وداعا للكتب بحلتها القديمة وأهلا بصناديق الفرجة

انخفاض مبيعات المؤلفات العربية 50% بسبب المنافسة الأجنبية

الأطفال وبهجة صناديق الفرجة
TT

الكتب تغيرت، ليس فقط من حيث المضمون ولكن بالشكل أيضا. لم يعد الكتاب مجرد ورقات مليئة بالعبارات ومغلفة بورق مقوى، يتفنن المبدعون في تلوين واجهته وتزيينها لجذب القراء، بل بات كل مفهوم الكتاب عرضة لثورة قد يخرج منها بحلة تستحق التوقف عندها.

زيارة متمعنة لـ«معرض الكتاب الفرانكفوني» في بيروت الذي أغلق أبوابه ثاني أيام العيد بعد نشاطات متواصلة دامت نحو 10 أيام، أو المكتبات التي يرتادها الراغبون في شراء هدايا الأعياد، سواء أثناء عيد الأضحى أو تحضيرا للميلاد ورأس السنة، تؤكد أننا أمام كتب لها هوية جديدة، وغرض مختلف. وإذا كانت كتب الأدب والفكر والسياسة، لا تزال محافظة على شيء من وقارها القديم، وثوبها التقليدي، فإن نوعين من الكتب تعرضا لعاصفة خرجت بهما عن المألوف، وهما: كتب الطبخ، وكتب الأطفال.

وداعا لكتب المطبخ الكبيرة المتجهمة، التي يقف على غلافها الشيف بثيابه البيضاء وبيده طبق مشه، أو تلك التي تصطف على غلافها أطباق آتية من دولة ما وكأنها تقول للناظر إن مقاومتها مهمة مستحيلة. يبدو أن هذه الطريقة التي أغرت القراء لسنوات لم تعد نافعة، واستبدلت بكتب لها أشكال الأطباق نفسها. فهنا صحن «تارت على الفريز» لا بد أن تقترب منه وتلمسه لتعرف إذا ما كان يتعلق الأمر بطبق حقيقي خرج للتو من الفرن، أم خدعة فنية لتسويق كتاب متخصص في هذا النوع من الحلويات الإفرنجية. كتاب آخر عن «البتيفور» قد لا تعرف أنه كتاب أصلا إن لم تحمله وتدقق في تلك العلبة الكرتونية الأنيقة ذات الغطاء الشفاف التي تصطف تحتها قوالب هذه الحلوى، كهدية من الدار. لا شيء يشبه المؤلفات القديمة، فما تقع عليه عينك هي علب أنيقة لهدايا مغرية، موضبة بشكل فني راق، تنطوي على كتب لم يعد لها شكلها القديم، وكأنما هناك رغبة بمواراة هذا المخلوق الورقي الذي لم يعد يجذب الناس بالقدر الذي يرضي دور النشر. هناك مثلا علبة شفافة الغلاف فيها قطع من الجاتوه، حين تدقق فيها، تعرف أن كل قطعة منها هي كتاب صغير منفرد، وضعت جميعها في صندوق واحد. يبدو أن دور النشر الفرنسية أصابتها عدوى الدور الأميركية، وسخرت جزءا مهما من اهتمامها للاستفادة من خيال الفنانين الذين أبدعوا بالفعل في ابتكار ما لا يخطر على بال.

وإن كانت كتب الطبخ قد تطلبت كل هذا الجهد، فإن تلك التي تخص الأطفال هي بالفعل المكان الذي استثمرت فيه دور النشر الفرنسية بشكل لافت. وللدور مبرراتها، فقسما الطبخ والأطفال كتبهما من بين الأكثر مبيعا بشكل عام، وتحويل محتوياتهما إلى منتوجات جميلة التوضيب ومغرية للنظر، يجعلها صالحة لأن تكون هدايا حقيقية، يمكنها تحقيق مداخيل عالية.

روي غانم، تعمل لدى «فرجن» وهي المسؤولة عن استيراد الكتب، وتعتبر أن «قفزة غير مسبوقة حققتها الإصدارات الفرنسية، باعتنائها الكبير الذي أولته للشكل، وطريقة تقديم منتوجاتها». لم تعد كتب الأطفال كما السابق تقول غانم لـ«الشرق الأوسط»: «صرنا أمام علب مزخرفة كل منها تحمل موضوعا وفكرة، وبداخلها مفاجآت من شتى الأصناف. هذه الابتكارات الجديدة رفعت نسبة مبيعات الكتب الفرنسية للأطفال في لبنان بنسبة 50% خلال السنتين الماضيتين. في المقابل انخفضت مبيعات الكتاب العربي بشكل كبير، قد يصل إلى النصف، لأنه لا يزال باهتا حزينا بحلة لا تشجع أبدا على الشراء، ولا تلفت نظر الأطفال، وهم محقون في ذلك. فالمقارنة لم تعد ممكنة بين حداثة المنتوج الفرنسي وتألقه، وشحوب الكتب العربية وتأخرها عن الركب». مما يعني أن اللغة العربية التي تضررت سابقا من منافستها مع كتب الأطفال بالإنجليزية، ها هي تجد نفسها غير قادرة على مجاراة الفرنسية.

وتشرح غانم كيف أن الأطفال يهرعون بمجرد دخولهم إلى طابق الأطفال باتجاه الكتب الأجنبية التي تناديهم بألوانها وتصاميمها، والهدايا المرفقة بها، بينما تجد الكتب العربية عزوفا محزنا. وهو ما يجعل المكتبات نفسها مهما كان تعاطفها مع العربية كبيرا، تضطر لأن تقلل من كمية معروضاتها بلغة الضاد.

أجنحة للغة الفرنسية في المكتبات، تكاد لا تعثر فيها على الكثير من الكتب ذات الشكل التقليدي للأطفال، خاصة تلك الموجهة لصغار السن. هنا فردة حذاء معلقة حين تقترب منها، تعرف أنها كتاب أعطي هذا الشكل. وهناك ما يشبه الملف الكبير بحيث تضخم حجم صفحاته البلاستيكية، وحين تفتحه تعرف أن كل صفحة خصصت لحرف من الأبجدية يمكن للطفل نزعها واللعب بها وإعادتها إلى مكانها حين يضجر منها. وعلى الأرفف حقائب، تحمل كل منها عنوانا ويتخصص في موضوع معين. هنا حقيبة من الأمير إلى أميرته، تفتحها تجد بداخلها رسائل حب بريئة ومعها قلم ودفتر مزخرف لتجيب الطفلة على الرسائل، وقد أعطيت لها المغلفات أيضا. علبة أخرى فيها مقص وتصاميم لفساتين وأوراق ملونة تمكن الفتاة من عمل الأردية التي تريد من خلال تقليد أخرى موجودة في كتاب مع شروحات، أو بابتكار فساتين من بنات أفكارها. وللصبيان علب مواضيعها تصليح السيارات مع عدة التصليح طبعا، أو ركوب الطائرات، أو حتى عمل اختراعات. وكلها مزودة بهدايا تتلاءم مع الموضوع وتساعد على جعل المكتوب مقرونا بالعملي.

«الكتاب لم يعد مجرد كتاب» تقول غانم، لقد صار هدية مسلية وترفيهية يكافئ بها الأهل أولادهم. وبينما نحن نتحدث مع غانم، كانت أم تشتري لأولادها وتحضهم على الاختيار، وتعتذر لهم عن عدم قدرتها على شراء كل ما يختارونه، لكنها أضافت «يمكنكم أن تختاروا هدايا الميلاد، وبابا نويل سيأتي بها إليكم».