معرض يختزل قرونا من عمارة الحرمين الشريفين

زاره مليون وسبعمائة ألف ويقع بطريق جدة ـ مكة القديم

TT

مرت عمارة المسجد الحرام بمكة المكرمة والمسجد النبوي بالمدينة المنورة بأحقاب مختلفة في التاريخ، وكانت عمارتهما شرفا تجاذبته جهات مختلفة من ملوك وقبائل ودول منذ الأزل، منذ أن باشر نبي الله إبراهيم وابنه إسماعيل - عليهما السلام - بناء الكعبة المشرفة في مكة مرورا بإعادة بنائها على يد العمالقة وجرهم وقصي بن كلاب وقريش وعبد الله بن الزبير، والحجاج بن يوسف، والسلطان مراد الرابع.

وكذلك توسعات الحرم المكي التي تكررت منذ عهد الخلفاء الراشدين ثم الأمويين فالعباسيين والعثمانيين والهاشميين ثم الحقبة السعودية.

وكان الكل أيضا حكومات وملوكا يسعى لشرف خدمة المسجد النبوي منذ اللحظة التي بركت فيها ناقة النبي - صلى الله عليه وسلم - القصواء لتحدد موضع البناء الذي وسع في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وعهد عمر وعثمان - رضي الله عنهما - والأمويين والعباسيين والمماليك والعثمانيين ثم السعوديين في المرحلة الحالية.

تلك الأحقاب من تاريخ أطهر وأهم بقعتين في الأرض تحوي الكعبة المشرفة وجسد النبي - صلى الله عليه وسلم - اختصرها «معرض عمارة الحرمين الشريفين» الذي وضع وجهز ليخاطب الذاكرة القريبة والبعيدة لتاريخ الحرمين الشريفين بما يمثلانه من مكانة فريدة على مستوى العالم.

هذا الخطاب البين لتلك الذاكرة العميقة والموغلة في القدم أضاف للمعرض قيمة وأهمية عالية وكانت فكرة إنشائه قد أتت بعد ما شهده المسجدان من توسعات كبيرة ومتتالية عبر العصور المختلفة.

ويفصل المعرض بشكل كبير على وجه التحديد التوسعات غير المسبوقة والموثقة والمرئية اليوم التي تمت خلال العصر السعودي، والتي سمحت للرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي لتقديم بعض المقتنيات وبعض العناصر المعمارية والنقوش الكتابية التي تجمعت لديها.

تلك النقوش والتحف التي تمثل الفترة من بداية العصر الأموي إلى العصر السعودي تعرض يوميا أمام العموم من المسلمين من خلال إنشاء معرض خاص بها لتوثيق الجهود التي بذلت في عمارة الحرمين الشريفين ولتكون مصدرا ثقافيا للأجيال المسلمة وتعريفها بتاريخها الإسلامي العظيم وأطلق عليه اسم «معرض عمارة الحرمين الشريفين».

يقع «معرض عمارة الحرمين الشريفين» في حي أم الجود بمكة المكرمة على طريق مكة المكرمة - جدة القديم ويقع على مساحة تقدر بألف ومائتي متر مربع غير بعيد عن مقر مصنع كسوة الكعبة المشرفة وقد افتتح الثلاثاء الأول من فبراير (شباط) من عام 2000.

روعي في إنشاء المعرض المهتم بتاريخ عمارة المسجدين المقدسين لدى المسلمين تناسق التصاميم الهندسية مع الطراز المعماري المميز لعمارة المسجد الحرام في انسيابية الحركة للزائرين والتسلسل المنطقي للعرض بما يعطي صورة شاملة للزائر عن الحرمين الشريفين وليخرج من المعرض ملما بجميع المقتنيات والمعروضات.

