عراك حلقة «بموضوعية» على «إم تي في» يتحول إلى حديث البلد

علوش وشكر تصالحا وتباوسا قبل أن يعودا أمام الكاميرا

السياسيان اللبنانيان أثناء عراكهما في الاستوديو
TT

احتل مشهد العراك بين النائب السابق مصطفى علوش (من كتلة 14 آذار) وفايز شكر (الأمين القطري لحزب البعث أي 8 آذار) الذي حصل مباشرة على الهواء خلال حلولهما كضيفين في برنامج (التوك شو) السياسي «بموضوعية» لمقدمه وليد عبود على شاشة «إم تي في» على اهتمام اللبنانيين المقيمين والمغتربين. وتصدّر الخبر صفحات المواقع الإلكترونية على اختلافها وبينها «يوتيوب» و«تويتر». وكان لموقع «فيس بوك» الحصة الأكبر منها إذ تم تداول النكات والطرائف حول الموضوع بكثافة من خلاله ونشرت الصور الكاريكاتورية التي تظهر إحداها علوش وشكر يرتديان لباس المصارعة الحرة ويتوسطهما الإعلامي وليد عبود في بدلة رسمية وهو يمسك الميكروفون مشيرين إليه بذلك كحكم المباراة التي جرت بحضوره. ولم يتوان بعض اللبنانيين من تبادل الرسائل عبر الموقع نفسه مطالبين فيها وبأسلوب استهزائي القيمين على البرامج التلفزيونية من هذا النوع بمنع استعمال المنافض وأكواب المياه أو أي آلات حادة كي لا تشكل سلاحا يستعمل في المقابلات لإثبات وجهات النظر. وهناك تعليقات أخرى تطالب بتثبيت الكراسي التي يجلس عليها الضيوف بالإسمنت منعا لرفعها بسهولة في وجه بعضهم البعض إضافة إلى ضرورة تكبيل الضيوف من السياسيين بأصفاد حديدية لتجنب حركات الأيدي المهددة والـ«هوبرة» لبرهنة أفكارهم النيرة.

ولم يستثن تلامذة المدارس من تأثير المشهد على يومياتهم الدراسية إذ راحوا يجسدون الموقف في لوحات مضحكة محاولين تقليد المتعاركين (علوش وشكر) من خلال إعادة تمثيل الحوار الساخن الذي دار بينهما متبادلين الشتائم وطريقة التعاطي مع بعضهما البعض من خلال استعمال الكراسي وأكواب المياه كسلاح أبيض يصوبونه إلى بعضهما البعض.

ولم يقتصر عرض المشهد التلفزيوني السياسي الساخن على القنوات ومحطات التلفزة اللبنانية «نيو تي في» و«إم تي في» و«أو تي في» وغيرها بل طال محطات فضائية عربية مثل «الجزيرة».

وشكلت الحادثة مادة دسمة للبرامج التلفزيونية الانتقادية المضحكة إذ صوّر أحدها «دمى قراطية» بعض السياسيين وهم النائب جورج عدوان والوزير جبران باسيل والرئيس سعد الحريري يعلقان على الموضوع على إيقاع موسيقى أغنية فيروز «حبوا بعضن». وتقول الأغنية: «بدية القصة بستوديو عبود، متل اتنين اسود، عرّوا عا بعضن. وخلصت القصة عم يطلب جنود لحتى يفرّقهن عن بعضن.. سبّوا بعضن ضربوا بعضن..».

وتضاربت ردود الفعل لدى المواطنين اللبنانيين حسب الانتماء السياسي لكل منهم إذ اعتبره محبذو كتلة 14 آذار مشهدا لا يجب الاندهاش أمامه طالما أن هناك من يبذل حياته من أجل الغريب فيعتبره أهم من ابن وطنه ويصاب بشبه جلطة إذا ما وصفه أحدهم بتعبير لا يعجبه (في إشارة إلى رد فعل فايز شكر خلال الحلقة إذ أصيب بالذهول لثوان ولم يتقبل وصف النائب مصطفى علوش للرئيس بشار الأسد بالرجل الكاذب). فيما جاء ردّ فعل المنتمين لكتلة 8 آذار مغايرا تماما عن الفئة الأولى إذ وصفوا ما جرى بأنه يعطي فكرة واضحة عن المستوى الحضاري الهابط الذي يتمتع به أهل السياسة في المقلب الثاني لأن النائب علوش هو الذي بدأ المشكل حسب رأيهم عندما توجه بكلمة نابية إلى فايز شكر لا تقال حتى بين أبناء البيت الواحد.

