«هذا ليس فيلما» و«وداعا» يجسدان محنة شخصية وتأملا في الأوضاع الإيرانية

عرضا على هامش مهرجان لندن السينمائي

مشهد من فيلم المخرج الإيراني جعفر بناهي «هذا ليس فيلما»
TT

تضمن مهرجان لندن السينمائي الذي ينظمه معهد الفيلم البريطاني، والذي اختتم أمس، فيلمين سينمائيين لصانعي السينما الإيرانيين جعفر بناهي وراسلوف محمد، وهما رهن الاعتقال حاليا. والفيلم الأول هو «ذيس إذ نوت فيلم» «هذا ليس فيلما» الذي اشترك في إخراجه كل من بناهي والمخرج الإيراني مجتبى مرتاهامسب، والذي عرض مرتين خلال هذا الأسبوع. والفيلم الثاني هو «غودباي» «وداعا»، وهو من إخراج راسلوف، وعرض أمس.

وبعيدا عن كونهما معتقلين في الوقت الحالي، فكلاهما قد أصبح ممنوعا من عمل الأفلام لمدة 20 عاما مقبلة، حيث أدين كلاهما بالقيام بـ«نشاطات مناهضة للحكومة».

ويمتلئ فيلم «هذا ليس فيلما» بالسياسة التي كان نتاجا له. ونظرا لكونه مخرجا، فإن رواية القصص هي بطبيعة الحال جزء لا يتجزأ من شخصية بناهي، وبالتالي فإن فرض حظر على عمله سيؤدي إلى إصابته بنوع من أزمة الهوية، والإحباط والتأمل الذاتي لخياراته، والرقابة المفروضة عليه والحالة الراهنة لدولة إيران اليوم.

ولم يكن توقيت العرض الأول لهذا الفيلم في المهرجان ليكون أكثر غرابة من هذا، حيث كانت وسائل الإعلام قد أعلنت في نفس يوم عرض الفيلم أن طلب الاستئناف المقدم من بناهي في الحكم الصادر ضده بالسجن 6 سنوات والحظر لمدة 20 عاما قد رفض، وفي اليوم نفسه أيضا، تلقت ساندرا الخليل، المديرة الفنية للمهرجان، رسالة قرأتها أمام الجمهور كنوع من التقديم للفيلم. وشاركت في كتابة هذه الرسالة مجموعة من السينمائيين الإيرانيين في المنفى وكأنهم يتحدثون نيابة عن بناهي، حيث كتبوا يقولون: «لقد مضى شهر واحد منذ أن تم القبض على عدد من صناع السينما الإيرانيين، والمعلومات التي لدينا من داخل إيران تقول: إنهم قد أجبروا على الاعتراف بأنهم عملاء لقوى أجنبية، وتحديدا المملكة المتحدة والولايات المتحدة، كما تم استجواب عشرات من صناع السينما الآخرين وترهيبهم لعدة أشهر». وتستمر الرسالة داعية الناس لمقاطعة التلفزيون ووسائل الإعلام الإيرانية الرسمية، احتجاجا على الاعتقال التعسفي لهؤلاء السينمائيين.

وقد أوضحت ساندرا، التي تحدثت نيابة عن معهد الفيلم البريطاني، أنهم قد احتجوا على اعتقال بناهي، وشجعت الآخرين على أن يحذوا حذوهم، وقالت إنها تأمل في أن يتم الإفراج عن صناع السينما هؤلاء ليقدموا المزيد من الأفلام، وأن يكون لديهم القدرة على تقديمها بأنفسهم.

ولم يكن الفيلم نفسه، الذي حمل بجدارة اسم «هذا ليس فيلما»، فيلما بالمعنى المفهوم، أو هو على الأقل لم يكن فيلما تقليديا ذا سرد تقليدي يتضمن بداية ووسط ونهاية، بل كان بالأحرى نتاجا للتأمل الذاتي لمخرج تم إسكاته، وللسأم الذي كان يشعر به، حيث قام المخرج بتصوير نفسه خلال نشاطاته اليومية الدنيوية مثل إطعام سحليته الأليفة من نوع الإغوانا، وشربه للكثير من الشاي، ومشاهدته لأخبار الزلزال الذي وقع في اليابان، كما يظهر أيضا طوال الفيلم هو يتحدث على الهاتف مع محاميه محاولا معرفة النتيجة المتوقعة للاستئناف الذي تقدم به، وهو ما حمل شيئا من السخرية بالنسبة للجمهور الذي كان يشاهد الفيلم، خاصة بعد أن كان قد قرأ للتو نبأ رفض الاستئناف الذي تقدم به.

وبينما هو يصور نفسه، يقرر أن يتصل بزميله مخرج الأفلام الوثائقية، مجتبى مرتاهامسب، ليدعوه للعمل معه في هذا المشروع، ليبدأ بناهي من هذه النقطة في الفيلم في التأمل في نفسه كمخرج، حيث يصور نفسه وهو يقرأ أجزاء من سيناريو يعمل على تنفيذه، وكيف يقوم كمخرج بتنظيم مشاهد الحركة، والإعداد للمشاهد وحركة الشخصيات بالتفصيل، فقط ليصاب بالإحباط في النهاية، حيث يتساءل قائلا: «إذا كان بإمكاننا أن نروي فيلما، فلماذا نصنعه إذا؟».

ليبدأ من هذه النقطة في البحث بشكل أعمق في دوره كمخرج، حيث يتساءل عن معنى كون المرء مخرجا، مسترجعا أفلامه السابقة وناظرا إليها من منظور مختلف، فهو يعيد النظر في فيلمه «كريمزون غولد» «الذهب القرمزي»، الذي تم إنتاجه في عام 2003. ويتذكر كيف قام بتوجيه الممثلين الهواة، قائلا لهم إنهم سوف يفعلون أشياء لن يتوقعها منهم، فهو يرى أن الممثل الهاوي مخرج قادر على الإتيان بتعبيرات بوجهه، لا يستطيع بناهي كمخرج توقعها، ثم ينتقل إلى المشهد التالي، والذي تجري فيه فتاة عبر قاعة كبيرة من الزجاج والصلب، حيث أخذ يفكر في مكان التصوير من منظوره كمخرج، وكيف أن الهندسة المعمارية للمكان قد أضافت إلى جو القلق الذي يملأ المشهد، حيث يصل إلى الجمهور، من دون أن يرى وجه الفتاة، الإحساس بالخوف والقلق بمجرد رؤيتها تجري في هذه القاعة العظيمة البدائية.

ويعد فيلم «هذا ليس فيلما»، مقارنة بوضع بناهي في الوقت الحالي، فيلما خفيف الظل، فهو في حقيقة الأمر فيلم وثائقي قصير (مدة عرضه أقل من 75 دقيقة) عن التأمل في الذات. وربما كان وجود الفيلم في حد ذاته يمثل تحديا للحكم الذي صدر بحق بناهي، والذي أصبح الآن، بعد رفض طلب الاستئناف، أكثر صرامة. وقد تطلب الأمر تهريب الفيلم إلى خارج إيران عن طريق بطاقة ذاكرة، وبالتالي فهو دليل على شدة الرقابة التي تفرضها الدولة وإرادة التحدي الموجودة لدى رواة القصص وصناع السينما والفنانين.