وروعي أيضا أن يكون تنقل الزائر بين جنبات المعرض بكل سهولة ويسر ضاما للعديد من المعروضات من نسخ قديمة من المصاحف وكذلك مخطوطات إسلامية ثمينة وقطع أثرية ذات دلالة خاصة ونقوش كتابية حوتها جدران وأعمدة الحرمين الشريفين وصور نادرة لهما ولأرجائهما وكذلك مجسمات معمارية تمثل العصور الإسلامية المتلاحقة. ويضم المعرض قاعة استقبال تضم مجسما للمسجد الحرام وصورا قديمة وحديثة لكلا الحرمين الشريفين، تجاورها بعد ذلك أولى قاعات العرض وهي قاعة مخصصة للمسجد الحرام، ويتوسط هذه القاعة سلم الكعبة المشرفة، الذي يعد من أهم التحف المعروضة ويعود تاريخه إلى بدايات القرن ما قبل الماضي.

وإلى جهة أخرى توجد بالمعرض قاعة خصصت للكعبة المشرفة وتختص هذه القاعة بعرض متعلقاتها ويشمل ذلك نماذج من الكسوة عبر التاريخ بالإضافة إلى مقتنيات الكعبة المشرفة، ومنها باب الكعبة وأحد أهم أعمدة الكعبة، الذي يعتبر من أهم القطع الأثرية الموجودة في المعرض حيث يعود تاريخه للقرن الأول الهجري، السابع الميلادي.

وللصور الفوتوغرافية التي تختص بالحرمين الشريفين قاعة خاصة تضم هذه القاعة مجموعة من الصور النادرة التي قام بإهدائها للمعرض الأمير سلطان بن عبد العزيز، وهي صور نادرة للمدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة وكذلك صور لبقية المشاعر المقدسة عرفات ومنى ومزدلفة تم التقاطها قبل نحو 140 عاما بواسطة المصور المصري صادق بيك.

كما توجد في المعرض قاعة للمخطوطات تتوسطها خزانة تحتوي على نسخة مصورة من المصحف العثماني الذي كتب في عهد ثالث الخلفاء الراشدين عثمان بن عفان - رضي الله عنه - ويعود تاريخها لما يزيد على ألف وأربعمائة عام، كما تضم قاعة المخطوطات مجموعة أخرى نادرة من المصاحف والمخطوطات.

أما ما سميت قاعة المسجد النبوي، فإن بها العديد من القطع التابعة للمسجد النبوي الشريف ومن أبرزها باب المنبر العثماني الذي يعود تاريخه لنهايات القرن السادس عشر، فيما يتوسط القاعة مجسم ضخم لمسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم.

وضمن قاعات المعرض روعي إنشاء قاعة خاصة ببئر وماء زمزم وفي هذه القاعة أجزاء من فوهة بئر زمزم القديمة ومجسم لقطاع طولي لبئر زمزم يوضح تفاصيل بئر زمزم، وبهذه القاعة مزولة شمسية تستخدم لتحديد أوقات الصلاة يعود تاريخها لعام 1614م، بالإضافة إلى أول ساعة حديثة تم تركيبها في المسجد الحرام عام 1933م في عهد الملك عبد العزيز مؤسس المملكة العربية السعودية.

ويذكر محسن بن عبد المحسن السلمي مدير «معرض عمارة الحرمين الشريفين»، أن أعداد زوار المعرض منذ افتتاحه في فبراير 2000 في تزايد مستمر حتى وصل عددهم إلى أكثر من مليون وسبعمائة ألف زائر، معتبرا أن المعرض قد أصبح أحد أهم المعالم الرئيسية التي يقصدها الزائرون لمكة المكرمة.

ويشهد «معرض عمارة الحرمين الشريفين» في مكة المكرمة أعدادا كبيرة من الزوار بين المعتمرين والمواطنين والمقيمين، ويشهد ازدحاما يتزامن مع موسم الحج، وينظم زياراته على فترتين صباحية ومسائية.

ويقوم بزيارة المعرض بالإضافة إلى الأفراد عدد كبير من الوفود الرسمية ووفود الطلاب والمشرفين من المدارس والكليات والجامعات.