البحث عن كنوز أثرية ليبية نهبت خلال الثورة

سرق لصوص نحو 8 آلاف قطعة بعد أن أحدثوا ثقبا في قبو البنك الخرساني ببنغازي في الايام الاولى للثورة

تراث ليبيا من الآثار يشتمل على 5 مواقع مدرجة ضمن قائمة اليونيسكو
TT

ظهرت قطع من مجموعة ضخمة لا تقدر بثمن من العملات المعدنية القديمة والمجوهرات والتماثيل النادرة التي نهبت من قبو أحد البنوك في شرق ليبيا في غمرة الفوضى التي صاحبت الانتفاضة ضد حكم العقيد الليبي معمر القذافي في السوق المحلية في الوقت الذي يجري نقلها إلى الخارج.

وسرق لصوص نحو 8 آلاف قطعة بعد أن أحدثوا ثقبا في قبو البنك الخرساني ببنغازي في الأيام الأولى لأعمال شغب شهدتها الثورة بعد أن امتدت النيران من مقر مجاور للشرطة السرية.

ويقول مقيمون في الحي المطل على البحر إن لصوصا هاجموا البنك في شهر فبراير (شباط) الماضي حين انتفضت بنغازي ضد حكم القذافي مما أدى إلى اندلاع ثورة انتشرت إلى أرجاء البلاد.

واقتحمت حشود مباني رسمية لتحرير سجناء سياسيين وقال بعض المقيمين إن هروبا جماعيا من سجن قريب ربما سمح لمجرمين عتاة الإجرام بالانقضاض على البنك.

يتناثر الرماد والزجاج المهشم في البهو العثماني للمبنى وهو المركز الرئيسي للمصرف التجاري الليبي. لا تزال أقبيته تحت الأرض مفتوحة يلفها الظلام ويوجد في بعضها سجلات مرتبة بعناية للتعاملات مع بيوت التمويل الغربية.

وقال يوسف بن نصر المدير بمراقبة الآثار في المدينة التي بنيت على موقع يحمل اسم بنغازي العتيقة أو - يوسبريدس - حين أسسها الإغريق القدماء في القرن السادس قبل الميلاد إن هذه كارثة. ووجد مراسل لوكالة رويترز للأنباء عملات برونزية مخزنة في حجرة خلفية بمتجر للمجوهرات في سوق بنغازي. وقال البائع إن هذا «سر». وحين سئل عن قيمة العملات قال التاجر إن عمرها ألفيتان.

وحين عرضت «رويترز» على بن نصر صورا للعملات المعروضة للبيع في السوق قال: إنها على الأرجح جزء من المجموعة.

وقال نصر من مكتبه الذي حوله إلى مخزن للآثار على مسافة قريبة من البنك المنهوب إن هذه كنوز قومية لا تقدر بثمن وحقبة من تاريخ ليبيا قد فقدت.

وشملت المسروقات عملات ذهبية وفضية نادرة عليها كتابة بخطوط إسلامية وآيات قرآنية.

وحكمت الأراضي التي أصبحت ليبيا إمبراطوريات متوسطية متعاقبة على مدى قرون وبها بعض أجمل الآثار اليونانية والرومانية التي لم تفسدها الحياة الحديثة إلى حد كبير ولم يرتدها السائحون.

ويقول خبراء إن معظم الآثار الليبية لم تتضرر خلال الانتفاضة التي استمرت 9 أشهر بفضل توليفة من حسن الحظ والعمل الدؤوب لأشخاص مثل بن نصر الذي قضى معظم وقته منذ فبراير في تأمين تاريخ ليبيا في صناديق كتلك التي تملأ مكتبه الآن معظمها على نفقته الشخصية.

غير أن المجموعة التي كانت في مصرف بنغازي لم يحالفها نفس الحظ.

وقال بول بينيت وهو عالم آثار بريطاني متخصص في الآثار الليبية «هذه أكبر سرقة نمت إلى علمي... المؤشرات هي أن بعض المكتشفات وجدت طريقها إلى السوق». ويقول بن نصر إن رغم حملة للشرطة تشارك فيها الشرطة الدولية - الإنتربول - فإن جزءا من مسروقات المصرف التجاري الليبي بدأت تغادر البلاد بالفعل. وظهرت تماثيل من القبو في مصر وربما يكون بعض من 500 عملة ذهبية شوهدت هناك مؤخرا جزءا من الكنز المفقود.

وقال بينيت «ليس في وسعنا القيام بالكثير إلا أن نطلب من المؤسسات على مستوى العالم مساعدتنا في استعادة الآثار الليبية إذا ظهرت حتى يمكن إعادتها» مشيرا إلى أن ليبيين يعيشون في مصر جمعوا أموالا لشراء تمثال إله الحب كيوبيد الذي عثر عليه في سوق بالإسكندرية.

وانتقلت المجموعة التي سرقت من بنغازي من يد إلى أخرى بالفعل عدة مرات في القرن العشرين واستولى على معظمها مسؤولون من إيطاليا الفاشية إبان الحرب العالمية الثانية.

