الفنانون ضحية قيود تأشيرات الدخول الجديدة إلى بريطانيا

حتى المشاهير منهم لم يفلتوا من القوانين الصارمة

يتطلب من المتقدمين بطلبات للحصول على تأشيرات عدم العمل في بريطانيا او ممارسة نشاطهم الفني بدون أجر («نيويورك تايمز»)
TT

ترفض بريطانيا عددا لا يحصى من الكتاب والفنانين غير الأوروبيين دخول حدودها، نتيجة لقواعد الهجرة التي خلقت صعوبة للكثير من المؤسسات العاملة في هذا المجال لتضمين الأجانب في برامجها.

ويبدو النظام، الهادف لتقييد تدفق الأجانب في فترة تشهد توترات اقتصادية وأمنية، واضحا بالقدر الكافي، أو هكذا يبدو. وفي الوقت الذي يحق فيه لبعض الفنانين الحصول على تأشيرة «عامل مؤقت»، تهدف القواعد إلى ضمان أن هؤلاء، الذين يقومون بزيارات قصيرة للمعارض والمهرجانات والمكتبات وما شابه ذلك، لا يحصلون على أي مداخيل أو محاولة البقاء في البلد. لكن ثبت أن هذه القواعد قاسية جدا وعرضة للتفسيرات الخاطئة غير الموضوعية إلى حد أن حتى من اعتادوا السفر لبريطانيا منذ سنوات فوجئوا بمنعهم من الدخول.

«يتم التعامل مع الفنانين والمؤلفين كما لو كانوا مهاجرين اقتصاديين محتملين أو إرهابيين»، هذا ما قاله جوناثان هيوود، مدير رابطة الكتاب البريطانيين «إنغليش بين»، التي تحاول الضغط على الحكومة لتخفيف القواعد، مضيفا «بالأساس، تحاول الحكومة دمجهم في نظام لم يصمم لهم وينظر إليهم باعتبارهم تهديدا وليس كميزة».

ويشمل آخر ضحايا النظام الشاعر أليكس غالبر، روسي المولد المقيم في نيويورك، الذي منع من الدخول عندما دعي للقراءة بدون مقابل مالي في نشاط خيري، والفنان الجورجي جيلا باتاشوري، الذي أوكلت إليه مهمة إنتاج عمل فني لمعرض في لندن، والذي تم حرمانه من الحصول على تأشيرة سفر لأن السلطات ذكرت أنها «غير راضية» عن مؤهلاته، وكذلك المخرج الإيراني المعروف عباس كياروستامي، الذي ألغى خطط إخراج فيلم «كويسي فان توت» بدار الأوبرا الإنجليزية الوطنية بعد إعطائه تأشيرة سفر، ثم سحبها منه مجددا، وطُلب منه إعادة تقديم طلبه وأخذ بصماته مرة أخرى.

وليست بريطانيا هي الدولة الغربية الوحيدة التي تنتهج إجراءات صارمة في هذا الشأن. فالولايات المتحدة بها برنامج صارم لتقديم طلبات الحصول على تأشيرات أدى لرفض طلب العديد من الفنانين والمؤدين ذائعي الصيت دخول أراضيها.

لكن في أوروبا تقف بريطانيا وحيدة في سن هذا النوع من القوانين، وفي صرامة سياساتها وتناقضها في الوقت نفسه. وفي عام 2008، طرحت الحكومة، تحت ضغط سياسي للحد من الهجرة غير الأوروبية، نظام تأشيرات سفر صارما معتمدا على النقاط. ويتعين على الفنانين المتقدمين للحصول على تأشيرة «عامل مؤقت» إثبات أنهم يملكون مبلغا قيمته 800 جنيه استرليني (نحو 1.250 دولار) في حساب بنكي وأن هذا المبلغ ظل مودعا بالحساب لمدة 90 يوما متتالية، ودفع رسوم تقديم طلب غير قابلة للاسترجاع تقدر بمئات الجنيهات؛ والبحث عن مؤسسات فنية معروفة يمكنها دفع رسوم ضخمة إضافية ورعايتهم وتحمل المسؤولية عنهم أثناء وجودهم في بريطانيا.

