تونس: عالم الأطفال.. فضاءات الاستجمام للكبار

أيمن ملاط: الأسعار في القيروان أرخص منها داخل المناطق الساحلية مثل سوسة والمنستير

مكان ترفيه لا يقتصر على الرجال فقط بل يشمل كل الأسرة بمن فيها الأطفال
TT

لم يكن ممكنا تصوير أماكن الترفيه في تونس، وهي تعج بالزبائن من الجنسين ومن كل الأعمار؛ إذ إن هناك حساسية لدى بعض التونسيين من وسائل الإعلام، ومن التصوير الفوتوغرافي تحديدا. ولهذا السبب، اخترنا زيارتها في ساعات الصباح الأولى، وذلك بعد أن أصبحت ملاذا للعديد من الأسر بما في ذلك الأطفال، لا سيما أن بعضها يحمل أسماء «عالم الأطفال».

وقال مسؤول بلدي يدعى عبد الكريم الرحموني لـ«الشرق الأوسط»: «لم يكن هذا النمط من فضاءات الترفيه، معروفا في تونس، سوى في قطاع السياحة، خاصة في الفنادق الكبرى، ولم تكن النساء والأطفال في وارد الترويح عن النفس، أما الرجال، فقد كانت المقاهي أماكن الجلوس المتاحة لهم وحسب»، وتابع: «قبل الثورة لم يكن يسمح بدخول هذه الأماكن سوى لرجل وامرأة أو شاب وشابة، لكن الأمر تحول بنسبة 180 درجة بعد 14 يناير (كانون الثاني) حيث أصبح كل الناس بإمكانهم ارتياد هذه الأماكن سواء كانوا فرادى أو ثنائي رجل وامرأة أو أسر بأسرها».

ويؤكد مدير فضاء ترفيهي يدعى رياض الترودي أن «أماكن الترفيه الجديدة التي لم تكن منتشرة بتونس في السابق حديثة العهد، فهي تسمح للعائلة بالخروج من المنزل للترويح عن النفس سواء بشكل يومي أو أسبوعي أو موسمي»، وأردف: «لم يكن بإمكان النساء والأطفال الخروج إلى أماكن يجدون فيها راحتهم ومبتغاهم، خاصة أن هذه الفضاءات تخصص أماكن للعب الأطفال، وهي أفضل من نوادي الشاي الخاصة بالكبار فقط، واليوم بإمكان الأمهات مرافقة أطفالهن إلى هذه الأماكن الآمنة والخالية من التلوث السمعي والبصري».

وعن الأوقات التي تمتلئ فيها هذه الفضاءات، أفاد بأن «أوقات المساء ونهاية الأسبوع تشهد إقبالا كبيرا من قبل الأسر، أما في المناسبات كالأعياد، فإننا لا نقدر على تلبية كل الطلبات؛ إذ تمتلئ جميع الأماكن ويضطر كثيرون للانتظار أو البحث عن أماكن أخرى مماثلة على مسافات أبعد». ونفى الترودي أن «تكون الفضاءات الترفيهية قد بلغت الكمال في التنظيم وتحسين الخدمات. ما زلنا نكتشف أوجه القصور، ونقوم بالتحسينات التي يطالب بها الزبائن». أما نوعية الزبائن، فيشير إلى أنهم «من مختلف الأعمار والطبقات الاجتماعية ومن داخل المدن ومن خارجها». وحول الواجهات الجميلة والديكورات البديعة التي يلاحظها الزائر في فضاءات الترفيه الجديدة، أوضح الترودي بأن «القائمين على هذه الفضاءات يسهرون كل ليلة يفكرون في كيفية تجميلها وإظهارها بمظهر جذاب يزيد من شعبيتها وتحسين صورة المدن». ولم يفصح عن مقادير العائدات المالية، ولكنه أعرب عن وجود رضا لدى أصحابها.

وتحتوي هذه الفضاءات على مقاه ومطاعم وأماكن للهو الأطفال ومساحات خضراء وملاعب لكرة السلة وكرة التنس، وهي ليست حكرا على التونسيين، بل مفتوحة للسياح أيضا، رغم أن «المواطنين أكثر زبائن هذه الأماكن وتغلب الصبغة المحلية من حيث الحضور على مرتادي هذه الفضاءات».

وفي هذه الأماكن لا يسمح للسياح وغيرهم بتناول الكحوليات أو ممارسة أي سلوكيات مرفوضة اجتماعيا، بل لا يتم تعاطي النارجيلة داخلها.

وقد تحدثت «الشرق الأوسط» مع عدد من الزبائن الذين وجدتهم في هذه الفضاءات لمعرفة آرائهم، وانتقاداتهم، واقتراحاتهم؛ إذ يرى مراد بن الحاج صالح، (45 سنة) يعمل موظفا، أن «هذه الفضاءات لم تبلغ بعد مرحلة الاحترافية، فالنادل على سبيل المثال لا يرتدي لباسا مميزا كما هو حال زملائه في الفنادق، ويطلب دفع الحساب قبل تناول الطعام أو ارتشاف القهوة، ولم يبلغ مستوى النظافة السقف المأمول في فضاء يمثل بديلا عن المقاهي التي لم يكن يرتادها سوى الرجال».

لم يكن مراد لوحده في صالة مغطاة بالقش على الطراز الأفريقي داخل مكان الترفيه، بل كان مع زوجته، وكان جميع الزبائن دون استثناء من ثنائي (رجل وامرأة) وجميعهم تقريبا من فئة الشباب. وقد عرفنا أنهم في فترة الخطوبة.

ويشدد سامح، 24 سنة الذي يعمل في إدارة دفع الضرائب (الأداءات) التي تسمى في تونس (القباضة)، وبجانبه روضة، 20 سنة وطالبة، على أن ما يجذبه في هذه الفضاءات الجديدة هو المكان غير المغلق كما هي حال الفنادق: «يعجبني كل شيء في هذه الفضاءات، فهي مفتوحة، ووجودنا هنا هو هرب من الجدران»، ويتابع: «كلما أجد وقتا آتي مع روضة، زوجة المستقبل، إلى هنا»، ويستدرك: «طبعا إذا لم يكن لديها دروس». وتذكر روضة أنها طالبة في الثانوية العامة، وأنها تعرفت على المكان عن طريق صاحباتها، «هنا السماء الزرقاء والخضرة والماء وهو فضاء عام لا يمثل الجلوس فيه خلوة».

وليس بعيدا عن سامح وروضة، كان يجلس أيمن ملاط 24 سنة، الذي يعمل دهانا، وحنان 20 سنة، وهما أيضا في فترة الخطوبة، لكن ظروفه لا تسمح له بالزواج حاليا. وخلاف سامح، يؤكد أيمن على أنه يجد نفسه في الفضاء الترفيهي لأول مرة؛ حيث منع قبل الثورة من الدخول لأنه بمفرده وليس له زوجة أو خطيبة أو صديقة، حسب ما كان معمولا به في العهد البائد. وعما اكتشفه بعد دخوله إلى المكان رفقة خطيبته وبإمكانه أن يدخل منفردا، قال ضاحكا: «خطبت لأدخل هذا المكان بعد سقوط هذا الشرط بفعل الثورة، ولكني أجدني أمثل ثنائيا مع حنان، أما ما اكتشفته، فهو أن الأسعار في القيروان أرخص منها في المناطق الساحلية مثل سوسة والمنستير».