بناء مسجد كولون الكبير مهدد بـ«التجميد»

الجمعيات التركية تتهم مهندس البناء بشن «حرب صليبية».. والصحافة الألمانية تدافع عنه

مجسم مسجد كولون الكبير (د.ب.أ)
TT

يوم الجمعة 11-11-2011، وهو يوم كرنفال الراين، وحامل رقم الحظ الكولوني (نسبة إلى مدينة كولون على الراين)، خفت حدة التوتر بين اتحاد الجمعيات الإسلامية التركية ومهندس بناء المسجد الكبير في حي إيهرنفيلد بعد شهرين من المناوشات والاتهامات.

تحدث الطرفان عن إمكانية التوصل إلى اتفاق يرضي الطرفين، وينهي البناء مع نهاية 2012، كما هو متفق عليه، إلا أن المنظمة التركية لم تسحب قرار إقالة المهندس المعروف بول بوم حتى الآن. ومثل هذا الاتفاق الشفهي قد يهدد بانفجار جديد في أي لحظة بالنظر للسمعة العالمية التي يتمتع بها المهندس.

فمن يزور حي إيهرنفيلد الكولوني في ألمانيا سيشاهد القبة الكروية «المشيفة» لمسجد إيهرنفيلد الكبير الذي يعتبر الأكبر من نوعه في ألمانيا. إذ بدأ بناء المسجد منذ 3 سنوات بعد نزاع طويل مع حكومة مدينة كولون المحلية، وبالضد من حملة مضادة للبناء شارك فيها اليمين المتطرف الألماني، والأوروبي والأميركي أيضا، بدعوى تشجيع الإسلام المتطرف على النمو.

وهكذا، بعد كل التعب المضني في مشروع ارتفعت كلفته إلى 38 مليون يورو، أصبح بناء المسجد مهددا بالتوقف بسبب التعقيدات التي رافقت العملية الأخيرة من البناء. ويدرس مجلس المدينة، الذي وقف إلى جانب بناء المسجد قبل 3 سنوات، إمكانية «تجميد» البناء ريثما يتم التدقيق في التهم التي وجهها «اتحاد الجمعيات الإسلامية التركية» إلى مهندس البناء الألماني المعروف بول بوم الذي وضع تصاميم البناء الأنيق.

بول بوم ذكر الآن أنه عانى الأمرين في السابق مع اتحاد الجمعيات الإسلامية التركية (ديتيب) من تغيير تصميم القبة الكبيرة في المسجد. وبلغت التهم الموجهة إليه مؤخرا مبلغ اتهامه بوضع بصمات «صليبية» على المبنى من خلال التصاميم الهندسية التشكيلية التي رسمها. وهي ملاحظة كررتها قيادة «ديتيب»، كما يبدو، قبل بدء البناء. وجاءت بعد رد فعل المهندس، على اتهامات سابقة وجهتها المنظمة إليه بدعوى الغش في المواد، وتحدث في هجومه عن ارتفاع كبير في كلفة البناء محملا المنظمة التركية سبب ذلك.

المهندس بوم قال إنه كان عليه تغيير التصاميم مرتين قبل الآن، وذلك كلفه الكثير من الجهد والمال، بسبب ملاحظات «ديتيب». في البداية صمم المهندس قبة المسجد الكبيرة في الوسط من أربعة أجزاء متداخلة، لكن المنظمة التركية رأت في الشكل الرباعي رسم الصليب وطالبت بتغييره. أعاد المهندس تصميم المبنى راسما القبة من ثلاثة أجزاء متداخلة، لكن المنظمة التركية، وبدعم من الحكومة التركية حسب ادعاء بوم، لاحظت أن أشياف القبة، والفراغات بينها، تشكل حرفي «X» و«P» اللذين رفعهما الصليبيون شعارا لهم في حربهم الشهيرة ضد الشرق المسلم قبل عدة قرون. علما بأن الخلاف حول البناء اندلع بين الطرفين حينما طالب الاتحاد التركي بكسو جدران المسجد الخارجية بالملاط الأبيض، في حين كان المهندس قد اختار الملاط الرمادي - الأبيض في التنفيذ.

قبل تهمة «الصليبية» التي تحدث بوم عنها كان «ديتيب» قد وجه إلى المهندس تهمة الغش في المواد واكتشاف 2000 خلل في البناء، منها 1300 في الأساسات حسب تقرير المهندس المشرف المكلف من قبلها. ورد رئيس مهندسي البناء مارتن إيمه بالقول إن خبراء «ديتيب» تعاملوا مع كل مسمار أعوج في الجدار كخلل بهدف التملص من ارتفاع كلفة البناء. وأضاف أن مثل هذه الأخطاء «التجميلية» لا يمكن احتسابها وأنه من الممكن تصحيحها بكل بساطة. واعترف إيمه بوجود 10 نواقص في البناء فقط ووعد بتجاوزها.

