الولع بالملك خوفو يزيد إقبال الأجانب على زيارة الأهرامات

أشهرهم أتباع آمون.. ويزورون مصر نهاية كل عام

أهرامات الجيزة ما زالت أكثر آثار الدنيا إثارة للجدل نظرا لاختلاف الآراء حولها من بناها وكيف تم بناؤها («الشرق الأوسط»)
TT

لا تزال أهرامات الجيزة الثلاثة، وعلى رأسها الهرم الأكبر (خوفو)، تثير جدل عشاق مصر القديمة، على الرغم من مرور آلاف السنين على هذه الأهرامات الشامخة التي لم يفنها الدهر.. الولع بها ليس فقط من أجل الشغف حول كشف أسرارها، التي ما يكاد الأثريون يحلون لغزا فيها إلا وتتكاثر عليهم عشرات الألغاز بعدها، إنما الأكثر غرابة وإثارة هو أنه ما زال في القرن الحادي والعشرين بكل ثوراته التكنولوجية والثقافية، عشرات الجماعات حول العالم تتخذ من هرم خوفو قبلة لها، وتحج إليه في رحلات سنوية منتظمة لممارسة طقوسها، يصفها البعض بـ«الغريبة» والجنونية أيضا.

يقول الدكتور علاء الدين شاهين، أستاذ الآثار بجامعة القاهرة، لـ«الشرق الأوسط»، إن هناك المئات من السائحين من جميع بلدان العالم ممن يعرفون بـ«أتباع آمون» إله الشمس عند الفراعنة القدماء، يأتون سنويا لمصر للتعبد داخل هرم خوفو، ويمارسون فكرا دينا معينا كما يرتدون زيا أبيض ويتطلعون دائما للشمس، حيث يعتقدون أنهم من سلالة الفراعنة القدماء. ويضف شاهين، هذه الجماعات منتشرة جدا، فهم مهووسون بالأهرامات والحضارة المصرية القديمة، ولا مانع منهم طالما أنهم لا يضرون أثرا أو يحاربون معتقدا دينيا آخر.

أما الدكتور عبد الرحيم ريحان، مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمي بالوجه البحري وسيناء بالمجلس الأعلى المصري للآثار، فيشير إلى وجود مجموعة يطلق عليهم «عبدة هرم خوفو» يمارسون طقوسا سنوية في غرفة الدفن بهرم «خوفو» يومي 11 نوفمبر و31 ديسمبر (كانون الأول) من كل عام، وأوضح أن هؤلاء هم أتباع رجل يدعى «إدجار كيسي» الذي يطلق عليه لقب «النبي الأميركي» المزعوم.

وقال ريحان، لوكالة أنباء الشرق الأوسط: «حسب خرافات أصحابها يزعمون أنه عاش قبل عشرة آلاف عام في قارة (أطلانطس) المفقودة، وفي لحظة تدمير القارة هرب منها ومعه التكنولوجيا العظيمة التي كانت سائدة هناك ووضعها في صندوق وجاء به إلى مصر ودفنها تحت قدمي أبو الهول، ثم شرع يبنى الهرم مع المصريين القدماء».

وأكد ريحان أنه على الرغم من أن الحقائق الأثرية أكدت كذب هذه الادعاءات، وأنه لا يوجد أي شيء مدفون أسفل قدمي تمثال أبو الهول، لكنهم يأتون كل عام ليجلسوا بين قدمي التمثال ثم يدخلون الهرم الأكبر (هرم خوفو) ليصلوا في حجرة الدفن في اليوم الأخير من العام حتى يتحقق لهم السلام النفسي، ويلتفون حول تابوت الملك خوفو يذرفون الدمع طلبا للمغفرة ويطلبون من إدارة منطقة أثار الهرم إطفاء الأنوار وشفاطات الهواء داخل الهرم الأكبر ليتحقق لهم الهدوء النفسي، موضحا أن من يقوم بهذه الطقوس مجموعتان؛ الأولى جماعة «11 نوفمبر» والثانية «31 ديسمبر»، حيث يقومون في هذين التوقيتين من كل عام بأداء الطقوس. فهاتان الجماعتان تؤمنان بأن الهرم به سجلات تحوي أسرار الكون، لذلك يأتون في هذه المواعيد سنويا ويرتدون الملابس البيضاء ويطوفون حول الهرم. وتابع: «هناك جماعة (التوحيد الكوني) ، التي تأتي إلى مصر أربع مرات في العام، أيام 21 فبراير (شباط) و21 أبريل (نيسان) و21 نوفمبر (تشرين الثاني) و21 ديسمبر (كانون الأول) ويجلسون في حجرة الدفن بهرم خوفو ولهم أيضا طقوس خاصة يمارسونها».

وكان المجلس الأعلى المصري للآثار قد قرر منع إقامة أي حفلات يوم الجمعة الماضي، تفاديا لأي أزمات أو جدل تثير التباسا لدى المواطنين والمهتمين بالشأن الأثري، لكن الدكتور علي عبد الرحمن محافظ الجيزة، أكد أن المنطقة الأثرية التي تطل على الأهرامات وأبو الهول وجميع المناطق المجاورة لها، ستظل مفتوحة أمام جميع الزائرين من السائحين الأجانب والمصريين، ولن يتم إغلاقها، كما ردد البعض، نافيا حدوث أي مشكلات أو أزمات في هذا الشأن.