وتتطلب فئة منفصلة لـ «الفنانين» أن يعد المتقدمون بطلبات للحصول على تأشيرات بعدم العمل في بريطانيا أو ممارسة نشاطهم الفني دون أجر، حتى في النشاطات الهادفة لتحقيق ربح.

«نحن نتوقع من الأفراد أن يلبوا متطلبات دخول البلاد»، هذا ما قاله متحدث باسم وزارة الداخلية، متحدثا شريطة عدم استخدام اسمه، بحسب سياسة الحكومة. واستكمل قائلا«على مدى فترة طويلة جدا، كانت الهجرة خارج نطاق السيطرة، وهذه الحكومة ملتزمة بوضع نظام يفيد الشخص الأفضل والأجد، ولكنه يعرقل عددا من الأشخاص الذين يسعون لإساءة استغلال النظام».

لكن القواعد شاقة ومحيرة. ويلزم المتقدمون بطلبات للحصول على تأشيرات سفر بتسليم جوازات سفرهم لأسابيع في كل مرة - وهو أمر صعب بالنسبة لأشخاص من دول أفريقية على سبيل المثال، ليست لها قنصليات في بريطانيا، الذين يتعين عليهم السفر للخارج والانتظار بينما يتم النظر في طلباتهم.

وعادة ما لا تتمكن المجموعات الصغيرة، أو التي لا تلبي تعريف الحكومة للمؤسسة الخيرية بأنها حسنة النية، من رعاية الفنانين المغمورين ودفع الرسوم اللازمة. وغالبا ما لا يتمكن الفنانون الذين يفتقدون إلى مؤسسات ترعاهم (الروائيون أو الرسامون الذين يرغبون في قضاء بعض الوقت في إنتاج أعمالهم داخل بريطانيا على سبيل المثال) من دخول بريطانيا ما لم يكذبوا ويدعوا أنهم سياح.

يبدو أنه لا يوجد ثبات على المبدأ فيما يتعلق بقبول طلبات الحصول على تأشيرات سفر أو رفضها. على سبيل المثال، اعتاد الموسيقار الهندي الشهير راجيسوار بهاتاشاريا، المجيء إلى بريطانيا سنويا منذ عام 1996، وكان دائما يحصل على تأشيرة سفر، لعقد ورش عمل وأداء عروض موسيقية. وفي هذا العام، كان من المقرر أن يشارك في مهرجان احتفالا بالذكرى المائة والخمسين لميلاد الشاعر والسفير الثقافي البنغالي طاغور. وكان طلبه نسخة طبق الأصل من ذلك الذي تقدم به العام الماضي، لكن تم رفضه. وقرر مسؤولون بريطانيون أنه بسبب تخطيطه للتدريس إلى جانب الأداء الموسيقي، شيء كان قد فعله سابقا، فهذا أمر غير مقبول.

كما أن القواعد تحبط أيضا الذين يأتون لحضور أحداث غير مشهورة تحضرها الجماهير بحماس. على سبيل المثال، كان يحدو راقصي التانغو الأرجنتينيين إسماعيل لودمان وماريا موندينو، الأمل في رقص التانغو، دون مقابل، أمام عشرات الحاضرين في إحدى القاعات في اسكوتلندا، خلال مرورهم من بريطانيا ضمن رحلة يجوبان فيها أوروبا.

وبعد رفض طلب دخولهما بريطانيا نتيجة تشكيك المسؤولين في طبيعة الحدث، عبرا عن احتجاجهما على أحد مواقع الويب، ونشرا فيديو يظهران فيه وهما يرقصان التانغو في المطار.

