اللاجئون البيئيون يشكلون تحديا جديدا يجب الاستعداد لمواجهته

200 مليون شخص سيجبرون على الهجرة نتيجة للتغييرات المناخية

TT

ظاهرة التغير المناخي والاحتباس الحراري، من القضايا العالمية بالغة الأهمية، التي لم تعد تقبل التشكيك، وبخاصة بعد الكثير من الكوارث الإنسانية والأضرار والمعاناة التي نجمت عنها، وهو الأمر الذي يدعو لمضاعفة الجهود لمواجهة هذه الظاهرة. وتشير الكثير من التقارير والدراسات، إلى وجود زيادة متزايدة في أعداد المهاجرين أو اللاجئين بسبب التغيرات المناخية (Climate change Refugees)، التي ستؤدي إلى إعادة تشكيل الجغرافية البشرية على كوكب الأرض.

ففي تقرير بريطاني من 237 صفحة، بعنوان «الهجرة والتغير البيئي العالمي» على الموقع الإلكتروني «www.bis.gov.uk»، وصدر خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عن مكتب الحكومة البريطانية للعلوم، عن دراسة أجراها مجموعة من الخبراء، ركز على تأثير الفيضانات والجفاف وارتفاع معدلات سطح البحر على أنماط الهجرة البشرية في الخمسين عاما المقبلة، وأفاد بأنه لا بد من بذل جهود كبيرة في التفكير في كيفية تخطيط المدن لمواجهة الهجرة المتزايدة بسبب التغيرات المناخية. وقال البروفسور سير جون بادنغتون، المكلف بإجراء الدراسة، أن «التغيرات البيئية سوف تضرب فقراء العالم أكثر من غيرهم، وأن الملايين منهم سيهاجرون بشكل غير مقصود نحو المناطق الأكثر عرضة لهذه التغيرات، وليس بعيدا عنها، كما أنهم سوف يحاصرون في ظروف خطرة وربما لن يمكن نقلهم لأماكن آمنة». وأكد بادنغتون، على أهمية حسن إدارة الهجرة وإلا ستكون هناك كوارث إنسانية بمعدل غير مسبوق.

وقال البروفسور ريتشارد بلاك من جامعة ساسكس البريطانية الذي ترأس مجموعة الخبراء التي أجرت التقرير، إن «التقرير يمد صانعي السياسات بقاعدة قوية يمكن من خلالها مواجهة تحديات الهجرة في المستقبل».

وجدير بالذكر أيضا، أن دراسة حديثة أجراها باحثون من جامعة فلوريدا الأميركية، ونشرت مؤخرا في عدد 28 أكتوبر الماضي في مجلة «ساينس» العلمية الأميركية الشهيرة، أشارت إلى ضرورة استعداد الحكومات حول العالم للهجرات الجماعية الناجمة عن الارتفاع العالمي في درجات حرارة الأرض أو احتمال مواجهة نتائج كارثية.

ويوضح البروفسور أنتوني أوليفر - سميث، أستاذ الأنثروبولوجيا المتقاعد بجامعة فلوريدا الأميركية والمشارك في هذه الدراسة، الذي بحث القضايا المحيطة بالهجرة القسرية لأكثر من 30 عاما، أن «الكثير من الناس، وأكثر من أي وقت مضى، بدأوا في النزوح من أماكنهم نتيجة للعواصف الشديدة والفيضانات والجفاف، التي تجعل الحياة مستحيلة في تلك الأماكن». وأضاف أن «توطين السكان وثقافتهم من مكان إلى آخر، عملية معقدة مثل عمليات جراحة المخ، فعمليات إعادة التوطين في أعقاب التغير المناخي أصبحت تشكل تحديا حقيقيا، وتتطلب التخطيط الذي يحتاج إلى مزيد من التدريب والمعلومات».

في مجلة «نشرة الهجرة القسرية» التي تصدر عن «مركز دراسات اللاجئين» في جامعة أكسفورد البريطانية، وفي عدد 31 ديسمبر (كانون الأول) عام 2008، وكان غلافه بعنوان «تغير المناخ والنزوح»، جاء في افتتاحيته، أنه، نتيجة للآثار الطبيعية الخطرة والحادة الناتجة عن الاحتباس الحراري في كافة أنحاء العالم، انتشرت التحذيرات المتعلقة بمعدلات النزوح المتزايدة للسكان عن أوطانهم، سواء بشكل مؤقت أو دائم، وقد يجادل الباحثون والسياسيون حول الأعداد المتوقع نزوحها، لكنهم يجمعون على ضرورة التأهب والتكيف والحد من آثار تغير المناخ، إضافة إلى التعاون في هذه القضايا.

