مقتنيات ومخترعات تحكي تاريخ العالم في كتاب

عبر 100 قطعة يحتفظ بها المتحف البريطاني

TT

كان مشروعا يتسم بالجرأة لدرجة أن مائة أمين متحف استغرقوا أربعة أعوام لإكماله، وكان الهدف نقل تاريخ العالم عبر 100 قطعة من مقتنيات المتحف البريطاني الكثيرة، وتم الكشف عن نتائج نقاشات أكاديمية كثيرة عبر برنامج يبث عبر «بي بي سي راديو 4» في مطلع 2010، قدمه نيل ماكغريغور، مدير المتحف، وجلس الملايين لينصتوا إلى قصصه البهية – عدد كبير للغاية من الجمهور - مما جعل «هيئة الإذاعة البريطانية» والمتحف البريطاني ينشران كتابا حول السلسلة تحت عنوان «تاريخ العالم في 100 قطعة»، ينشر في الولايات المتحدة أمس الاثنين. وتجسد هذه الأشياء، التي يتسم بعضها بالتواضع والبعض الآخر بالفخامة، حكايات حول السياسة والسلطة والتاريخ الاجتماعي والسلوك الإنساني، وقال ماكغريغور إن أقدمها – وهي أداة تقطيع يبلغ عمرها مليوني عام - «كان أول ما وضع في صندوق الأدوات»، وكتب إنه عُثر على مدق على شكل طائر إلى جوار نهر إيكورا في غينيا الجديدة، يعود إلى وقت ما في الفترة بين 6000 و2000 قبل الميلاد، مضيفا: «يبدأ تاريخ أحدث حبوبنا وخضرواتنا قبل نحو 10.000 عام، وكان ذلك وقت الحيوانات المستأنسة أخيرا، والآلهة القوية والطقس الخطير والطعام الأفضل».

وفي معرض مناقشة عمل للفنان البريطاني، ديفيد هوكني، يعود إلى عام 1966 ويظهر فيه رجلان جنبا إلى جنب، علق ماكغريغور: «يثير ذلك أسئلة محيرة عما يراه المجتمع مقبولا وما يراه غير مقبول، وحدود التسامح والحرية الشخصية، وتحول البنية الأخلاقية على مدار آلاف من الأعوام في تاريخ البشرية». ومع استمرار البرنامج، أصبح اختيار آخر أداة محل جدل شعبي – على موائد العشاء، وفي الإذاعة، وعلى المدونات والصحف – مما أضفى على الحلقة الأخيرة نهاية مشوقة. وقال ماكغريغور (65 عاما)، في مكتبه داخل المتحف البريطاني: «من الواضح أن عرض الأدوات المائة اكتسب مسحة المسلسلات الاجتماعية القصيرة». بدا المكتب واسعا ومزينا بمجموعة مختارة من الأعمال الفنية تعكس مذاقه العالمي، وأوضح ماكغريغور أنه وآخرين شعروا بأن الأداة الأخيرة لا يمكن تحديدها إلا في اللحظة الأخيرة، وقال: «كان يجب أن يعكس شيئا هاما في نهاية 2010، وكنا نريد تذكير الجميع بأن المتحف ما زال يجمع أعمالا، وأن وظيفته هي توثيق التغييرات الاجتماعية في الوقت الحالي وفي الماضي».

