أيام الأعياد في لبنان موزعة مناصفة بين المسلمين والمسيحيين

اختصرها مجلس الوزراء من 23 يوما إلى 16 لتحسين الإنتاجية

TT

لأن لبنان متعدد الطوائف والمذاهب، فإن الأعياد فيه كان لها حصة الأسد، بحيث شكلت روزنامة أيام العطل المتوفرة لديه على طول أيام السنة إحدى أطول وأكبر الروزنامات الموجودة في العالمين العربي والغربي ضمن هذا الإطار.

فلبنان، الذي يعد، حسب دراسة تقريبية قامت بها جمعية الأمم المتحدة عام 2008، أربعة ملايين وتسعة وتسعين ألف نسمة، يتسنى لجميع مواطنيه من عمال وموظفين وطلاب مدارس أن يتمتعوا بـ16 يوم عطلة رسمية، أعيد تنظيمها عام 2007 من قبل مجلس الوزراء اللبناني لتوزع مناصفة على الطائفتين الإسلامية والمسيحية، لتصبح مفروضة على الجميع، بعد أن كانت في فترة سابقة يصل عددها إلى 23 يوم عطلة يعيّدها أبناء هذه الطائفة أو تلك، حسب المناسبات المخصصة لكل منها.

وتتضمن هذه الروزنامة عطلا ثابتة التواريخ، وأخرى غير ثابتة، وذلك لأن بعضها يتبع تقويما خاصا، حسب كل طائفة، فتختلف بين عام وآخر. ويبلغ عدد أعياد اللائحة الأولى ثمانية، بحيث تشمل مناسبات رأس السنة الميلادية، 1 (يناير «كانون الثاني»)، وعيد الميلاد لدى الطوائف الأرمنية (6 يناير) وعيد مار مارون (9 فبراير «شباط») وعيد البشارة (25 مارس «آذار»)، وعيد العمال (الأول من مايو «أيار») وعيد انتقال العذراء (15 أغسطس «آب»)، وعيد الاستقلال (22 نوفمبر «تشرين الثاني»)، وعيد الميلاد لدى الطوائف الكاثوليكية (25 ديسمبر «كانون الأول»).

أما العطل الرسمية غير الثابتة، فتشمل رأس السنة الهجرية (أول محرم)، وعاشوراء (10 محرم)، والمولد النبوي (12 ربيع الأول)، وعيد الفطر (الأول والثاني من شوال)، وعيد الأضحى (10 و11 ذي الحجة)، وجمعة الآلام لدى الطوائف المسيحية التابعة للتقويم الغربي، وتصادف بين شهرين من السنة (مارس وأبريل «نيسان»). وكانت المناسبة الأخيرة قد أحدثت إشكالا بين مجلس الوزراء اللبناني عام 2007 والمراجع الدينية المسيحية، عندما أقر الأول اعتباره يوم عمل عادي، بينما يكون يوم اثنين الفصح عطلة. ويومها برر الوزراء المسيحيون موافقتهم على هذا القرار بأنه كان الأنسب، في ظل توزيع أيام العطل مناصفة على طريقة 6 و6 مكررا، المتبعة في جميع الدوائر الرسمية في لبنان، والموزعة بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين في مختلف مجالات العمل، إلا أن المجلس الوزاري ما لبث أن عاد عن قراره ليثبّت جمعة الآلام يوم عطلة رسمية، موضحا أن الأمر كان يستوجب الاتفاق عليه بدقة مع المراجع الروحية المسيحية وفي مقدمها البطريركية المارونية، لتفادي أي لغط ممكن أن يحصل.

وبذلك حصلت كل طائفة على سبعة أعياد، إضافة إلى عيدي الاستقلال والعمل.

أما الأعياد غير الرسمية، وغير المفروضة على المواطنين اللبنانيين، فهي عيد التحرير الوطني في 8 مايو، بمناسبة انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان، ويعرف بعيد المقاومة، وكذلك عيد الشهداء الواقع في 6 مايو، في ذكرى استشهاد عدد من اللبنانيين عام 1943 لمقاومتهم الانتداب الفرنسي مطالبين باستقلال لبنان، وتعتبر هاتان المناسبتان إضافة إلى عيد جميع القديسين من بين الأعياد التي تم إلغاؤها من روزنامة أيام العطل الرسمية في لبنان، التي كانت في الماضي من ضمنها.

