هل سيكون التحدي القادم انخفاض عدد السكان وليس ارتفاعه؟

العدد سيبلغ ذروته عام 2070 ثم يبدأ في الانخفاض

اليوم سيصل عدد سكان الأرض الى سبعة مليارات نسمة («الشرق الأوسط»)
TT

إذا اتبع العالم العادات السكانية لأوروبا - وهذا احتمال بعيد - فإنه بحلول عام 2200 قد يعيش به عدد من السكان أقل من نصف عددهم الحالي في مساكن بنيت لنحو ثلاثة أمثال هذا العدد.

ويقدر أن يتجاوز عدد سكان العالم سبعة مليارات نسمة في اليوم، لهذا تدور مخاوف صناع السياسة على المدى القريب حول توفير الموارد لما بين ملياري وثلاثة مليارات شخص يتوقع أن يولدوا في الأعوام الخمسين القادمة.

وتستدعي أرقام بهذا الحجم مناظر مرعبة للنقص والفوضى. لكن التحسن في إنتاج الغذاء والتكنولوجيا سمح بأن يتواصل نمو السكان من دون عائق وبسلاسة نسبيا. ويتمثل الكابوس المحتمل في الزيادة السريعة في نسبة المسنين بين السكان التي تتزامن مع تراجع معدلات المواليد في الدول الغنية والفقيرة على حد سواء.

ويقول الكثير من خبراء السكان وواضعي الخطط طويلة المدى إن التحدي في القرن القادم لن يكون التعامل مع أعداد متزايدة من السكان بقدر ما سيكون التعامل مع النسبة العالية من المسنين وربما المعولين، مع محاولة إيجاد استراتيجيات جديدة لتحقيق الرخاء وتوفير الوظائف والخدمات الأساسية.

وأسهم هذا الاتجاه بالفعل في الأزمة المالية العالمية الحالية، إذ زادت تكاليف الرعاية الصحية والاجتماعية، وربما قوض ذلك الإنتاجية. وفي حين ينشغل الساسة بالمخاوف على المدى القصير، فإن خبراء يقولون إنه لا تجري مناقشة التحديات السكانية على المدى الطويل بشكل كاف. يقول جاك غولدستون، أستاذ السياسة العامة وخبير علم السكان البارز في جامعة جورج ميسون بواشنطن «لن يكون عالما مثل أي عالم أو سكانا كأي سكان عاشوا من قبل». وأضاف «كنا نعتقد أن الانفجار السكاني سيجبر الإنسانية على التوسع حتى تصل إلى النجوم. لا يبدو أن هذه هي المشكلة على الإطلاق. وإطار العمل السياسي لا يضع في الاعتبار كيفية التعامل مع هذه المشاكل طويلة المدى».

وما زال الكثير من دول العالم الفقيرة يشهد نموا قويا، ولا يزال معدل الخصوبة العالمي أي عدد الأطفال الذين يولدون لكل زوجين نحو 2.5، وهو ما يكفي ليحل محل كل شخص حي على قيد الحياة حاليا. لكن المعدل انخفض بشدة في الدول الأغنى مثل روسيا وسنغافورة، وطبقت عدة دول متقدمة أخرى سياسات لتحسين الخصوبة لكنها حققت نجاحات متباينة.

وتتفاوت التكهنات، لكن معظم التوقعات تشير إلى أن عدد سكان العالم سيبلغ ذروته عندما يصبح نحو تسعة مليارات نسمة عام 2070 تقريبا، ثم يبدأ في الهبوط ربما بسرعة شديدة. وسيشهد هذا التاريخ فترة ازدهار المواليد، وسيكون كثير منهم بلا أطفال أو لديهم عدد أطفال أقل إذا استمر الاتجاه الحالي إلى نهاية حياتهم. وفي العالم النامي ستموت أيضا الأعداد الكبيرة من الشبان التي تقود انتفاضات الشرق الأوسط في الوقت الحالي.

وقال دانييل كوتلير، خبير السكان بالبنك الدولي وهو متخصص في شؤون أميركا اللاتينية «من المؤكد أن التراجع في الخصوبة ذهب إلى أبعد مدى في العالم المتقدم، لكنه ينخفض بسرعة في معظم الدول متوسطة الدخل، وحتى في بعض من أنجح الاقتصادات منخفضة الدخل». وأضاف «في ظل زيادة نسبة المسنين بين السكان فإن هذا يطرح تحديات».

