شباب عراقيون يعلنون تحررهم بعد سنوات من القمع

«التاتو» والـ«هيب هوب» وموسيقى «الراب» من ظواهره

شبان عراقيون يرقصون الـ«هيب هوب» ببغداد أمس (أ.ب)
TT

بعد مضي ثماني سنوات على رحيل الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين ونظامه الذي عرف بقسوته تجاه أي محاولة حتى ولو كانت بسيطة لممارسة الحرية، الشخصية منها خاصة، يجد شباب العراق اليوم متنفسا أوسع وفسحة كبيرة لممارسة جزء من حرياتهم البسيطة والتي تتمثل في متابعتهم لآخر تقاليع الموضة في الملبس، وآخر النتاجات الموسيقية والرقص مثل الـ«هيب هوب»، وكذلك «التاتو».

وإذا كان شباب إقليم كردستان العراق قد تمتعوا بحرياتهم الشخصية، المحدودة، قبل شباب بقية مناطق العراق، لما تتيحه قوانين الإقليم من متسع في ممارسة الحريات، وأنهم جربوا نقش «التاتو» على أجسادهم، كما صارت لهم مقاهيهم ونواديهم الخاصة، فإن شباب بغداد التحقوا بهذه الموجة وإن متأخرين.

في بغداد، يمارس الشباب اليوم رقصة الـ«هيب هوب» في أماكن عامة معينة خاصة بهم، ويستمعون لأغاني «الراب» الغربية السريعة، كما أن هناك محلات افتتحت لنقش «التاتو» على أذرع وسيقان الشباب غير الآبهين بحملات بعض رجال الدين المنددة بمثل هذه الظواهر «المنحرفة والمستوردة» حسب رأي زعيم إحدى الجماعات الدينية.

ولا يرى سامي، طالب جامعي، أي «انحراف في ما نمارسه مع أصدقائنا سواء بسماع موسيقى (الراب) أو نقش (التاتو) على أذرعنا»، مشيرا إلى أن «العراقيات والعراقيين ينقشون الوشم، وهو (التاتو) ذاته، على أذرعهم وفي أجزاء من وجوههم منذ مئات السنين، وكان البعض منهم يستخدم الوشم للتجميل أو للعلاج ولم يعترض عليهم أحد، لكننا اليوم نواجه الكثير من الأسئلة والتعليقات الجارحة، بعضها لأننا نضع (تاتو) أو وشما لوردة أو لحيوان التنين الأسطوري». واستنكر سامي «دعوات بعض رجال الدين التي تصف ما نقوم به بأنه نوع من الانحراف، أو أنها ظواهر مستوردة، وإذا كانوا يتحدثون عما هو مستورد فكل شيء حولنا ونستخدمه هو مستورد، بما في ذلك الأسلحة التي يقتلوننا بها، بينما رقصة الـ(هيب هوب) أو موسيقى (الراب) أو (التاتو) لا تقتل ولا تؤذي أحدا، بل هي ظواهر حضارية في المجتمع».

أما داليا التي كانت تشاهد مع صديقاتها إحدى حلقات رقص الـ«هيب هوب» فإنها تجد أن «شبابنا عانى كثيرا من الظلم منذ عهد صدام حسين مرورا بالسنوات التي تلت رحيل النظام السابق، حيث الاقتتال الطائفي وتسلط بعض رجال الدين الذين يعتبرون أنفسهم أوصياء علينا، وضياع فرص العمل»، وترى داليا (21 عاما) أن «في مثل الظروف التي مر ويمر بها العراق وفي أي بلد آخر بالعالم تبرز ظواهر عنيفة هي رد فعل طبيعي، لكننا لم نمارس أي ردود فعل مفاجئة أو صادمة للمجتمع، سماع الموسيقى والرقص و(التاتو) ظواهر اعتيادية في كل العالم، وهي نوع من الحريات الشخصية التي يؤكد عليها الدستور العراقي، ونحن لم نعارض الدين أو المجتمع فلماذا يقفون ضدنا؟».

