لبنان: طرابلس «مدينة خالية من السيارات».. بهجة للسكان

الأهالي يطالبون بتكرار التجربة وتخصيص شوارع للمشاة فقط

الدراجات وسيلة لتنقل الطرابلسيين بدل السيارات
TT

«أشعر أنني في لوزان» قال أحد الطرابلسيين وهو يسير وسط جموع اجتاحت الشوارع مشيا على الأقدام مع أولادهم، فيما اختار آخرون الدراجات وسيلة للتنقل، وفضل بعض آخر الزلاجات أو استخدام «السيجواي».. كل كانت له وسيلته للاحتفال بـ«طرابلس طوال يوم الأحد مدينة خالية من السيارات».

التجربة فريدة في لبنان، وفي العالم العربي، بحسب المنظمين، الذين تمكنوا من إغلاق عشرة كيلومترات من شوارع المدينة، في وجه السيارات. ويبدو أن السكان كانوا أحرص من المنظمين على إنجاح هذا اليوم البيئي، فحتى الشوارع الرئيسية التي لم تمنع فيها السيارات، بقيت فارغة منها تقريبا. وتقول نادرة إنها تسكن بعيدا نسبيا عن مناطق الاحتفالات لكن ابنها سرمد أرغمها على ترك السيارة والتوجه سيرا، منذ الساعة الحادية عشرة صباحا، وبقيا يتجولان على أرجلهما في المدينة، ويحتفلان حتى السابعة مساء. من دون تذمر أو شكوى، تجاوب الطرابلسيون مع المبادرة التي أطلقتها «مؤسسة جائزة موريس فاضل» بالتعاون مع «شبكة شباب طرابلس»، وعملوا على إنجاح شعار «عينك على البيئة والمشي أحسن طريقة».

بالآلاف، نزل سكان المدينة إلى شارع «الكزدورة» وكورنيش الميناء، حيث كانت الأنشطة قد بدأت، والدراجات لكل الأعمار بانتظار من يريد، وفتحت المطاعم أبوابها، كما اصطفت «استاندات» على جانبي الطريق، صاحب كل واحد منها يروج لقضيته البيئية أو الصحية. فهنا من يريد من الناس دعم اختراعه الطبي، وهناك من يعلن عن طريقة جديدة لوقف التدخين، وفي مكان آخر بنك يوزع التفاح على المارة. الفنانون شاركوا بزخم، فقد أقيمت مسارح متعددة وعزفت وغنت عشرات الفرق الموسيقية طوال النهار واستمرت الألحان غربية وشرقية تصدح حتى الليل، كما نشط رسامو الغرافيتي وزينوا الجدران، فيما خصصت للأطفال أماكن خاصة ليرسموا انطباعاتهم عن هذا النهار البيئي. وعمد المنظمون إلى تخصيص مساحات للعب كرة السلة أو كرة القدم والجودو.

400 شاب وشابه تجندوا لجعل هذا الحدث استثنائيا على المستوى اللبناني، حيث جاءت حافلات تنقل الراغبين في التعرف على التجربة من مناطق مختلفة، وأقيم ما يزيد على 150 نشاطا، تنوعت لتناسب مختلف الأذواق. وتم تشغيل حافلات لنقل الأهالي من محيط طرابلس إلى داخلها، تشجيعا لهم للاستغناء عن سيارات.

ويمكننا القول إن هذا اليوم البيئي كان هدفه الأساسي، نبذ السيارة، وتنبيه الناس إلى دورهم السلبي في حياتهم، في بلد بات فيه التلوث وازدحام السير، من المنغصات الأساسية للناس. حسن التنظيم ودقته، انعكسا رضًا على المواطنين الذين أرادوا تمديد فترة إغلاق الشوارع في وجه الآليات. وبدل أن ينتهي اليوم عند الساعة السادسة، كان المواطنون حتى التاسعة مساء لا يزالون يغلقون الشوارع بوجودهم الكثيف في بعض الأماكن، بينما بقيت حركة السيارات محدودة وخجولة، وكأنما الناس استحسنوا الفكرة، وعملوا على تطويل مدة حياتها.

ثمة من كان يقترح وهو يتأمل الشوارع بحلتها الجديدة، أن تخصص بعض الشوارع، ولو لأيام محدودة للمشاة فقط، مثل الكورنيش البحري الطويل جدا والمهمل للغاية. هناك من تحلق حول النائب موريس فاضل الذي أخذت زوجته هلا على عاتقها تنظيم هذا النهار، مطالبين إياه بتكرار التجربة في أقرب وقت، فيما كانت الزوجة الشابة تتجول على دراجتها للتأكد من أن الأمور تسير كما ينبغي. لا البرد ولا الرياح استطاعا أن ينغصا رؤية الناس شوارعهم وكأنها عادت إليهم من جديد.

كان التحدي كبيرا بالنسبة للمنظمين، فالفترة الزمنية التي أعطيت لهم لتركيب معداتهم محدودة، وتمكنوا بفعل إرادة صلبة، وحماس الشباب الذين كانوا دينامو التنظيم ومحركه، من أن يضبطوا الأمور، ويجعلوا كل نشاط يسير وفق ما يبقي الانسجام تاما بين جمهور الناس والمنشطين.

اكتسب النهار البيئي زخما بفضل حماس الناس الشديد، ولكن أيضا بسبب الدعم السياسي الذي أعطي له. فقد زار رئيس الجمهورية ميشال سليمان المدينة للمرة الأولى منذ توليه رئاسة الجمهورية أمس، ليطلق النشاطات ومعه رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي، ومجموعة كبيرة من الوزراء والنواب. الجانب السياسي الذي كان كورنيش الميناء مركزه الرئيسي بقي هامشيا بالنسبة للناس الذين فضلوا التجول في الطرقات مع أولادهم كل على دراجته، مستفيدين من الفرصة، وثمة من جاءوا بالخيل أيضا.

«أردنا أن نثبت للعالم أن مدينتنا حضارية وليست قندهار» قال زياد مبسوط، أحد الشبان الذين نشطوا لإيحاء هذه التظاهرة، فيما نبه النائب روبير فاضل إلى أن طرابلس مدينة فقيرة ومجروحة يعيش 50 في المائة من سكانها على 4 دولارات في اليوم، لكن إرادتها صلبه، ورغبتها في النهوض كبيرة».