المتحف البريطاني يعلن عن صندوق لدعم اقتناء الأعمال الفنية من الشرق الأوسط

يقيم حاليا معرضا عن الفن السوري المعاصر.. أعماله من ممتلكات المتحف

«المكعب الأبيض» للفنان وليد سيتي
TT

المتحف البريطاني.. تلك المؤسسة العريقة التي تضم كنوزا فنية وأثرية فريدة.. يظل هو المكان الحلم الذي يطمح فنانو العالم للوجود فيه سواء كان ذلك عبر معرض أو حتى عبر وجود العمل ضمن المجموعة الدائمة للمتحف، فهي بوجودها داخل الصرح تعتبر قد حجزت لنفسها موقع قدم في التاريخ الفني العالمي.

المتحف قد دأب على جمع واقتناء الأعمال الفنية المعاصرة من منطقة الشرق الأوسط، وذلك على مدى العشرين عاما الأخيرة، وكانت النتيجة وجود أعمال لعدد من الفنانين العرب المعاصرين في مخازن المتحف، وقد ظهر بعضها في معرض «الكلمة في الفن» الذي أقيم في عام 2006. ونجح المتحف خلال الفترة في جمع أعمال لنحو 200 فنان من المنطقة.

ولكن المتحف كمؤسسة أيضا يعاني من الضغوط الاقتصادية التي تحد من قدرته على شراء الأعمال الفنية الهامة، ورغم الدور الهائل الذي يقوم به في هذا المجال فإن الأوضاع الاقتصادية العالمية ألقت بثقلها عليه ونتج عن ذلك تقليص الميزانية التي تسمح بشراء الأعمال الفنية من جميع أنحاء العالم.

ومؤخرا أعلن المتحف أن الجهود لتطوير مجموعة الأعمال المعاصرة والحديثة من الشرق الأوسط قد تلقت دفعة قوية عبر قيام إدوار ومريام إيزلر بتكوين صندوق خاص لدعم عملية اقتناء الأعمال الإيرانية تحديدا. وتأتي مبادرة إيزلر لتنضم إلى مجموعة «كاميا» التي كونت في عام 2009 من الداعمين والممولين الذين كونوا لجنة لشراء الأعمال الهامة لإهدائها إلى المتحف، وتم عبرها شراء مجموعة مميزة من الأعمال الفنية من المنطقة. وبالنسبة لصندوق إيزلر فهو يعمل حاليا على شراء عمل للفنان الإيراني تشارلز حسين زندروي، كما قدم دعما لوظيفة مساعد قيم للمساعدة في الأبحاث وتطوير مجموعة الفن المعاصر لدى المتحف.

في حديث لـ«الشرق الأوسط» أشارت فينيشيا بورتر مسؤولة قسم الشرق الأوسط في المتحف البريطاني إلى أن اقتناء الأعمال الفنية من الشرق الأوسط كان معتمدا إلى حد كبير على التمويل الداخلي من المتحف، ولكن بعد التخفيضات في ميزانية المتحف تم الاعتماد على لجنة «كاميا» المكونة من أفراد مهتمين بالمجال. توضح بورتر كيفية عمل اللجنة بقولها: «نعمل مع أعضاء لجنة (كاميا) لاختيار الأعمال المناسبة للمتحف.. هناك فريق من الخبراء من المتحف وفريق يمثل اللجنة ونتج عن ذلك التعاون أننا استطعنا اقتناء قطع فنية مهمة جدا لم يكن باستطاعتنا شراؤها من قبل».