واقترح بعض المدونين جهاز «آي باد» أو إبرة «بوتوكس»، ولكن كانت الأداة الأخيرة عبارة عن مصباح بلاستيكي يعمل بالطاقة الشمسية في نفس حجم فنجان القهوة ومعه شاحن، وتبلغ تكلفته 45 دولارا، ويمكنه إضاءة غرفة بالكامل، وهي كافية لتغيير حياة عائلة ليست لديها كهرباء، ويقول ماكغريغور: «إنها أداة تساعد على التحويل، وتجعل الناس يعيشون براحتهم». ويضيف: «بمجرد أن يكون لديهم قدرة على استخدام الطاقة الشمسية، يكون لديهم قدرة على استخدام الإنترنت، وبعد ذلك قدرة على الاطلاع على المعارف العالمية». وجاءت فكرة مشروع الأدوات المائة بعد أن ذكر ماكغريغور في بعض البرامج الإذاعية، عبر «بي بي سي»، أدوات محددة في مقتنيات المتحف، وقد قوبل ذلك بحماس كبير، وقال: «لا يستطيع أحد في الوقت الحالي تذكر في أي مرحلة تحول ذلك إلى فكرة الأدوات المائة الطموحة في محاولة لم شمل العالم كله». ويقول إنه في البداية كان الهدف هو العثور على وسيلة لجعل الزوار يهتمون بالمقتنيات الكثيرة في المتحف، من خلال أخذ أداة واحدة ووضعها في سياق أكبر، ويعني ذلك أداة تروي قصة يمكن للجميع أن يكون مرتبطا بها، وأضاف: «أصبح الأمر يتضمن هذا التوازن بين الجغرافي والزمني والموضوعي». وبعد بدء البرنامج الإذاعي – خمس مرات في الأسبوع كل منه نحو 15 دقيقة – أصبحت نبرة ماكغريغور الأسكوتلندية الواقعية واضحة، مثلما كان صوت فيليب دو مونتبيلو الفرنسي، أمام الزوار الذين استمعوا إلى تعليماته الصوتية المسجلة في متحف متروبوليتان للفنون قبل تقاعده عام 2008.

وعلى الرغم من أن المشروع يمكن أن يعتبر ترويجا للمتحف، فإنه تجاوز ذلك بكثير، ويقول ماكغريغور: «إنه أشبه برحلات غاليفر». ويضيف: «يهدف هذا المتحف إلى أن يكون مثل غاليفر». وكل أسبوع كان يتم تجميع الأدوات تحت عناوين مثل: «بناة الإمبراطورية»، و«داخل القصر: أسرار في الفناء»، و«بعد عصر الثلج: غذاء وجنس».

وغالبا ما يكون لأصغر الأشياء – التي من السهل تجاهلها في مكان ضخم مثل المتحف البريطاني – أقوى صدى، خذ على سبيل المثال سنت إدواردي عليه عبارة «تصويت للنساء»، أو قطعة صغيرة من العاج حجمها بوصتان كانت تعلق بصندل خاص بالملك دين، وهو من أوائل الفراعنة المصريين، وكتب ماكغريغور: «أقرب شيء يماثل ذلك حديثا أتذكره مرتبط بهذه القطعة من العاج، هو بطاقة الهوية التي يتعين على العاملين داخل بعض المكاتب، في الوقت الحالي، ارتداؤها حول أعناقهم حتى يمكنهم اجتياز التفتيش الأمني». ويقول مسؤولون في المتحف إنه تم القيام بـ24 مليون عملية تحميل عبر موقع «بي بي سي»، كما حقق الكتاب أعلى المبيعات.

وربما يلهم هذا النوع من النجاح متاحف أخرى لابتكار أشياء على غرار فكرة الأدوات المائة، ولكن لا يستطيع أي منها أن يبلغ نطاق المقتنيات الموجودة في المتحف البريطاني، ولا تحتوي هذه الأشياء رسوما زيتية، على عكس مؤسسات أخرى بها مقتنيات شاملة، مثل متحف متروبوليتان للفنون أو اللوفر. ويقول ماكغريغور: «في المتاحف الأخرى تطغى الرسوم الأوروبية على باقي المقتنيات، ويعني ذلك أننا المتحف الوحيد من بين هذه المتاحف الموسوعية التي لا تسيطر فيها أوروبا على الأشياء المعروضة، وتعد هذه ميزة كبيرة إذا كنت ترغب في التعرف على العالم اليوم».

*خدمة «نيويورك تايمز»