هاجم اتحاد الجمعيات الإسلامية التركية المهندس وطالب بتغييره بدعوى عدم الالتزام بخطة البناء. ثم أصدر قرار إقالة المهندس بوم من العمل على خلفية الاتهامات التي وجهها الاتحاد علنيا له. وجاء ذلك بعد انتخاب إدارة جديدة لمنظمة «ديتيب»، ولذلك فقد سارع المهندس بوم إلى اتهام القيادة الجديدة بـ«الرجعية» ومحاولة التملص من التزاماتها المالية تجاهه. فكلفة المشروع، بسبب التغيرات التي فرضها الاتحاد التركي، ارتفعت من 34 مليونا إلى 38,5 مليون يورو.

وكان كريستيان بريتس محامي «ديتيب» أشار في مؤتمر صحافي عقده في كولون إلى أن الاتحاد سجل 2300 خطأ في البناء قبل إتمامه. وطالب بريتس بتعويضات من المهندس المعماري المشرف على البناء «ربما ترتفع إلى ملايين اليوروات». وسبق للاتحاد أن أخطر مكتب «بوم» المعماري الشهير بوجود «اختلافات في التنفيذ عن خريطة البناء لا يمكن تصحيحها»، وألغى العقد معه بصورة مفاجئة ومباشرة، مما أدى إلى إثارة العديد من الانتقادات.

من ناحيته، اتهم فرانك زيغرز، محامي بوم، الاتحاد التركي بالتملص من أعباء البناء وقال إن «ديتيب» يمتنع عن دفع كلفة البناء وأتعاب المهندس منذ أشهر. وهدد المحامي باللجوء إلى المحاكم لتصفية الأمور، وطبيعي فإن هذا سيرفع الكلفة ويعرقل انتهاء العمل في الموعد المحدد له (الصيف المقبل).

الصحافة الألمانية وقفت بكل ثقلها مع المهندس بوم، وخصوصا صحافة كولون المحلية، التي رأت في موقف «ديتيب» جحودا لموقف المدينة الإيجابي من بناء المسجد. وكتبت صحيفة «إكسبريس» تقول إن كولون لا تستحق هذه الاتهامات بعد أن نهضت برمتها لمواجهة مظاهرات النازيين المضادة لبناء المسجد. وهي إشارة إلى مظاهرة يمينية عالمية شارك فيها ألفرنس لو بن ويورغ حيدر وزعيم من الكوكلوس كلان في كولون، قدم من الولايات المتحدة، احتجاجا على المسجد، لكن المظاهرات الشعبية تصدت لهم وأحبطت الاجتماع.

وكتبت صحيفة «دي فيلت» الواسعة الانتشار أن المهندس صمم منارتين، هما الأعلى في ألمانيا، وصمم القبة وقاعة الصلاة كي تواجه القبلة، وصنع أشياف القبة كي تشكل الهلال الإسلامي. وتساءلت الصحيفة: «إن القبة تواجه القدس أيضا، فهل يمكننا الحديث عن (مؤامرة يهودية)»؟ وذهبت «دي فيلت» إلى ما هو أبعد من ذلك حينما تحدثت عن اكتشافها أن أشياف القبة تصور أيضا شكلي سمكتين، وكانت السمكة شعار الحركة السرية المسيحية الأولى في روما. وقالت إنها تضع بين يدي «ديتيب» سببا آخر لتأخير بناء المسجد، مع تحذير يقول إن بناء كاتدرائية كولون (الدوم) دام أكثر من 300 سنة بسبب توقف العمل بين الحين والآخر بسبب الحروب وضيق الحال وغير ذلك من الأسباب.

جدير بالذكر أن مسجد كولون الكبير يتم بناؤه على بقعة مهمة من حي إيهرنفيلد وفي المثلاث الذي يشكله شارع «انره كنال» مع شارع «فينلور». وهي قطعة أرض كان اتحاد الجمعيات الإسلامية يتخذ من مبنى عليها مقرا. وساهمت مدينة كولون في كلفة شراء قطعة الأرض كما وفرت للاتحاد التركي سعرا مناسبا للمتر الواحد. ونظرا لاعتراض الكنيسة على ارتفاع المنارتين (55 مترا) وارتفاع القبة (34 مترا) فقد تم بناء المسجد لينطلق من مستوى منخفض عن مستوى الشارع. وتتسع قاعة الصلاة الرئيسية (تحت القبة) إلى 1000 مصل، وهي الأكبر في ألمانيا. ويتسع البناء الكبير إلى قاعات لتدريس الإسلام وأسواق شعبية ومرأب كبير للسيارات.

ومن الشروط التي وضعتها حكومة المدينة المحلية في كولون على اتحاد الجمعيات الإسلامية التركي، ضرورة إبعاد المتطرفين الإسلاميين عن المسجد، وتقديم خطب الجمعة باللغتين الألمانية والتركية، وتدريس الدين الإسلامي باللغتين أيضا، وتعيين أئمة المسجد بالتشاور بين الطرفين، إضافة إلى شروط أخرى.