وتشرح الأثرية المصرية «وهيبة صالح» هذا السر للأهرامات قائلا: إن «أهرامات الجيزة ما زالت هي أكثر آثار الدنيا إثارة للجدل نظرا لاختلاف الآراء حولها من بناها، وكيف تم بناؤها، والسبب الحقيقي وراء هذا الصرح الضخم؟». وتضيف أن الأهرامات ستظل صرحا تؤمه البشرية، لأنه الأثر الوحيد الذي يجعلهم يعتقدون أنه موجود على هذه الأرض لغرض غير معلوم حتى الآن. والناس ترى أنه بالوقوف على سفح الأهرامات ربما يستطيعون أن يروا أشياء لم يروها في الكتب التي قرأوها.. لذلك سيظل الوقوف أمام الهرم حلما يراود كل إنسان».

وأوضحت لـ«الشرق الأوسط»: أن «هناك الكثير من علماء الآثار والفلك والهندسة والرياضيات والفنون حاولوا حل لغز بناء هذه الأهرامات، خاصة (خوفو)؛ فقد ذكر (مانيتون)، المؤرخ المصري الذي كان يعمل كاهنا بمعابد الشمس، وكان مسموحا له بالاطلاع على أسرار بيوت الحياة، أن الملك خوفو هو أحد أنصاف الآلهة، جمع من الحكمة والمعرفة المقدسة، وكان مصلحا وساحرا، وكتب فصلا من كتاب الموتى، فكان الناس يتسابقون ويتطوعون لبناء هرم الآلهة بعد انتهاء مواسم الزراعة والحصاد أثناء موسم الفيضان».

وقالت مجموعة من علماء الفلك الإنجليز، مثل هيوارد فيز عام 1837، وبياتزى سميث، أن خوفو لم يشيد كمقبرة، وإنما له علاقة بعلوم الفلك، وأن الذين بنوه كهنة معبد الشمس في معبد (أون)، حيث أنشئ ليكون مرصدا للتنجيم، الذي كان يعتبر جزءا من العقيدة الدينية.

في حين خلصت أبحاث العالم البريطاني ريتشارد بروكتور عام 1880، إلى خوفو أنشئ على مرحلتين؛ الأولى كمرصد فلكي لإله الشمس، كما ذكرت المتون القديمة. وأن الإله «تحوت»، إله المعرفة، أمر ببنائه لتحفظ به أسرار الكون السماوي ويتلقى به كهنة الشمس رسالة الإله، وكان البناء في هذه المرحلة يصل إلى مستوى الطريق الصاعد، أي إلى منسوب المدماك الخمسين، نحو 42 مترا، أما المرحلة الثانية هي استخدامها كمقبرة، فاستكملها الملك خوفو.

ويشغل الهرم الأكبر، الذي يعود بناؤه للأسرة الرابعة التي حكمت مصر من 4000 سنة قبل الميلاد، مساحة 13 فدانا، ويبلغ ارتفاعه الأصلي 146 مترا، لكن ارتفاعه أصبح الآن 137 مترا، وطول ضلعه كان 240 مترا، أصبح 170 مترا، بسبب عامل الزمن.. وكان عرضه للسرقة والنهب طوال التاريخ، حيث تعامل معه البعض قديما على أنه محجر فاقتلعوا أحجاره لبناء صروح ومعابد، حتى في العصور القريبة شيدوا القناطر الخيرية من أحجاره. (تصل عدد الأحجار التي بني منها الهرم الأكبر 2.3 مليون حجر). وكان الخليفة المأمون قد حاول دخول الهرم في القرن الثامن الميلادي، أملا في العثور على الكنوز ولم يستطع الوصول للمدخل، فقام بعمل فتحة فيه، أصبحت هي المدخل المستخدم الآن، فكشف عن ممراته وقاعاته، لكنه وجدها فارغة.

وتروي وهيبة مجموعة من القصص التي تبرز ولع الناس بالأهرامات، أو الذين أصبحوا يسمون بـ«مجانين الأهرام»، فقد ألف شخص إنجليزي الكثير من كتب عن الأهرام لإثبات أن الأهرامات بناها قوم جاءوا من الشرق أي من قارة «أطلانتس» أو «القارة المفقودة». وهناك جماعات أخرى تقوم بالحج للهرم خوفو وعمل تأملات، حتى إن جماعة منهم قررت الانتحار داخل الهرم الأكبر، في بداية الألفية الحالية.

وهناك أميركي دخل ليلا في الهرم، وادعى أن الملك خوفو تحدث إليه، وأصدر كتاب عن حديث خوفو معه. أيضا رجل ألماني ادعى أن هناك مجموعة غريبة ستزور الهرم ليلا، وأنه سينتحر قبل دخولهم، وبالفعل انتحر من فوق برج الجزيرة بالقاهرة تاركا رسالة بذلك المضمون. وعرف عن مجموعات يطلق عليهم «The new age» يلبسون ملابس شفافة بيضاء يذهبون للتأمل داخل الهرم الأكبر انتظارا لنزول النبوءة عليهم، التي ستجعل السلام يعم العالم!