أخذ الديكتاتور بنيتو موسوليني القطع الأثرية كغنيمة باعتبارها جزءا من «إمبراطوريته الرومانية الجديدة» وعرضت في معرض استعماري في إيطاليا عام 1940 قبل أن تتم إعادتها لليبيا المستقلة في الستينات.

على عمق أسفل البنك لا يزال قبو كبير مغلقا ويوجد أزميل محشور بين الحديد والطوب مما يشهد على محاولات فاشلة لفتحه. في الطابق الذي يعلو القبو تظهر الفتحة التي تتسع لدخول إنسان كيف نجح اللصوص في نهاية المطاف في اختراق السقف الخرساني المقوى وهو ما يحتاج إلى إما معدات ثقب كهربائية أو أيام من العمل اليدوي الشاق.

وقال بن نصر إن ليبيا واجهت مشاكل كبيرة مع السرقة في الماضي من قبل وفي عهد القذافي انتهى بالمسروقات المطاف في سويسرا بشكل غامض وأضاف أن لحسن الحظ حصلت ليبيا على مساعدة مؤسسات هناك اشترتها لها.

والمتاحف في حالة يرثى لها بعد سنوات من الإهمال كما أن المواقع الأثرية على مستوى البلاد غير مؤمنة إلى حد كبير لهذا استعان بن نصر بالشرطة وفتيان من كشافة ليبيا للبحث عن الآثار المفقودة ومن بينها مومياوات عثر عليها مؤخرا بعد سرقتها من مقابر في الجنوب. وقال بن نصر إنهم ما زالوا يفتشون المواقع على مستوى البلاد ويقومون بجرد ما فقد ويخبرون تلاميذ المدارس وفتيان الكشافة عن الكنز الضائع ووصف العمل في مجال الآثار بليبيا الآن بأنه أصبح كعمل المخبرين. وكانت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو) قد حذرت قبل أسبوع من أن كنوز ليبيا القديمة سلمت حتى الآن على نحو كبير من الحرب الأهلية لكن مع موت معمر القذافي يمكن أن تكون عرضة لخطر أكبر من ذي قبل من قبل السارقين والاضطراب.

وحذرت المديرة العامة لليونيسكو إيرينا بوكوفا، في مؤتمر حول حماية التراث الثقافي الليبي في العاصمة الفرنسية باريس، الوفود من أن موت معمر القذافي يمكن أن يكون نذير خطر للكنوز الليبية مثلما اختفت آلاف القطع التاريخية بعد سقوط صدام حسين في العراق.

وقالت: «نعرف تماما أنه في فترة عدم الاستقرار الضخم فإن المواقع مهددة بصورة أكبر للنهب» وأضافت أن اليونيسكو أنذرت تجار الفن والدول المجاورة بأن يكونوا على حذر من التهريب غير الشرعي.

وليبيا التي غزتها معظم الحضارات التي سيطرت على البحر المتوسط غنية بالتراث الذي يشتمل على 5 مواقع مدرجة ضمن قائمة اليونيسكو للتراث العالمي مثل البقايا الرومانية وموقع لبدة الأثري - لبتس ماغنا - (لبدة الكبرى) وموقع سبراطة الأثري الذي كان مركزا تجاريا فينيقيا.

وطبقا لبعثة تقصي حقائق توجهت إلى ليبيا في سبتمبر (أيلول) لتقييم الضرر الناتج جراء 7 أشهر من الصراع فإن الكثير من الآثار التي يمكن الوصول إليها في الدولة قد نجت من الدبابات سالمة ويعود هذا في جزء منه إلى أن اليونيسكو أمدت التحالف الذي قاده حلف شمال الأطلسي بإحداثيات جغرافية للمواقع الثقافية الرئيسية.

وقال فرانشيسكو باندارين المدير العام المساعد المكلف بقطاع الثقافة «المخاطر لا تزال موجودة لأن الموقف غير مستقر حتى الآن. وقد رأينا في حالات أخرى مثل العراق أو أفغانستان أن (فترة) ما بعد الحرب هي الأخطر. لأنه عندما يكون هناك الكثير من الأسلحة والكثير من القوات المسلحة والكثير من عدم الاستقرار يبدأ النهب».

وفي العراق سرقت آلاف القطع التاريخية بعدما استولت القوات الأميركية على بغداد في 2003 وتمت استعادة بعضها فيما بعد بمساعدة الشرطة الدولية - الإنتربول.

وللدولة الساحلية جميع وسائل نجاح تنشيط السياحة من طقس دافئ وشواطئ وآثار وقربها من أوروبا وجميع العوامل التي ساعدت جيرانها في بناء صناعات سياحية مزدهرة.

لكن على عكس آثار تونس ومصر التي يزورها ملايين السائحين سنويا فإن الآثار الليبية يراها عدد قليل من الأجانب منذ الثورة التي قام بها القذافي في 1969. ويمكن أن تساعد السياحة ليبيا في تنويع اقتصادها بعيدا عن الاعتماد على النفط والغاز.