فوزي الجنابي كان برفقة ولده حسنين (19 عاما)، والذي وشم على ذراعه اليمنى العلم العراقي، بينما وشم على ذراعه اليسرى طائرة مقاتلة، قال «أنا لا أعتبر أن ابني يمارس ظاهرة شاذة اجتماعيا أو دينيا، ووشم العلم العراقي أو طائرة مقاتلة ليس انحرافا، وهذه حرية شخصية بسيطة يمارسها ابني الذي هو متفوق في دراسته ويتحلى بصفات أخلاقية جيدة يشهد لها مدرسوه وأصدقاؤه». وأضاف الجنابي قائلا «لقد عانينا من تسلط النظام السابق لسنوات طويلة.. تدخلوا في كل جوانب حياتنا، وحرمونا من حرياتنا الشخصية، وخدمنا في الجيش لأكثر من عشر سنوات، عشنا خلالها حروبا وحصارا وتعبا، فهل على أولادنا أن يعانوا، وأن يرثوا هذه المعاناة؟ أنا لم ولن أقيده بغلال ووصايا ساذجة، وله أن يفعل ما يريد في حدود الأخلاق العامة».

أما ولده حسنين، فيقول «أنا عراقي وأحب العراق، لهذا وشمت العلم العراقي على ذراعي اليمنى، أما الطائرة المقاتلة فأنا أتمنى طوال عمري أن أكون قائدا لطائرة مقاتلة ضمن القوة الجوية العراقية، وسأسعى إلى ذلك على الرغم من أنني اعرف أن الطريق لتحقيق هذه الأمنية صعب بسبب المحاصصات والمذاهب والأحزاب التي لا ينتمي والدي أو أنا إلى أي منها».

في مصيف شلالات «بي خال» في راوندوز التابعة لأربيل عاصمة إقليم كردستان العراق، التقينا باثنين من الشباب وضعا «تاتو» على ذراعيهما وارتديا ملابس حديثة، بينما وضع أحدهما قبعة أميركية على رأسه. قال الأول إن اسمه حسان، وهو مقيم في الولايات المتحدة، وجاء لزيارة عائلته في مدينة كربلاء، مشيرا إلى أن «التاتو والرقص وسماع أنواع الموسيقى في الغرب مسألة طبيعية وحق من الحقوق الشخصية، وهذا مطبق منذ عشرات السنين، وعندما جئت إلى العراق استغرب غالبية أقاربي وأصدقائي مما ارتديته، أو من «التاتو»، واتهموني بأنني عميل أميركي (يضحك) كيف لي أن أكون عميلا أميركيا وأنا أميركي الجنسية؟ وهل التاتو أو الملابس الغربية تضعني في خانة العمالة؟».

ويؤكد صديقه الذي رفض أن يدلي باسمه قائلا «أنا أعجبت بالتاتو، ونقشت مثله ببغداد، وهذه الملابس هدية من صديقي، أنا لا أعتبر هذه الممارسات خاطئة، فنحن عشنا عشرات السنين متعبين ومحرومين من أي ظاهرة من ظواهر الحرية، ولن نسمح لأي أحد بقمعنا بعد اليوم. هم يصادرون كل شيء ويسرقون أموالنا ويريدون سرقة حياتنا أيضا».

يقول الدكتور صفاء علي، أستاذ الفنون بجامعة بغداد، إن «هذه الممارسات أكثر من طبيعية، ولو جاءت عندما كنا شباب لقمنا بممارستها، والعراق كان دائما متقبلا للظواهر الجديدة سواء بالفن أو الحياة، فلماذا نستغربها الآن؟»، مشيرا إلى أن «الفنان إلهام المدفعي كان قد انطلق بموسيقاه الجاز مع الأغاني العراقية التراثية في نهاية الستينات، وكنا نرقص على إيقاع هذه الأغاني، فلماذا نستغرب اليوم رقص أولادنا الـ(هيب هوب)، أو نقش (التاتو)». وأضاف علي قائلا «هناك من زملائي من يطالبون بإخضاع الشباب إلى الخدمة العسكرية كي يكونوا أكثر خشونة، وأنا أقول ألا يكفي أن الملايين من العراقيين كانوا في الجيش؟.. ثم إننا نريد شبابا حرا وليس مقيدا في تفكيره أو ممارساته، وأنا أشجع مثل هذه الممارسات».