وبحلول عام 2030 سيكون عمر أكثر من ثلث السكان في عدد من الدول الغربية فضلا عن بعض الاقتصادات الآسيوية مثل اليابان وكوريا أكثر من 65 عاما. وسيسير على النهج نفسه الكثير من الدول النامية وأبرزها الصين التي تطبق سياسة طفل واحد لكل زوجين، حيث تفتقر تلك الدول عادة إلى الموارد المالية اللازمة لسداد تكاليف الرعاية الصحية ورعاية الأطفال.

وقال مايكل هودين، المدير التنفيذي للائتلاف العالمي المعني بالمسنين وكبير الباحثين بمجلس العلاقات الخارجية «الأعداد مذهلة. التوقعات الدقيقة متفاوتة لكنها لا تهم فعلا لأنها كلها تسير في الاتجاه نفسه».

وفي العالم النامي تعتمد معظم الدول على عدد كبير من العاملين من دافعي الضرائب لسداد تكاليف الرعاية ومعاشات التقاعد لمجموعة صغيرة نسبيا من المسنين. في الدول الفقيرة تميل العائلات إلى العناية بالمسنين. ويقول خبراء إن أيا من هذين النموذجين غير مصمم ليتماشى مع تغير التركيبة السكانية التي تنطوي على عدد أكبر من المسنين وعدد أقل من الشبان.

على المدى القريب سد الكثير من الدول الغنية الفجوة السكانية باستقدام شبان من دول أخرى في العالم، خاصة لتوفير الرعاية للمسنين وأداء الأعمال اليدوية. وقد لا يتسنى استمرار هذا في الأعوام القادمة حين تجف مصادر العمالة بسبب تراجع معدلات الخصوبة.

ويظل البعض متفائلين.. يقول سيرغي شيربوف، الذي يقود مجموعة بحثية في معهد فيينا لعلم السكان «سيكون عالما أكبر سنا لكنه سيكون أكثر تعليما بكثير. الناس يصبحون أكثر صحة. أنا شخصيا أعتقد أننا سنتكيف مع هذه الأشياء».

وبذل شيربوف وزملاء له بالبرنامج العالمي للسكان التابع للمعهد الدولي لتحليل الأنظمة التطبيقية جهودا لا بأس بها في مهمة التكهن بسكان العالم على مدى القرنين القادمين، وهي مهمة شبه مستحيلة. وإذا انخفض معدل الخصوبة العالمي إلى مستوى شنغهاي نفسه، أي نحو 0.8 للزوجين، فإنه بحلول أوائل القرن الثاني والعشرين سيتراجع السكان بسرعة شديدة ليكونوا أقل من مليار عام 2150. وإذا كان أقرب إلى متوسط الاتحاد الأوروبي الذي يبلغ 1.5، فسيتراجع السكان إلى ما دون الخمسة مليارات نسمة عام 2140 تقريبا، وثلاثة مليارات بحلول عام 2200. على النقيض يؤدي الاستمرار على المعدل الحالي البالغ 2.5 إلى أن يزيد عدد السكان في عام 2100 على 15 مليار نسمة.

وتفترض هذه التوقعات أن يستمر متوسط العمر العالمي في الارتفاع. وإذا لم يحدث هذا فإن أعداد السكان ستنخفض بسرعة أكبر. ويقول شيربوف «عدم إمكانية التكهن مسألة مهولة، لكنه قد يكون عالما غريبا جدا». ويقول خبراء إن السؤال الأهم الذي لا يملك أحد إجابة واضحة عنه في الوقت الحالي هو ما إذا كان يمكن التخطيط لنمو اقتصادي يوفر فرص العمل. ويأمل أن ينضم العاملون المتقدمون في السن والشبان لقوة العمل. وإذا افترضنا السيناريو الأسوأ الذي ينطوي على صراع بين الأجيال، فقد تستحوذ مجموعة المسنين ومتوسطي العمر على الوظائف وتحاول جاهدة حشد الدعم للحفاظ على حقوق لا يمكن أن تستمر، بينما يشعر شبان غاضبون بالحرمان من الفرص ويضطرون إلى سداد التكلفة الاقتصادية في نهاية المطاف. ويعتقد البعض أن هذه الظاهرة ربما باتت أكثر وضوحا بالفعل في مناطق من العالم المتقدم.

وقال غولدستون من جامعة جورج ميسون «المشكلة الحقيقية المتعلقة بزيادة نسبة المسنين بين السكان هي مشكلة نمو اقتصادي». وأضاف «إذا كان لدينا نمو فإننا نستطيع تحمل تكلفة معاشات التقاعد والرعاية الصحية للجيل الأكبر سنا. لكن إذا لم يكن لدينا هذا فسيعاني الجميع».