يمثل صندوق إيزلر ولجنة «كاميا» جانبين في عملية دعم المتحف في مجال الاقتناء، ولكن هناك أيضا مؤسسة «آرت فند» البريطانية التي تدعم الهيئات والمتاحف البريطانية لشراء وترميم الأعمال الفنية الهامة. تقول بورتر: «(آرت فند) مشروع مدهش، فهو يمنح الدعم المالي لمشاريع كثيرة متنوعة، مثل المشروع الذي يشرف عليه المتحف البريطاني بالاشتراك مع متحف فيكتوريا آند ألبرت لتكوين مجموعة من الصور الفوتوغرافية من الشرق الأوسط». وتضيف: «أدركنا أن أحدا لم يهتم بذلك المجال من قبل، وبالنسبة لنا فإن العمل مع مؤسسة أخرى هو أمر مثير حقا، فهنا فرصة لتبادل الخبرات، وعبر (آرت فند) استطعنا العمل على ذلك المشروع الذي سينتج عنه إقامة معرض في متحف فيكتوريا آند ألبرت العام المقبل يعتمد على مجموعة الصور التي تشاركنا معا في تجميعها». المعرض هو إشارة قوية إلى الجهات الداعمة بأن العمل جاد، وأن المتحف بمعاونة الداعمين يمكنه إلقاء الضوء على أعمال فنية متميزة.

تشير بورتر إلى أن معرض «الحج» الذي يقيمه المتحف في شهر يناير (كانون الثاني) المقبل يضم مجموعة من الأعمال العربية التي اقتناها المتحف مؤخرا ومنها عمل للفنان السعودي أحمد ماطر ضمن سلسلة «مغناطيسية».

وهنا لا يمكن إلا أن تتساءل عن دور الفنانين في هذه العملية، ألا يقومون هم بإهداء أعمالهم إلى المتحف البريطاني؟ تقول بورتر بابتسامة: «نتمنى ذلك، فهو أمر مهم للفنانين أنفسهم، ولكن تلك الأعمال يجب أن تتناسب مع متطلبات المتحف ورسالته، فعلى سبيل المثال لا نستطيع قبول الأعمال التجريدية». أما البلاد التي تتمثل في المجموعة فتشير بورتر إلى أن عددا كبيرا من دول الشرق الأوسط ممثل فيها مثل العراق وإيران واليمن والإمارات والسعودية.. ولكنها تعود وتؤكد أن المهم في تلك الأعمال هو قيمتها الفنية وارتباطها بتاريخ المنطقة وتمثيلها له.

مشروع آخر تفخر به بورتر يقام في قلب المتحف البريطاني وهو معرض يتخذ من جناح الفن الإسلامي في المتحف مقرا له، رغم أن المساحة محدودة جدا داخل جناح الفن الإسلامي وإمكانية عرض أعمال فنية معاصرة إلى جانب القطع التاريخية التي يزهو بها الجناح تعد مهمة ليست بالسهلة. وهو ما تشير إليه بورتر قائلة إن «عملية اختيار أعمال فنية معاصرة تتواءم مع الجو التاريخي للجناح أمر مهم».

لا يبدو المعرض المعاصر داخل الجناح الإسلامي بعيدا عن روح الأعمال الأخرى، فعبر جولة حول أرجاء الجناح تشير بورتر إلى قميص مصنوع من اللباد موضوع في أحد الأركان وتقول: «هذا القميص قد لا يظهر للوهلة الأولى على أنه عمل معاصر، فلا بد للزائر من أن يدقق مليا لرؤية الرسومات الدقيقة عليه». أما بقية الأعمال فقد وضعت معا في قاعة صغيرة بوسط الجناح وكان الموضوع الشامل لها هو الفن السوري المعاصر عبر معرض «الفن السوري المعاصر في المتحف البريطاني» ويضم أعمالا من مقتنيات المتحف للفنان السوري المعروف فاتح مدرس وسبهان آدم وعصام كرباج وأيضا بعض الرسومات للشاعر أدونيس. المعرض الذي أشرفت عليه بورتر مع لويزا ماكميلان القيمة المساعدة يقدم تصورا معاصرا للعالم العربي يندمج بشكل فريد مع روح المعروضات الأخرى في الجناح.

المعرض طريقة لعرض المجموعة المتنامية من الفن العربي المعاصر التي يمتلكها المتحف، حسب ما تشير بورتر: «و ضعنا أعمالا من مجموعتنا تضم مقتنيات حديثة عبر داعمينا مثل عمل الفنان سبهان آدم الذي قدم إلينا من صندوق آيزلر، كما وضعنا عددا من أعمال الفنانين الراسخين مثل فاتح مدرس إلى جانب أعمال لفنانين معاصرين. وستتحول المساحة ذاتها لتضم أعمالا لفنانين عرب آخرين».