رقص غجري وموسيقى في مهرجان «راجستان» الدولي للفنون الشعبية

يعد من بين أكبر 25 مهرجانا موسيقيا عالميا.. ويشارك فيه 300 فنان من جميع القارات

قدم فريق أعضاؤه ينتمون لأعراق مختلفة أفضل عرض في المهرجان هذا العام
TT

حلت فرق غناء ورقص من مختلف أنحاء العالم في مدينة جودبور الهندية التابعة لولاية راجستان غرب الهند. وقدم فنانون من أميركا الجنوبية والولايات المتحدة وإنجلترا وأستراليا وجزيرة ريونيون وهولندا والبرازيل ومصر ونيبال، إلى جانب فرق مختلفة من الهند، عروض فنون شعبية وموسيقى جاز ورقص غجري وأنواع أخرى مختلفة من الموسيقى في الدورة الخامسة من مهرجان «راجستان» الدولي للفنون الشعبية. وشهد المهرجان أيضا عروض موسيقى تقليدية من راجستان، إلى جانب صور من التعاون الفريد بين المؤدين الهنود والعالميين.

أكثر من 300 فنان ينتمون لثقافات مختلفة من جاليات محلية ودولية - هذا عازف بيت بوكس بريطاني طويل، وهذا موسيقي راجستاني، وهذا طبال روسي، وذاك عازف تشيلو أوزباكستاني، وهذا عازف غيتار إيراني وهذا دي جيه من البرازيل - هزوا أركان المهرجان الذي استمر لمدة خمسة أيام، الذي يعد من بين أكبر 25 مهرجانا موسيقيا دوليا في العالم، كما أيدته منظمة اليونيسكو. وتعتبر مدينة جودبور مقصدا معروفا للسائحين، حيث تضم الكثير من القصور والقلاع، وتقع في صحراء طهار (صحراء الهند الكبرى) الخلابة. وتعرف المدينة باسم «مدينة الشمس» نظرا للطقس الدافئ المشمس الذي تتمتع به طوال فترات العام. كما يشار إليها أيضا باسم «المدينة الزرقاء»، لأنها تضم منازل مطلية باللون الأزرق. ولا يضم هذا المهرجان فقط مزيجا من الفنانين المحليين والدوليين، وإنما أيضا موقعا ملكيا: قلعة ميهرانجارا، إحدى أكبر القلاع في الهند. وبداخل حدوده، توجد قصور كثيرة معروفة بنقوشها المعقدة وساحات واسعة.

في أول أيام المهرجان في سكون الليل، عزفت موسيقى السكسوفون في ساحة زانانا القديمة بقلعة ميهرانجارا (التي تقع على ارتفاع 400 متر أعلى جودبور)، واستمع جمهور ضخم لصوت الموسيقى العذب في صمت بليغ معبر عن الاستحسان.

وكان عازف السكسوفون هو الموسيقي الهولندي الشهير يوري هونينغ. لكن ما أعطى حماسة للأداء كان هو المزج بين الموسيقى الشعبية التي قدمها بهاوارو خان لانغا وموسيقى هونينغ. جذب لانغا انتباه الجمهور من خلال عزفه بأربع قطع مسطحة من الخارتال (وهي آلة موسيقية خشبية).

وظل يعزف إلى أن لم يملك هونينغ جوابا: «الحضور إلى الهند جعلني أتعرف على الأدوات الموسيقية المدهشة الموجودة هنا. لقد قدمت عرضا مؤخرا مع بهاوارو خان لانغا وفرقته في أمستردام، وأبدى الجميع إعجابهم ببراعتهم»، هكذا تحدث هونينغ، الذي يعتزم تقديم عرض آخر مع الفرقة نفسها في أمستردام.

