«ساحة الإبداع».. المدرسة الأولى من نوعها في لبنان

مشغل حرفي في بيروت تتعاون فيه مصممات أزياء من خلفيات اجتماعية

المعرض الذي بيعت فيه تصاميم تلامذة ساحة الإبداع
TT

هدفها خلق علاقات وثيقة بين الطالبات وتمكينهن من تجاوز الانقسامات الثقافية، من خلال اكتسابهن الوعي الاجتماعي، بعيدا عن القواعد الصارمة والعلاقات التقليدية بين الطالب والأستاذ. إنها «ساحة الإبداع»، المدرسة الأولى من نوعها في لبنان، التي جمعت 5 فتيات في مشغل حرفي في بيروت، يهدف إلى توفير فسحة تعليمية مجانية، تتعاون فيها مصممات أزياء طموحات، آتين من خلفيات مختلفة لابتكار مجموعة أزياء.

المدرسة انطلقت في أوائل شهر يونيو (حزيران) الفائت على يد الشابة سارة هرمز، وهي مصممة أزياء لبنانية – أرمينية ولدت وترعرعت في الكويت، وحائزة على شهادتين الأولى في تصميم الأزياء، والثانية في الدراسات الإعلامية الثقافية من جامعتي بارسونز للتصميم ويوجين لانغ للفنون الحرة في نيويورك.

بعد تخرجها في عام 2010، انتقلت هرمز إلى بيروت مؤمنة بقدرتها على الدمج بين العالمين اللذين يثيران شغفها. وتقول في حوار مع «الشرق الأوسط»: «طموحي تحقيق التوازن بين التدريب الأكاديمي والتعبير الخلاق، فكانت ساحة الإبداع مسرحا لدمج عالم الأزياء بالعمل الاجتماعي، بعد صعوبات جمة واجهتني في اختيار الطالبات، على رأسها العنصرية حيال الآخر، لاحظت ذلك من خلال الصداقة التي نشأت للمرة الأولى بين الفتيات الفلسطينيات واللبنانيات».

المشروع الذي خلق جوا من التعاون المشترك، انضمت إليه كارولين شلالا – سيمونيللي لجعل إنتاجه إبداعيا، سيما أنها أستاذة دراسات عليا في المعهد الفني للأزياء، وفي جامعة بارسونز التي تخرجت فيها هرمز.

وتتحدث صديقة سارة عن المهارات التي اكتسبتها تلميذات المعهد: «حتى الآن لم تستعمل أي واحدة منهن إبرة خياطة، وإنتاج الواحدة منهن بلغ 5 فساتين، تفاجأت في نشاطهن وفي تصاميمهن، التي أجدها راقية 100% فحتى في نيويورك لم أشاهد مثيلا لها، وأنا أفكر جديا بنقل هذا البرنامج معي إلى هناك»، عازية هذا العطاء النوعي إلى أجواء النقاش والتفاعل، والتحدي في المواهب، وحرص التلامذة على تقديم تصاميم جديدة في عالم الأزياء.

بين 16 و22 عاما تتراوح أعمار الفتيات الخمس، التي قامت هرمز في اختيارهن، بعد جولة استغرقت شهرا، قادتها إلى دور الأيتام اللبنانية والمخيمات الفلسطينية من شمال لبنان إلى جنوبه، وكانت معايير الاختيار إضافة إلى شغفهن بالمهنة، الالتزام والتفاني، والتخلي عن عطلتهن الصيفية لحضور دروس تمتد 5 أيام في الأسبوع، لمدة شهرين وبمعدل 7 ساعات يوميا، وذلك في شقة مستأجرة في محلة الصيفي – الأشرفية في بيروت.

إلى خلفيات ثقافية ودينية متنوعة، تنتمي المجموعة المؤلفة من صوفي يوسف، وكارمن هافاتيان (لبنانياتان) وبراء عبد الله، وإيمان أسود، ونورهان عبد اللطيف (فلسطينيات)، حيث كان التردد سيد الموقف لدى أهالي بعضهن، والرفض لدى البعض الآخر.

هرمز بقيت متمسكة بفكرة إقامة البرنامج في مكان محايد نسبيا، لأن هدفه هو كسر التقاليد والتركيز على التعليم الجماعي، الذي دفعها إلى الاعتراف «لقد تعلمت من طالباتي بقدر ما تعلمن مني»، مبادرة كتب لها النجاح بعد تسوية مع الأهالي.

ومن ساحة الإبداع المشروع الممول من قبل مانحين من القطاع الخاص، تصف نورهان عبد اللطيف نفسها بالـ«بيبي ديزاينير»، والجو بالرائع مضيفة: «كلنا نعمل كيد واحدة لقد حقق الله لي حلمي وقامت سارة باستكماله وهي أصبحت بمثابة أختي، لم أكن أتوقع حدوث ذلك أبدا».

واليوم فإن والد نورهان المعارض سابقا للفكرة يبدي سعادته بتصاميمها، ويقوم بعرضها أمام بعض الأقارب.

أما براء عبد الله، فتؤكد تعلقها بالمهنة واكتسابها أسرة جديدة لا تعوض، بفضل غياب القيود بين الأستاذة والتلاميذ «لقد تيقنت أنه لا يمكن لجنسية، أو دين، أن يقف في وجه طموح واحدة منا أو بين صداقة أو عمل، أدعو كل من يحب هذا المجال إلى زيارة ساحة الإبداع، لأنها فرصة لا تعوض لكسب المعلومات والخبرات والصداقة».

وتشدد من تمتاز بتصاميمها العصرية ذات اللون الأسود، بأن طموحها اليوم أصبح افتتاح مدرسة، على غرار ساحة الإبداع بهدف مساعدة الآخرين.

بدورها تتحدث كارمن هافاتيان عن تجربتها، حيث ترى أن مبادرة هرمز شكلت اختبارا مميزا لقدراتها في جو من المساواة وفي ذلك تقول: «أحيانا كانت سارة وكارولين تختبران معنا شيئا جديدا، هذه فرصة نادرة تحفزنا على تقديم الأكثر والأجمل تصميما وألوانا، حيث لا حدود للاختيار، خاصة بعد دخولنا منذ أيام في الفصل الثاني من التعليم، الذي عزز الشغف لدينا حول ما سنختبر مجددا».

وتضيف هافاتيان أن هذا المشروع وهذا المجال، كانا بمثابة حلمها الذي تحقق بفضل سارة، واليوم هي تفكر في تطويره بالاشتراك مع أساتذتها وصديقاتها.

وفي الختام تؤكد هرمز رغبتها في رؤية تلامذتها معلمات في المدرسة مستقبلا، سائلة ولم لا؟ أوليس من حق كل إنسان أن يقطف ما يزرع؟ لا سيما أنه تم 24 فستانا من أصل 25 في المعرض، الذي أقمناه منذ أسابيع لتصاميمهن، وقد ذهب قسم من الريع إلى التلامذة، والقسم الآخر لرفع شأن المدرسة وتطويرها.

وتسعى اليوم هرمز إلى افتتاح فروع جديدة لساحة الإبداع في أكثر من منطقة لبنانية، إفساحا في المجال أمام شابات جديدات بصرف النظر عن جنسياتهن، غير مستبعدة إتاحة الفرصة أيضا أمام الشباب للتعبير عن مواهبهم، مترجمة سعيها بافتتاح فرع جديد في محلة الجيعتاوي (بيروت)، مشيرة إلى أن المجال مفتوح دائما أمام من يرغب بتقديم التبرعات والدعم المادي للمدرسة، معلنة أن المعرض الثاني للتصاميم سيفتح أبوابه بعد 4 أشهر.