ولمن فاتته تفاصيل حلقة برنامج «بموضوعية» الاثنين الفائت، إليه حقيقة ما جرى في مشهد تلفزيوني يحصل لأول مرة في لبنان. ومفاد الأمر أن الحلقة التي استضاف فيها الإعلامي وليد عبود النائب السابق عن تيار المستقبل مصطفى علوش والأمين العام القطري لحزب البعث، فايز شكر، كانت تجري بهدوء وتمحورت حول الوضع المتأزم في سوريا بعدما اتخذ مجلس الجامعة العربية قرارا بتعليق عضويتها فيه. وفي مجريات الحديث قال فايز شكر لزميله الضيف في الحلقة: «يا ريتك سمعت خطاب الرئيس بشار الأسد». فردّ عليه النائب السابق مصطفى علوش قائلا: «أنا سمعته ولكنني لا أصدقه». فجاوبه شكر: «ولماذا لا تصدّقه؟». فقال له علوش: «لأنه كذاب». عندها ذهل السياسي البعثي للحظات وعندما استوعب جواب نظيره في الحلقة ردّ بعصبية: «أنت ومعلمك كذابين». عندها بادر علوش بالتوجه إليه بكلمة نابية كانت بمثابة الفتيل الذي أشعل الموقف فرماه بكوب الماء فذهل بدوره مضيفهما وليد عبود. إلا أن شكر سارع إلى تسديد الشتائم للنائب السابق فقام هذا الأخير عن كرسيه بعصبية محاولا الهجوم على غريمه فما كان من فايز شكر إلا أن رفع الكرسي الذي كان يجلس عليه هاما بضرب علوش به. هنا تدخل وليد عبود لتهدئة الوضع وهو يصرخ «لاه لاه يا شباب يا شباب» مستنجدا بفريق العمل لمساندته في تهدئة الجو وتنبه المخرج لخطورة الموقف وقطع عرض الحلقة.

وبعد مرور نحو الخمس عشرة دقيقة وهي فترة «البريك» الاضطراري الذي استجد على مجريات الحلقة دخل مقدم البرنامج وليد عبود إلى الاستوديو وقد ظهر ضيفاه إلى جانبه ليقدم اعتذاره للمشاهدين قائلا: «اعتذر باسمي الشخصي وباسم ضيفي للمشاهدين الكرام على ما حصل» وأكمل الحلقة متوجها بأسئلته إلى كل ضيف على حدة متفاديا وقوع الصدام بينهما مرة أخرى.

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» اعتبر الإعلامي وليد عبود أن ما جرى بين ضيفيه كان مفاجئا بالنسبة له ولم يستوعب ما حصل بظرف 40 ثانية قائلا: «كان موقفي حرجا وكل ما فكرت به في لحظتها هو الإمساك بفايز شكر ومنعه من رمي الكرسي بوجه النائب السابق». وعلّق عبود بأن احتدامات كهذه قد تحصل في ظروف سياسية دقيقة كالتي نعيشها وأنه شخصيا ليس مزعجا مما حصل لأن الموقف وحسب رأيه سبق وشاهدناه في البرلمان اللبناني وحتى بين أهل السياسة في أوروبا واليابان وكوريا. ورأى الإعلامي اللبناني أنه وفي كل الأحوال يجب الاستمرار في النقاش والحوار للوصول إلى حلول ترضي الجميع مهما بلغت حدّة توترنا وخلافاتنا.

وروى وليد عبود لـ«الشرق الأوسط» ما جرى بين الرجلين إثر العراك وفي الكواليس بعد تدخله لتهدئتهما فسلما على بعضهما وتبادلا القبل ومن ثم عادا إلى الاستوديو دون أن يتوجها بأي كلام لبعضهما البعض.

وانتظر اللبنانيون التعليقات التي سيدلي بها الرجلان إثر الإشكال الذي حصل بينهما فجاء ردّ النائب السابق مصطفى علوش ليؤكد أن ما حصل هو دليل حي للتوتر الذي يعيشه الفريق التابع لسوريا وعدم تقبله فكرة سقوط النظام فيه ومشيرا إلى أن شكر أفلت منه و«لحّق حالو» كونه (أي علوش) مدرّب جودو ويحمل الحزام الأسود من الدرجة الخامسة. فيما قال فايز شكر معلقا عما حصل بأنه لا يقبل أن يمس أحدهم رموزا يجلها ويحترمها ويقدسها وأن النائب علوش خاف منه واختبأ تحت الطاولة.

واعتبرت شريحة من اللبنانيين أن ما حصل في حلقة «بموضوعية» انعكس إيجابا على مقدمها إذ كان برنامجه حديث البلد في اليوم الذي تلا عرضه، خصوصا أن الاتصالات انهالت عليه من كل صوب تستوضحه حقيقة ما جرى فيما ارتأت نسبة أخرى أن تستحدث فقرات ساخنة في البرامج السياسية الحوارية لأنها تسلّيهم وتبعد عنهم شبح الشعور بالملل من كلام الضيوف المكرر باستمرار خصوصا أنهم يفتقدون دائما إلى عنصري التشويق والإثارة في أحاديث هؤلاء. ولم يتوان بعض السياسيين عن الاعتذار من الحلول كضيوف في برامج مشابهة خوفا من الوقوع في مواقف مشابهة.