في الوقت نفسه، وقع المصور الأميركي أليك سوث في ورطة حينما أخبر مسؤولي الهجرة أنه قد دعي لالتقاط صور فوتوغرافية لعرضها في معرض بينالي برايتون للصور الفوتوغرافية. وفي النهاية، تمكن من دخول الدولة بعد تحقيقات امتدت لساعات، ولكن فقط بعد أن تعهد بعدم التقاط صور فوتوغرافية. (المفارقة أن ابنته البالغة من العمر 7 أعوام، التي سافرت معه، هي التي قامت بالتقاط هذه الصور بدلا منه). حتى المشاهير من أمثال «سبرينغستين إسك» يلزمون بالحصول على تأشيرات عمل مؤقت إذا أتوا لبريطانيا للمشاركة في عروض فنية بأجر. وفي الوقت الذي يمتلك فيه نجوم أمثال بروس سبرينغستين مديرين ووكلاء للتعامل مع مثل هذه المشكلات، فإن هذه القاعدة عادة ما تعرقل الفنانين خصوصا الصغار المغمورين من الولايات المتحدة والدول الأخرى التي ليس مواطنوها بحاجة لتأشيرات لدخول بريطانيا كسياح.

«إنهم يفترضون أنه بموجب برنامج الإعفاء من التأشيرات، لن يواجهوا أي مشكلة، لذلك، يأتون»، هذا ما قاله روبرت شارب، مدير الحملات في «إنغليش بين». واستكمل قائلا «ولكن بعدها، يكتشف مسؤول الكمنجة الكبيرة التي يحملها الزائر أو ريش الرسم التي بحوزته، وعندها يتدارك الأمر ويقول: أنتم تزاولون عملا، عودوا أدراجكم إلى الطائرة».

ويقول الموسيقيون إن مجرد رؤية أدواتهم الموسيقية تثير مشاعر الشك فورا عند الحدود. وفي العام الماضي، لدى وصولها إلى هيثرو في الطريق إلى مدينة ليدز، قوبلت عازفة التشيلو، كريستين أوستلينغ، بتساؤلات مثل: هل تنوين العزف على التشيلو؟ ومن يدفع لك؟

وشرحت أوستلينغ، عضو في فريق «كارب ديم سترينغ كوارتيت» في أوهايو، أنها قد دفعت بطريقتها الخاصة وكانت تقوم بالعزف مجانا في مؤتمر أكاديمي عن المؤلف الموسيقي سيرغي تانييف. ولكن بعد ثماني ساعات، رحلت أوستلينغ (ومعها آلة التشيلو خاصتها، التي تحتاج لمقعد خاص لتوضع عليه) على متن طائرة وعادت إلى شيكاغو.

«أخبرني مسؤولو الجمارك أننا يجب أن نكون قد أعلنا عن أي شخص من الاتحاد الأوروبي على استعداد لعزف موسيقى تانييف مجانا»، قال ديريك بي سكوت، رئيس مدرسة الموسيقى بجامعة ليدز ومضيف المؤتمر، واصفا محادثاته التالية مع السلطات. وحتى مع ترحيلها، طار ثلاثة من زملاء أوستلينغ بفريق «كارب دييم» إلى هيثرو لتجربة حظهم في الدخول.

ونجحت محاولة كورين فوجيوارا، عازفة الفيولا بالفريق. لكن المسؤولين أساءوا الظن في دوافع عازفي الكمان، جون إوينغ وتشارلز ويثيربي، وتم إجراء مزيد من الاستجوابات معهما.

«كان يحاول دفعنا للاعتراف بأننا جئنا إلى هنا للعمل»، هكذا تحدث إيوينغ عن أحد المسؤولين. واستكمل قائلا «ظل يقول «لماذا جئتم ومعكم آلات كمان؟ وظللنا نقول: نحن موسيقيون. ولم يقبل روايتنا بأننا أتينا لحضور مؤتمر أكاديمي». في النهاية، تمكنا من الدخول والاتجاه إلى ليدز». لكنهم لم يستطيعوا العزف من دون أوستلينغ.

في الوقت نفسه، عند عودتها إلى شيكاغو، بجواز سفر يعكس وضعها الجديد كشخص مرفوض من قبل السلطات البريطانية، قامت أوستلينغ بعرض قضيتها بالقنصلية البريطانية. وقتها اتضح التفكك التام في النظام.

تروي أوستلينغ قائلة: «قلت: هل هناك نوع من التأشيرات الخاصة يجب أن أمتلكها. وأجابوها: لا، لا يمكن أن نمنحك تأشيرة لأنك لست بحاجة لواحدة. كان قرار الهجرة خاطئا بالأساس».

* خدمة «نيويورك تايمز»