بابا نويل يصل أمستردام في بداية احتفالات أعياد الميلاد

أتى من تركيا واتجه لإسبانيا وينتقل منها إلى هولندا عبر رحلة مائية

TT

للمرة الـ73 وصل ركب بابا نويل لمدينة أمستردام، العاصمة الهولندية، أول من أمس، ليبقى بها حتى 5 ديسمبر (كانون الأول)، مما يكسبها أجواء مميزة تدخل الفرحة على أطفال المدينة وأسرهم، خاصة أجدادهم وجداتهم ممن يصطحبونهم لاستقبال موكب وصوله ويتابعون معهم ما يقوم به من جولات وزيارات بالمدينة، وأهم من ذلك كله أنهم في الأغلب الأعم من يملأون الجوارب وأحذية الصغار بالهدايا والقصائد، خاصة للحلوين المهذبين والشطار منهم.

«الشرق الأوسط» كانت وسط آلاف ممن شاهدوا وصول ركب بابا نويل أو سينتر كلاس كما ينطقونها بالهولندية، نهار الأحد، وسط المدينة بميدان الدام، حيث نصبت المعتمدية مسرحا ضخما مع شاشتين عاليتين وعريضتين لنقل الحدث للجميع ممن تزاحموا واصطفوا في حماس شديد لإلقاء نظرة عليه وعلى حصانه الأبيض وحاشيته وأصدقائه من السود، الذين وزعوا أطنانا من قطع بسكويت صغيرة مدورة مبهرة بالجنزبيل والقرفة، وهي عادة وسلوك ارتبط ارتباطا كاملا بالمسيرة التي لا تخلو قصتها من كثير من الأساطير التي تختلف باختلاف قوة اعتقاد الأسر وتبحرها في التاريخ، وإن كان أهل أمستردام والهولنديين عموما يجمعون على أن مسيرته هي أكبر مسيرة بالمدينة ولا يترددون من وصفها بالأكبر عالميا.

سينتر كلوسا، هو الوجه الهولندي لبابا نويل، وهو رمز لرجل طاعن في العمر، صالح، يحب الأطفال ويحنو عليهم، ويكافئ ويشجع الرائعين منهم، مما يحفز أولئك الشقيين والمزعجين لتهذيب سلوكهم، وللانتظام والاهتمام في دراستهم والسعي لقبول رضاء أسرهم.

ووفقا لكثير من الأساطير المنتشرة، فإن أصله يرجع لمدينة ميرا التركية التي ارتحل منها إلى إسبانيا لأسباب مجهولة، ومن إسبانيا يشد الرحال سنويا في رحلة مائية إلى أمستردام التي يصلها عبر نهر أمستل، حيث يستقبله عمدتها أمام متحف البحار، ومن ثم يترجل الركب ليمتطي حصانه الأبيض المشهور المعروف باسم «أميريغو» ليواصل مسيرته في معابر ومسارات معروفة يتم إخلاؤها تماما بتغيير مسارات وسائل المواصلات العامة، لا سيما الترامات والسيارات، وما ذلك إلا ليتوافر للحشود الاحتفاء به والاستمتاع بالاحتفالات الموسيقية والبرامج الكرنفالية والغنائية التي يقدمها مساعدوه المشهورون بطلاء بشراتهم باللون الأسود شديد السواد كلون الفحم، في إشارة لروايات تقول إنهم قد انحبسوا داخل المداخن لفترات زمنية طويلة.

وردا على سؤال لـ«الشرق الأوسط» عن سبب توزيعهم قطع بسكويت صغيرة وليس حلوى؟ كان تفسير أسرة هولندية ظلت تتابع المسيرة من دراجتين وقفتا متلاصقتين، يقود إحداهما الأب، وهو مهندس كهرباء له من العمر 36 عاما، وتقود الأخرى زوجته، التي تماثله العمر وتعمل مستشارة استثمار في بنك خاص، وكلاهما يردف في دراجته ابنا من أبنائهما «إن الحلوى لم تعد مرغوبة جدا لتغييرات إيجابية طالت السلوك الغذائي الصحي، بالإضافة لكونها أكثر تكلفة في ظل أزمة اقتصادية تتطلب من الجميع تقليل المصروفات»، مؤكدين أن القصد في النهاية إدخال الفرحة وإشاعتها وسط أكبر عدد من الصغار. وهذا هو السبب الرئيسي من الاهتمام بهذا الركب، الذي أضحى ظاهرة اجتماعية تلتف فيها الأسرة حول أطفالها، ولا يقتصر الأمر على الأم والأب، بل يشاركهم الجد والجدة في أمسيات يصطحبها كثير من الحب والهدايا، وأنواع تقليدية من الطعام، ووجبات خاصة لا يتوافر الاهتمام بها إلا كل عام. أضف إلى ذلك، الاهتمام الرسمي الذي توليه المدينة ومتاجرها للمناسبة وللركب وكرنفالاته كظاهرة سياحية تجارية تكسبها الملايين.

ولا تقتصر زيارة بابا نويل على هذا الكرنفال، بل يظل يتنقل طيلة شهر وجوده بالمدينة زائرا للمستشفيات والمصحات وبعض المدارس والتجمعات، متحدثا ومحتفلا بالأطفال، لتختتم زيارته في الخامس من ديسمبر المقبل، حيث تودعه الأسر الهولندية، وفي اليوم السادس تتجمع الأسر مرة أخرى حول موائد العشاء لتناول وجبة مميزة، غالبا ما تختتم بفض أغلفة هدايا للصغار يحرص الهولنديون على أن تكون بسيطة رمزية لتعزيز روابط المودة والمحبة وتبادل الاهتمام، وألا تطغى عليها الروح المادية وسيطرة السطوات الاستهلاكية والتباهي.