ويؤكد الوزير السابق بطرس حرب لـ«الشرق الأوسط» أن الهدف الذي دفع بالمجلس الوزاري اللبناني لإعادة تنظيم روزنامة الأعياد الرسمية هو زيادة نسبة الإنتاج والمردود المادي على لبنان واللبنانيين، موضحا أن كل يوم عطلة يتسبب في خسارة مالية كبيرة على البلاد، في ظل توقف جميع الإدارات الرسمية والشركات الخاصة عن العمل فيه، وأضاف: «كان علينا أن نقوم بذلك لزيادة أيام العمل، لا سيما أن لبنان صاحب أطول لائحة أيام عطل رسمية في العالم، نظرا لتعدد طوائفه ومذاهبه، الأمر الذي لا نصادفه في بلدان عربية أخرى، ولا حتى في البلدان الأوروبية».

وعما إذا كان هذا التعديل استحدث لإجراء التوازن بين الطائفتين الإسلامية والمسيحية، أكد بطرس حرب أن هناك تقليدا لبنانيا قديما يقضي بتوزيع جميع الحصص في مختلف المجالات على اللبنانيين مناصفة لإرضاء الجميع، وكي لا تشعر طائفة أنها مغبونة لحساب طائفة أخرى. والمعروف أن في لبنان 18 طائفة مختلفة تتنوع ما بين المسيحيين والمسلمين والدروز والأرمن والأشوريين والسريان وغيرهم.

يذكر أن إعادة تنظيم روزنامة الأعياد في لبنان شهدت مؤخرا بعض التغييرات عند بعض الطوائف، كما يحصل مثلا بين السنة والشيعة، وحسب التقويم الحسابي لكل منهما؛ إذ اضطرت بعض المؤسسات أن تخضع لها في حال إعلان دار الفتوى للسنة مثلا عيد الفطر في اليوم الفلاني، بينما يتمسك المجلس الإسلامي الشيعي إعلان العيد في اليوم الذي يليه، مما أتاح لأيام العطلة أن تزيد على اليومين لتصبح ثلاثة.

وما ينطبق على العمال والموظفين اللبنانيين لا ينطبق على طلاب المدارس عامة، إذ أبقت المدارس الخاصة على أعياد استثنائية تحتفل بها وعادة ما تكون خاصة بها، كعيد تأسيس المدرسة أو عيد اسمها الذي يصادف عيد قديس أو نبي ما، إضافة إلى عيد المعلّم الذي يشكل يوم عطلة طبيعيا لأساتذتها.

من ناحيته، أكد مصدر في أمانة مجلس الوزراء أن هناك مذكرات خاصة تصدر عن المجلس تعلن العطلة لمناسبة ما، كتلك التي صدرت العام الماضي لمناسبة عيد الفصح لدى المسيحيين في اثنين الباعوث، الذي كان قد ألغي مبدئيا في المرسوم الوزاري الرسمي الذي أعاد تنظيم أيام العطل الرسمية، وكذلك الأمر بالنسبة لعيد المقاومة، الذي تصدر في حقه أحيانا مذكرات آنية تفرض فيه التعطيل.

وتندرج لائحة أيام العطل عادة في المفكرات السنوية التي توزع على جميع أقسام الوزارات والدوائر الرسمية، في حين تحتفظ المدارس الخاصة بمفكرة خاصة بها تتفاوت أيام العطل فيها حسب برنامجها الدراسي، والمفروض أن يكون مؤلفا من عدد أيام محددة تتراوح ما بين 160 و170 يوما دراسيا، على أن تلتزم في المقابل التزاما كاملا بالمرسوم الوزاري الصادر في هذا الخصوص.

يبقى القول إن اللبناني محظوظ في هذا الموضوع كونه من المواطنين الأكثر استفادة من أيام العطل في العالم، نظرا لتعدد الطوائف فيه، هذا إذا لم تتخلل أيام العمل إضرابات وأحداث أمنية تضطره أيضا للتعطيل. وهي فرص يستفيد منها اللبناني بصورة غير مباشرة ليأخذ قسطا من الراحة، مع أنها في الواقع تنعكس سلبا على الأوضاع الاقتصادية في البلاد، لأن جميع القطاعات فيه تكون مشلولة. ونختم بالقول إنه ما زالت الأعياد في لبنان عامرة، على الرغم من كل حالات عدم الاستقرار التي يعيشها، ومن يريد أن يتنعم بأيام راحة وفرص لإجازات غير متوقعة تلون أيام عمله السنوية، فما عليه إلا أن يزور لبنان، ويردد معنا: «نيال اللي عندو مرقد عنزة بلبنان» وكل عيد وأنتم بخير.