زيارات العيد.. عادة اجتماعية تفقد الخصوصية بين العائلات اللبنانية

في ظل ضغوط الحياة والانشغالات وتوافر وسائل الاتصال

حلوى العيد.. بعض ما تبقى من تقاليده في لبنان («الشرق الأوسط»)
TT

كما كل العلاقات الاجتماعية التي تشهد تغيرات جذرية في هذا العصر لأسباب عدة أهمها طبيعة الحياة ويومياتها الضاغطة، إضافة إلى التطور التكنولوجي وسهولة وسائل الاتصال، كان للمعايدة وتبادل التهاني في الأعياد حصتها من هذه التغيرات في لبنان، ولا سيما في أوساط الشباب.

العيد الذي لطالما كان مناسبة لاجتماع كل أفراد العائلة من كبيرها إلى صغيرها، فقد إلى حد كبير هذه الخصوصية التي باتت تقتصر على العائلة الصغيرة، في حين تبقى مهمة تبادل الزيارات التي يقوم بها الأهل محصورة ضمن الدائرة الصغرى التي تطال في حدها الأقصى الأعمام والأخوال. ولكن من جهة أخرى، سهلت وسائل الاتصال الحديثة المعايدات بطرق مختلفة عن الحضور الشخصي أو الجسدي، فشهدت توسعا ملحوظا لتطال أكبر عدد من المعارف والأصدقاء.

منذ أكثر من 3 سنوات وضع محمد (21 سنة) حدا لما يصفها بـ«المجاملات الاجتماعية» بدلا من «الواجبات الاجتماعية» المتمثلة بالزيارات التي يقوم بها والداه في أيام العيد، ممتنعا عن مرافقتهم رغم قلة رضاهم عن هذا القرار، وهو يقول شارحا «لا تعني بالنسبة لي هذه الزيارات شيئا. إنني أكتفي بزيارة كل من بيت جدي لأمي وجدي لأبي حيث ألتقي بأخوالي وأعمامي في أول أيام العيد، وأظن أنه لا داعي في ما بعد لزيارتهم ولقائهم في بيوتهم، بل أفضل أن أستفيد من أيام العطلة للراحة والخروج مع الأصدقاء».

ويضيف «وهذا، مع العلم بأنني أحاول قدر الإمكان معايدة أقرباء الدائرة الصغيرة عبر الهاتف أو عبر الرسائل النصية القصيرة، كذلك سهلت صفحات التواصل الاجتماعي الإلكترونية علينا المهمة في هذا الإطار، وصارت المعايدة توصل في الوقت عينه إلى كل من هو على لائحة الأصدقاء القريبين والبعيدين منهم»، مستطردا «وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الأمر لا يتعلق بالعائلة فقط، بل قد أقوم بزيارة معايدة لصديق هو أقرب بالنسبة لي من أشخاص كثيرين في عائلتي لا تربطني بهم أي علاقة».

لا يختلف رأي هبة (33 سنة) وهي أم لولدين عن رأي محمد، رغم اقتناعها بأهمية زيارات الأعياد، إذ تقول: «قبل أن يصبح لدينا أطفال كنت أحاول قدر الإمكان القيام بالزيارات العائلية للمعايدة، إلى الأعمام والأخوال، وأقوم بها بفرح لأنني على قناعة بأن العيد مناسبة للقاء الأقرباء. لكن اليوم اختلف الوضع تماما، فبالكاد أتمكن خلال عطلة العيد من أن أزور أهلي وأهل زوجي، بالإضافة إلى اصطحاب الأولاد إلى مدينة الملاهي أو تمضية ساعات معدودة خارج البيت». وتتابع: «لكن مما لا شك فيه أنني أحاول القيام بواجباتي عبر وسائل الاتصال المتوافرة، وأحرص على معايدة كل من يهمني والاطمئنان عليه كما أفعل في الأيام العادية».

في المقابل، ولكن على خط متناقض، يعتبر «أبو شادي» (60 سنة) أن الأعياد «فقدت معانيها الحقيقية المتمثلة بالعلاقات الاجتماعية والزيارات العائلية»، واصفا هذا الواقع الاجتماعي اللبناني بالـ«المتشرذم». ويضيف «في هذه الأيام لم يعد الأقرباء يعرفون بعضهم البعض. هذا الجيل لا يعطي أهمية للأعياد ومعانيها المتمثلة بالعلاقات العائلية. لكل منهم عالمه الخاص»، ثم يسأل «إذا سلمنا جدلا بالحياة الاجتماعية الضاغطة التي تبعد الناس عن بعضها البعض، فلماذا لا تكون هذه الأعياد مناسبة لإعادة وصل ما انقطع؟».

وعن العادات الاجتماعية التي كانت تطبع ذاك الزمن، يقول: «في أيامنا كان ليوم العيد موقعه وأهميته في أوساط الكبار كما الصغار والشباب، إضافة إلى اجتماع العائلة الملزم الذي لا يمكن لأحد أن يغيب عنه في اليوم الأول من العيد، الذي يكون بمثابة الاحتفال تتجند خلاله كل نساء العائلة لتحضير مائدة الغداء بعدما يكون الرجال قد تولوا مهمة شراء اللحوم وتحضيرها، ولا سيما في عيد الأضحى الذي كانت تحرص فيه معظم العائلات على تقديم الأضاحي».

ويتذكر «أبو شادي» يوميات الأعياد في ذلك الزمن، قائلا: «كان الأطفال يقومون بزيارات الأعياد كما الكبار. كانوا يتوزعون في مجموعات ويتنقلون من بيت إلى آخر للمعايدة والحصول على حلوى العيد. أما اليوم، فينشأ الأطفال وهم بالكاد يعرفون من هم أقاربهم.. من هم أخوالهم وأعمامهم». ويضيف «أما الكبار فكانت زياراتهم تمتد على أيام العيد الثلاثة، ورغم أن زيارة العيد لا تمتد لأكثر من نصف ساعة، فإن الجميع كان يصر على القيام بالواجب ولو تم تبادل الزيارات في اليوم نفسه أو حتى خلال ساعات معدودة».

ثم يقول مازحا «أما اليوم الوضع فقد انقلب الحال رأسا على عقب. أصبحت الزيارات التي تقوم بها كل عائلة لا تتجاوز أصابع اليد، وصار كل بيت لا يحتاج إلى أكثر من كيلو حلوى ودزينة معمول لتوزيعه على ضيوفه في العيد بعدما كانت الكمية تصل في ذلك الوقت إلى أكثر من ضعفي هذه الكمية».

وفي حين لا ينفي «أبو شادي» أهمية وسائل الاتصال الحديثة التي تلبي هذه الحاجة، والاستعانة بها للمعايدة، لا سيما في ظل تباعد الناس والأقرباء أحدهم عن الآخر، ويقر بلجوئه إليها والاستعانة بها في أحيان كثيرة لمعايدة أقربائه ولا سيما أولئك الذين يسكنون بعيدا عنه، تراه يبقى مصرا على ضرورة التمسك بالعادات التقليدية، ولا سيما منها الزيارات إبان الأعياد للتأكيد على أواصر القربى والمحافظة على صلة الرحم التي تعتبر من أهم مميزات العيد.