معرض في مراكش يناهض الرشوة برسوم وأمثال شعبية

جذب اهتمام المشاركين في المؤتمر الأممي لمكافحة الفساد والرشوة

لوحات من المعرض
TT

خلال مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، في دورته الرابعة بمراكش، يتوقف المشاركون بين الفنية والأخرى، وهم في طريقهم إلى قاعات المؤتمر أو خلال فترات الاستراحة بين الاجتماعات، في أروقة الفندق الذي ينظم فيه المؤتمر، لمشاهدة رسومات وأمثال شعبية مغربية تحاول أن تحارب الرشوة والفساد بالفن، بينما تؤكد للمشاركين، المقبلين من جغرافيات ولغات وأعراق مختلفة، أن الرشوة، شأنها شأن الموسيقى والرياضة، مثلا، تبقى هما كونيا.

ولا يخلو الأمر أحيانا من طرائف، حيث يطالعون عبارات مثل «الرشوة مصيبة وعاقبتها صعيبة»، كما يقول أحد الأمثال الشعبية المغربية. ويضم المعرض الذي تسهر عليه «الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة» (ترانسبارانسي المغرب)، توليفة تجمع داخل إطار واحد رسومات وأمثالا شعبية تعكس خفة دم المغاربة وقدرتهم على قراءة الواقع، ورصد الممارسات غير السليمة. وتؤكد اللوحات الفنية التي توجد في المعرض أن الإبداع، على اختلاف أشكاله وتوجهاته، يمكن أن يقف إلى جانب فعاليات المجتمع المدني في خندق واحد ضد الرشوة وغيرها من الظواهر السلبية.

إنها حكمة الأمثال الشعبية، التي جمعت الرسامين بالشعراء والكتاب تحت شعار «حكمة الأمثال»، مما يؤكد، في رأي حكيمة اللبار، عضو المجلس الوطني للجمعية المغربية لمحاربة الرشوة، أن جميع الوسائل، وفي مقدمتها الإبداع، يمكن استغلالها لمحاربة الفساد والرشوة والتوعية بأخطارهما، مشيرة إلى أن الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة، ومنذ تأسيسها عام 1996، اعتمدت على دعم المثقفين والمبدعين من أجل الارتقاء برسالتها بشكل يضمن تعميق الوعي والمعرفة بظاهرة الرشوة، خاصة أن هذه المقاربة المتجددة، التي تعتمد الفن، بشكل عام، تهدف إلى مزيد من التعبئة والإشعار بخطورة ظاهرة الرشوة. وتجسد الرسومات المعروضة مضامين الأمثال الشعبية، ولذلك تتجاور الألوان والأمثال الشعبية، التي جاءت بالدارجة والعربية والأمازيغية والفرنسية والإنجليزية. وقالت اللبار، لـ«الشرق الأوسط»، إن فكرة المعرض جاءت بمبادرة منها، حيث طورت هذا المشروع الذي يتمحور حول الأمثال والأقوال التي تثير الفساد والرشوة مستعملة اللغات المتداولة، خاصة الدارجة والأمازيغية، وذلك بهدف خلق أمثال وأقوال جديدة يمكنها أن تعبئ المواطنين ضد هذه الممارسات السلبية والتنديد بها، موفرة لنا أمثالا بديلة بحمولة إيجابية تقف في وجه الأمثال الشعبية، ذات الحمولة السلبية التي تبرر الرشوة.

وتساءلت اللبار: «كيف نوقف الرشوة وقد صارت ممارسة ينخرط فيها كثيرون بلا حياء؟»، قبل أن توضح أن كل المؤشرات تبرز انتشار الرشوة إلى درجة أنها وجدت لها مكانا في الكلام الدارج من خلال أمثال شعبية تهلل لها وتبرر القيام بها، كما صارت فعلا عاديا، بل صارت قدرا محتوما ينخرط فيه الجميع، تقريبا، وصار كل من يحل مشكلة عبر الرشوة يسوق نفسه كشخص ذكي، يتباهى بفعله بين الناس، ثم تعود اللبار للتساؤل، كما لو أنها تحاول أن تتناسى أمرا واقعا: «هل استطاعت الرشوة والمحسوبية والزبونية والفساد أن تتفوق على القيم المشتركة وعلى الفعل الثقافي والتربية المستقيمة؟».

وتقول اللبار إن اختيار الأمثال الشعبية مرده إلى أنها تعبير عن ذاكرة جماعية وجزء من تراث مشترك بين المغاربة يتغلغل بين مختلف الطبقات، مشيرة إلى أن بعض المبدعين، أمثال أحمد الطيب العلج وزكية العراقي وخالد الجامعي وإدريس أوزود، قد عملوا على التعديل في بعض توجهات ومضامين بعض الأمثال الشعبية المغربية حتى تكون إيجابية في طرحها ومحاربتها للرشوة، حيث تحول المثل الشعبي «ادهن السير يسير» إلى «يمكن السير يسير ويوقع التيسير بلا ما تدهن سير»، كما تحول المثل الشعبي «الفاهم يفهم» إلى «باغي نفهم بلا ما نفهم»، قبل أن توضع هذه الأمثال الشعبية، وغيرها، رهن إشارة الرسامين والكتاب ليعملوا عليها، مستلهمين من مضمونها إبداعات تشكيلية وكتابات تفضح وتدعو إلى محاربة الرشوة بطريقة إبداعية.

وشارك 22 رساما في إعداد الرسومات، منهم محمد الباز ومريم بنعبد الجليل وكريم علوي وإسماعيل بورقيبة ومحمد قرماد.

وتؤكد اللبار أن قيمة مساهمة المبدعين أتاحت للجمعية تغليف عملها ضد الرشوة بطريقة فنية، من شأنها أن تترسخ في الأذهان وتدفع الجميع إلى الانخراط في واجب التصدي للرشوة. يشار إلى أن الرسومات والأمثال الشعبية تم تجميعها، في كتاب، إلى جانب نصوص تتناول نفس الفكرة، لعدد من الكتاب، بينهم الطاهر بنجلون وإدريس خوري ومحمد برادة ويوسف أمين العلمي ومحمد حمودان وإدريس كسيكس وجمال الدين الناجي وعبد الحق سرحان.