وفي اليوم التالي، انقسم الجمهور ما بين أنغام موسيقى الراب المثيرة لديفي ريكارد من ريونيون أيلاند وفرقة «روبا» وفرقة «أبريل فيشيز» من سان فرانسيسكو - وعروض الفرقة الأخيرة تسر الأعين، مثلما تشنف الآذان. وقدم فريق أعضاؤه ينتمون لأعراق مختلفة أفضل عروض المهرجان (قدم روبا وأبريل فيشيز أفضل عرض في المهرجان هذا العام). كانت الفرقتان نجم المهرجان، وهو ما تجلى في إلمامهما بالتقنيات الحديثة، فضلا عن براعتهما الموسيقية، أبرزت روبا ماريا، المغنية الرئيسية بالفرقة، ما تمتلكه من ذخيرة موسيقية، حينما قدمت الكثير من الأغنيات، بدءا من أغنية فرنسية تحمل اسم «لي أبيليه»، إلى أداء موسيقي جذاب لأغنية تحمل عنوان «إليفانت» (الفيل). ومع مزج ماريا التعبيرات الشعرية لموسيقى أميركا اللاتينية مع إيقاعات الكومبيا، قادت إلى إقامة حفل ضخم في الشارع. حتى إن الجو الحماسي الذي سيطر على المهرجان نال إعجاب راعي المهرجان، المهراجا غاج سينغ. وقدم عازف موسيقى شعبية من راجستان وفرقة روبا، قطعة موسيقية حديثة.

وجاء دور بهانواري ديفي، مغنية شعبية من ميوار، في اليوم الثالث، منطلقة من علمها أن كثيرا من الحاضرين أتوا خصيصا إلى القلعة لسماع موسيقاها، ونظرا لكونها مؤدية بارعة، دائما ما كانت تنتزع إعجاب الجمهور في مهرجان راجستان للفنون الشعبية في الأعوام السابقة، بصوتها الجهوري المسترسل. وقد أسهمت أغنيات الحب والفراق التي تتغنى بها في استحواذها على مكان بمهرجان من المنتظر إقامته في أدنبره بداية العام المقبل. وستؤدي عروضها بمتحف اسكوتلندا الوطني ضمن فعاليات المهرجان.

وكان أحد أكثر العروض إمتاعا ذلك الذي قدمه فريق «باند أوف براذرز». استطاع هذا الفريق الأسترالي، المؤلف من زوجين من الأخوة - سالفا وليونارد غريغوريان من كازاخستان وجوزيف وجيمس تواضروس من مصر - أن يمزج ببراعة بين مقاطع موسيقية صغيرة بالغيتار وألحان ونغمات آلة البيركاشن الإيقاعية المصرية المعروفة بالرق، مع عدد قليل من فناني راجستان لدفع الجمهور إلى حالة من الهدوء المريح. على جانب، كان يقف فريق «باند أوف براذرز»، وعلى الجانب الآخر، كان هناك فريق مؤلف من ستة موسيقيين من راجستان يقودهم شاكار خان. عزفت الفرقتان في البداية بعض المقطوعات الموسيقية، كل فرقة على حدة. وكانت الفرقة الأخرى تستمع، ثم تبعتها بالبدء في الغناء.

تتجلى حقيقة أن مهرجان راجستان الدولي يحظى بإعجاب شديد من محبي الموسيقى بدرجة كبيرة في الحماسة التي يؤدي بها الفنانون عروضهم طوال اليوم. تنبض القلعة بالحياة على مدار اليوم من خلال عروض الدمى وعروض الرقص والغناء في كل جانب. وربما يحالف الحظ البعض في مشاهدة الحواة والسحرة الذين يقومون بألاعيب سحرية ويخلقون معجزة من لا شيء إلا براعة أصابعهم. ويشاهد الجمهور تلك العروض وهم في حالة انبهار شديدة.

وفي هذا العام أيضا، تم أداء رقصة مميزة على قطع من الفحم (أكل الراقصون أيضا قطع الفحم، ولم يمكنني معرفة السبب) من قبل راقصين من راجستان يتراوح عددهم ما بين سبعة إلى ثمانية راقصين، الذين وقفوا على الفحم بعد أدائهم صلوات مطولة، وهو الأمر الذي يمكن فهمه.

