكون جماهيريا والعكس، فهناك أمثلة كثيرة سبقتنا لتجارب فنية عالية القيمة وناجحة جماهيريا، أما عن مسألة اختلاف أدائنا بحسب طبيعة الجمهور، فمن الطبيعي أن يكون للمكان تأثير على ما يتم تقديمه، فحفل في الشارع يقف فيه الجمهور يختلف عن حفل في قاعة ضخمة بها استعدادات ممتازة يمكن استخدامها، ويختلف عن مكان أثري عتيق مثلا وهكذا، لكن الاختلاف لا يكون جوهريا، بمعنى أنه فعلا قد لا تناسب بعض الأغاني والموسيقات حفلا معينا في مكان معين ووقت معين، لكن معظم أعمالنا قدمناها في أماكن مختلفة تماما، منها مثلا حي كوم الدكة بالإسكندرية وقاعة المؤتمرات بمكتبة الإسكندرية وكيندي سنتر بواشنطن وجزيرة زنزبار بتنزانيا وميناء أنكونا في إيطاليا.

* برأيك، لماذا لا تحظى الفرق العربية بانتشار عالمي كبير مثل الفرق الأجنبية؟

- هذا صحيح، هو شيء تأخر كثيرا، ربما بسبب أن التطور في هذا الشكل الموسيقي توقف منذ أواخر السبعينات حتى أواخر التسعينات، لكن في النهاية عملية طرح نوع من الموسيقى المحلية المعاصرة عالميا يتطلب منتجا قادرا على عمل ذلك، وبالطبع وجود توليفة قادرة على جذب الانتباه، ونحن نحاول أن نخطو خطى جادة في اتجاه العالمية.

* قدمت مع الفرقة تجربتين سينمائيتين ناجحتين في فيلم «ميكروفون» وفيلم «حاوي»، فهل هناك المزيد من الأعمال السينمائية في المستقبل القريب؟

- أنا أعتز كثيرا بهذه التجربة، وكانت مفارقة بالنسبة لنا جميعا أن يتم تصويرهما في وقت متقارب في الإسكندرية، وأن نظهر في الفيلمين بشخصياتنا الحقيقية، وأن يكون لفريق مسار إجباري دور أساسي في كلا العملين، لكن لا نتوقع أن نعاود القيام بذلك قريبا، فبعد هاتين التجربتين عرض علينا مخرج صديق لنا الظهور في فيلم آخر بشخصياتنا الحقيقية أيضا لكننا لم نحبذ ذلك، على الأقل في الفترة الحالية، وإن حدث ذلك بشكل أو بآخر فلا نتوقع أن نقوم بتمثيل أدوار لشخصيات أخرى، لكن من ناحية أخرى فإن لنا جميعا كأفراد تجارب جيدة في مجال تأليف الموسيقى التصويرية.

* كيف تستطيع التوفيق بين تدريبات الفرقة واختيار الكلمات والألحان وبين أعمالك الأخرى؟

- لا شك أن ذلك يشكل صعوبة، فالانتظام في عمل ما مع ممارسة نشاط الفرقة يسبب لنا صعوبة في تنظيم الوقت، لكنها الآن ليست بالمشكلة الكبيرة، فهذه هي طبيعة الأمور عندما يسعى أحد لإنجاح عمله، كما أننا نستمتع بذلك، ومؤخرا تفرغ عضوان للفريق لإدارة شؤون الفرقة، والباقي في الطريق.

* ما هي محطات مسار إجباري القادمة؟

- كان من المفترض أن يصدر ألبومنا الأول في شهر فبراير (شباط) الماضي لكن أحداث الثورة المصرية أجلت ذلك بعض الشيء، بعد ذلك قمنا بعدة حفلات بالقاهرة والإسكندرية، ثم بجولة في هولندا ولبنان والجزائر وأميركا، والآن نحن على وشك إصدار الألبوم، ولكن يظل اهتمامنا بالحفلات وبإيجاد مساحات أوسع للموسيقى بمصر وبتقديم عروض أخرى في بلاد أخرى.