صبي عراقي يحتفي بالحياة.. بكاميرته

«قمر» بدأ يلتقط الصور وهو في الروضة ويحمل لقب «أصغر مصور» في العراق

قمر حسين يسجل بكاميرته إحدى لحظات الحياة في مقهى بغدادي (واشنطن بوست)
TT

كان الصبي يصوب عدسة الكاميرا التي يحملها نحو الأعلى، فإذا بالعالم المختلط المرتبك يلج في بؤرتها. وكان رجال ضخام يجلسون بتكاسل تحت أسقف مرتفعة من الطوب على مقاعد خشبية ممددين أرجلهم التي تعرقل الصبي. حاول الصبي التماسك لالتقاط صور للمشهد المفعم بالحياة في مقهى الشابندر الذي يعود تاريخ إنشائه إلى قرن مضى.

كانت قامة قمر هاشم لا ترقى إلى الشعراء والمفكرين الذين كانوا يدخلون ويخرجون من المقهى المعبق بالدخان في شارع المتنبي الذي يشتهر بمكتبات بيع الكتب في العاصمة. قمر كان الأصغر من بينهم بنحو 20 عاما وأقلهم طولا واعتيادا على فهم مشكلات العراق. إنه في الثامنة، أي أصغر من عمر الاحتلال الأميركي بشهرين. لقد وُلد في الحرب ونشأ في جو من الفوضى وعدم الاستقرار وبدأ يلتقط الصور وهو في مرحلة الروضة. ويقول إن هوايته هي توثيق الحياة وهي هواية جادة في مجتمع ينتج صورا بارزة للموت.

كان قمر يرتدي شارة على سترته الجينز التي تميزه كعضو من أعضاء جمعية التصوير الفوتوغرافي، ولديه بطاقات عمل مكتوب عليها «أصغر مصور في العراق». ويلتزم بالقواعد الأخلاقية للمهنة مع تمتعه بفضول طفل. كان الرجال ضخام الجثة يتحدثون كالعادة يوم الجمعة عن السياسة وانسحاب القوات الأميركية بعد 8 أسابيع من الآن ويتساءلون عمَّا إذا كان هناك شيء سينتهي أو لن ينتهي أو ما إذا كانت كل الأمور ستصل إلى نهايتها. وكان قمر يصورهم وهم يتحدثون، ولا يقول شيئا إلا إذا سأله أحد. وقال عن الولايات المتحدة بصوت رقيق لا يطغى عليه صوت الضوضاء في المقهى: «إنهم يدمرون بلدنا.. أنا أخاف من أميركا». وعندما سأله أحدهم عن السبب، أجاب بعد تردد قائلا: «لا أعرف».

جلس هاشم محمد، والد قمر، في ركن قصي من المقهى وظن أنه عرف السبب. عندما قصفت الولايات المتحدة بلدته الكوت في طريقها إلى بغداد عام 2003، كان قمر لا يزال جنينا في رحم أمه. وسمع والداه صوت الطائرات النفاثة وشعرا بأن الأرض تهتز تحتهما واختبآ في بئر السلم. وقالت والدة قمر له إنها كانت مرتعدة أثناء حملها به. وقال أبوه: «لا تزال هذه اللحظات محفورة في ذاكرتي حتى هذه اللحظة». ومنذ عامين بدأ قمر يحمل كاميرا والده عندما يذهب في مهام لصحيفة محلية، ثم بدأ يلتقط صورا خاصة به ومنحته الجمعية العراقية للتصوير الفوتوغرافي عضويتها. ويرسل الصور التي يلتقطها إلى من يصورهم ويرفض النصائح.

يوصل هاشم ابنه كل يوم جمعة من الكوت، التي تقع على بعد 100 ميل جنوب شرقي بغداد، إلى المقهى. ويشاهد قمر وهو يركض في متاهة المقاعد والأرجل والنرجيلات والطاولات. ويصور الرجال وهم ينفثون دخان النرجيلة وأيضا وهم يتجرعون أكواب الشاي الصغيرة المحلاة بكمية كبيرة من السكر في حيرة.

وتمتلئ جدران المقهى بصور بالأبيض والأسود للعراق في بداية القرن العشرين تصور الجنازات والاستقبالات الرسمية والفعاليات الرياضية. ومعلق بالقرب من واجهة المقهى صور لزبائن مقهى الشابندر الذين قُتلوا في تفجير بسيارة مفخخة عام 2007 خلَّف دمارا كبيرا في شارع المتنبي. من المفترض ألا يكون هناك أميركيون العام التالي الذي سيتم فيه قمر عامه التاسع. ويريد قمر أن يصبح ممثلا ومصورا فوتوغرافيا عندما يصير شابا.

وقال قمر ذات مرة إنه التقط صورة لزهرة في حديقة النعمانية بالقرب من منزله. وبينما ينظر من فتحة الكاميرا تحط نحلة وفراشة على الزهرة معا. والتقط صورة أخرى للزهرة يقول إنه يحبها كثيرا، فهو لم يرَ مثيلا لها حتى هذه اللحظة.

* خدمة «واشنطن بوست» - خاص بـ«الشرق الأوسط»