الوقت بعد منتصف الليل، وتم إخلاء قلعة ميهرانجارا من جميع الزوار. كانت بارافين سابرينا خان، المطربة الموهوبة التي تبلغ من العمر 18 عاما، قد بدأت عروض المساء، بالمشاركة في عرض مع جوزيف تواضروس من فرقة «باند أوف براذرز». وجوزيف، عازف العود الذي تعود أصوله إلى مصر على دراية بموسيقى راج كيرواني (نوع من الموسيقى الكلاسيكية الهندية). وخلال دقيقة، بدآ يرتجلان أغنيات بصوتهما الذي ملأ جنبات القلعة الخاوية. غنت بارافين عن ملكة تتوق لعودة ملكها، وعن امرأة فلاحة تصف الرياح الموسمية المنتظرة. واستمرت الوصلة الغنائية الارتجالية لمدة نحو ساعة. وحالف الحظ 12 شخصا لسماعها قبل ضياع هذه اللحظات كالدموع في مياه المطر. وربما كان هذا الثنائي هو الأكثر حميمية في غناء المقاطع القصيرة المكررة.

وفي آخر أيام المهرجان، أشعل عازف البيت بوكس هندي الأصل، جيسون سينغ، من مانشستر، حرارة المهرجان، بمشاركته في عرض مع الفنان رايس خان. وامتزجت محاكاة سينغ الصوتية لموسيقى الأسطوانات وأصوات الطبول مع موسيقي فناني الفنون الشعبية من راجستان، في واحدة من التجارب التي فتنت الجمهور.

«نحن لا نتحدث بنفس اللغة، لكن موسيقانا تمتزج معا بسلاسة تامة»، هذا ما يقوله سينغ المقيم في مانشستر، الذي قام مؤخرا بإعادة توزيع موسيقى فيلم صامت أنتج عام 1931.

وكانت أروع الأجزاء في المهرجان، التي تم الحديث عنها أكثر من غيرها، هي الحفلات الموسيقية الصباحية بالمقبرة الملكية المطلة على القلعة. ومع إقامة حفلات في أوقات متأخرة من الليل، فإن حفلات الصباح الباكر كانت تعج بالصخب. وشارك فيها الموسيقي الراجستاني جوما جوغي ميواتي. إنه يعزف على واحدة من الكثير من الآلات الموسيقية النادرة. وفي الليلة الماضية، في ساحة أخرى بالقلعة، قدم نوعا مختلفا من العروض - حيث غنى مجموعة من أغانيه التي تبعث على الشعور بالحزن، وأخرى تنتزع الضحكات، إحداها تجسد حوارا بين موكب حفل زفاف وموكب جنازي. وقد حقق نجاحا ساحقا في مهرجان «آي تيونز» في لندن العام الماضي.

«سافر فريقنا إلى الكثير من الأماكن لحضور حفلات حية يشارك فيها فنانون، وأعدوا قائمة قصيرة بأسماء بعض الفنانين الذين يمكن أن يشاركوا في المهرجان»، هكذا تحدثت ديفيا بهاتيا، مديرة المهرجان.

وفي رأي بهاتيا، سيتجه مهرجان «راجستان» للفنون الشعبية لتعزيز حركة تنقل الموسيقيين التي يجب دعمها على نطاق أوسع، التي سيتسنى للناس من خلالها سماع ومشاهدة تلك الأشكال الفنية بشكل دائم، والتي كان من المتعذر بالنسبة لهم متابعتها. «هناك قوة خفية مرتبطة بالفنون الهندية والأشكال الموسيقية (مثل الموسيقى الشعبية) إلى حد أن الفرد لا يعلم من أين يستقي معلوماته حولها. هذه الأنواع من الفنون تمارسها مجموعة مهمشة تملك بنية تحتية محدودة إن وجدت، لكنهم مبدعون بشكل مذهل»، هكذا تتحدث بهاتيا.

إن انتزاع إعجاب الجمهور أمر لا يمكنك أن تتوقعه من شخص عمره 108 سنوات. لكن في المهرجان، قام نيمي بابا (108 أعوام) بعزف آخر ألحانه أمام جمهور حبس أنفاسه تماما وهو يتابعه. هل يمكن لشخص أتم عامه الثامن بعد المائة إتمام عرضه حتى النهاية؟ أجل، لقد فعل هذا، ولم يقطع أداءه سوى صوت بكاء طفل صغير من بين الجمهور المنبهر.

إن استمرار المهرجان لمدة خمسة أيام من دون أي خلل يجعل أي هندي يشعر بالفخر بين جمهور أجنبي بالأساس. ومن المؤسف أن الهنود المهووسين لا يمكنهم أن يجنوا من هذا المهرجان ما يبدو أن مئات من الأجانب يجنونه دون أي عناء.