والسؤال المطروح، من هم اللاجئون البيئيون؟

تقول ماريا ستافروبولو، التي عملت منذ عام 1993 مع مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان ومفوضية الأمم المتحد لشؤون اللاجئين، في مقال لها بالعدد 31 من مجلة «نشرة الهجرة القسرية»، إن «البعض يقول إن النازحين نتيجة للتغير البيئي أو المناخي هم لاجئون ويدافعون عن توسيع تعريف اللاجئين في اتفاقية اللاجئين لعام 1951 لتشملهم، بينما يدعو آخرون لتبني اتفاقيات جديدة لتوفير قدر يماثل ما يتلقاه اللاجئون من حماية، وهناك فئة ثالثة ترى أن أي اعتقاد عن وجود (لاجئين بيئيين) وحاجتهم لحماية مماثلة للحماية التي يتمتع بها اللاجئون هو اعتقاد مبالغ فيه على أفضل تقدير وخطير ومدفوع بأغراض سياسية على أسوأ تقدير». وتخلص ستافروبولو إلى أنه، على الرغم من أن مصطلح «لاجئ بيئي» هو مصطلح غير دقيق قانونيا، فإنه أكثر إلزاما عن مصطلح «المهاجر البيئي»، لأنه يوحي بنوع من المسؤولية والمساءلة العالمية، كما يحمل شكلا من أشكال الإلحاح بسبب كوارث وشيكة.

يذكر أن «منظمة الهجرة الدولية»، ومقرها في جنيف بسويسرا، قد سبق أن حذرت من أن تغيرات المناخ ستجبر ملايين الأشخاص حول العالم على النزوح من مساكنهم، وتنبأت بأنه بحلول عام 2050، سينزح نحو 200 مليون شخص في أنحاء العالم أو سيجبرون على الهجرة ليصبحوا لاجئين نتيجة تغيرات المناخ. وأوضحت المنظمة أن، الكثيرين قد نزحوا بالفعل نتيجة الجفاف والتصحر في جنوب أفريقيا وارتفاع مستوى البحر في المحيط الهادي وظواهر بيئية أخرى تتعلق بالتغيرات المناخية.

كما يذكر أن منظمة السلام الأخضر العالمية «غرينبيس»، (Greenpeace) المعنية بشؤون البيئة، أعلنت أن هناك أكثر من 20 مليون شخص نزحوا نتيجة للآثار السيئة للتغيرات المناخية بشكل خاص في منطقة الساحل الأفريقي وبنغلاديش وعدد من جزر جنوب المحيط الهادي، وحذرت المنظمة من إمكانية ارتفاع عدد اللاجئين عالميا لأسباب تتعلق بالمناخ، إلى 200 مليون شخص خلال الـ30 عاما المقبلة، إذا استمرت التغيرات المناخية على هذا النحو. وقال أندريه بوهلينغ، خبير شؤون المناخ في منظمة «غرينبيس»، إنه «في الوقت الذي يتضرر فيه أكثر الأشخاص فقرا على الأرض بشكل قاس من جراء ظاهرة الاحتباس الحراري الذي ليس لهم فيه ذنب، تنكر الدول الصناعية التي تعد المسبب الأساسي لهذه الظاهرة، وجود صفة لاجئ بسبب التغيرات المناخية». وأضاف أن «قوانين اللجوء الدولية لا تعترف حتى الآن باللاجئين لأسباب تتعلق بالمناخ أو البيئة، حتى مفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين لا يوجد لديها هذا التعريف».

وفي مقال بعنوان «لعبة الأرقام» في عدد ديسمبر 2008 من مجلة «نشرة الهجرة القسرية»، يقول أولي براون، مدير برنامج البيئة والأمن في المعهد الدولي للتنمية المستدامة بكندا، بأنه من الضروري لإقناع صناع السياسات بضرورة التحرك، ضرورة الحصول على بيانات أساسية أفضل حول حركة الهجرة ووضع تنبؤات أكثر دقة، فالبيانات الأساسية عن حركة الهجرة الحالية في الكثير من الدول النامية التي يعتقد أنها أكثر الدول عرضة لأخطار تغير المناخ، تتسم بأنها بيانات منقوصة وغير موثوقة. كما أن الدول النامية أو المجتمع الدولي لا يملكون القدرة الكافية على جمع هذا النوع من البيانات، خاصة التي تتعلق بالنزوح الداخلي، ونادرا ما تتضمن بيانات التعداد أسئلة من النوع الذي يعطي فهما دقيقا للأسباب وراء التحركات السكانية الداخلية، كما أن القدرة المحدودة الموجودة بالفعل مركزة على تتبع الهجرة عبر الحدود، وهي لا تعكس سوى جزء من الصورة الإجمالية، رغم أن غالبية المهاجرين قسريا بسبب تغير المناخ يميلون إلى البقاء ضمن حدود بلادهم. ويشير براون في مقاله، إلى أهمية الحاجة لدراسات حالة أكثر تفصيلا ودقة لطرق وأسباب وأماكن هجرة الناس، وكذلك أهمية فهم انعكاسات ذلك على رفاه ومستقبل المناطق التي يغادرونها والمناطق التي يذهبون إليها، ورفاه ومستقبل المهاجرين أنفسهم (بعد عام واحد، خمسة أعوام، وجيل واحد)، وكذلك احتياجاتهم في كل مرحلة من مراحل عملية إعادة التوطين، ولفهم كل ذلك، يتطلب الأمر نهجا متعدد التخصصات يجمع على الأقل بين وجهات نظر علم الاجتماع والاقتصاد والجغرافيا والنمذجة الحاسوبية وعلم المناخ.