جين يؤدي إلى إبطاء الشيخوخة ويعد هدفا محتملا للعقاقير الطبية

في دراسة حديثة لإطالة المدى العمري لذبابة الفاكهة

TT

طرأت في العقود الأخيرة تغييرات وتحولات جذرية في التركيبة العمرية السكانية العالمية، سينجم عنها تحديات كثيرة في العديد من المجالات لكل من الأفراد والمجتمعات. ففي الفترة ما بين عامي 1950 و2010 وفقا لمنظمة الأمم المتحدة، ارتفع العمر المتوقع في جميع أنحاء العالم من 46 عاما إلى 68 عاما، ويتوقع أن يزيد ليبلغ 81 عاما بحلول نهاية هذا القرن، فهناك الآن ما يربو على 700 مليون نسمة تزيد أعمارهم على 60 عاما، وبحلول عام 2050 سيكون هناك مليار نسمة أي ما يزيد على 20 في المائة من مجموع سكان العالم، تبلغ أعمارهم 60 عاما أو أكثر، وستكون زيادة عدد كبار السن أكثر وأسرع في بلدان العالم النامي.

وتفرض هذه التغييرات المزيد من التحديات التي تتطلب التصدي لها والأخذ ببرامج وسياسات وخطط جديدة، لتلبية وتأمين الاحتياجات والخدمات الخاصة والمتزايدة التي يواجهها العديد من المسنين.

ومع التقدم الحادث في الطب والأدوية والعلاجات الحديثة، بات بالإمكان القضاء على كثير من الأمراض والوقاية منها، كما أصبح هناك فروع متخصصة في طب وأمراض الشيخوخة، الأمر الذي أدى إلى رفع معدلات أعمار الأفراد وبالتالي زيادة عدد المسنين، وهناك حاليا اهتمام عالمي متزايد بدراسات وبحوث وتقنيات إبطاء الشيخوخة وإطالة الحياة، التي ستزيد من عدد كبار السن، الذين يحتفظون بصحة وحياة أفضل وأكثر نشاطا، الأمر الذي يتطلب الاستفادة منهم بالعمل والمساهمة في برامج الاقتصاد والتنمية.

ففي دراسة حديثة نشرت في النسخة الإلكترونية لشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي من مجلة «سيل ميتابوليزم» (استقلاب الخلية) العلمية الأميركية، تمكن علماء بيولوجيا في جامعة كاليفورنيا (لوس أنجليس)، من تحديد الجين الذي يؤدي إلى إبطاء عملية الشيخوخة، من خلال العمل على ذبابة الفاكهة. وتنشيط جين يسمىPGC - 1، يزيد من نشاط الميتوكوندريا، التي تعد مولدات صغيرة للطاقة في الخلايا، حيث تتحكم في نمو الخلايا وتخبرها متى تعيش ومتى تموت.

والميتوكوندريا، (Mitochondria) ومفردها «ميتوكوندريون» (Mitochondrion)، هي كلمة إغريقية مكونة من لفظتين، هما: «ميتوس» وتعني بالإنجليزية (خيط thread)، و«كوندريون» وتعني بالإنجليزية (حبيبة granule)، والميتوكوندريا هي عضيات خلوية دقيقة الحجم، توجد بأشكال مختلفة في سيتوبلازم الخلية الحيوانية أو النباتية، وهي مسؤولة عن إنتاج الطاقة في الخلية، واللازمة لها للحفاظ على الحياة، وتتركب من طبقتين من الدهون وغشاء من البروتين.

فطبقا لما نشره موقع جامعة كاليفورنيا، لوس أنجليس في 8 نوفمبر الحالي، يقول ديفيد ووكر، الأستاذ المساعد بقسم البيولوجيا التكاملية والفسيولوجيا، بجامعة كاليفورنيا، والمؤلف الرئيسي للدراسة، «أخذنا الجين (PGC - 1) وعززنا من نشاطه في خلايا وأنسجة مختلفة من ذبابة الفاكهة، وتساءلنا عما إذا كان ذلك له آثار في عملية الشيخوخة، واكتشفنا أنه عندما عززنا هذا الجين في الجهاز الهضمي لذبابة الفاكهة، أن الذبابة تعيش أطول بشكل ملحوظ. وقمنا أيضا بدراسة الخلايا العصبية والعضلات وأنواع أخرى من الأنسجة، ولم نجد هناك أي امتداد للحياة. وهذا يعني أن هناك شيئا مهما حول الجهاز الهضمي، فعند إثارة أو تنشيط هذا الجين في نسيج الأمعاء، تعيش ذبابة الفاكهة فترة أطول، وبالتالي نبطئ من عملية التقدم في العمر بالنسبة للأمعاء، وهذا له تأثير إيجابي على الحيوان بشكل كامل».

ويضيف ووكر، أن «دراستنا أوضحت أن زيادة نشاط جين (PGC - 1) في الأمعاء، يمكنها أن تبطئ من عملية التقدم في العمر على المستوى الخلوي والحيوان ككل».

وقد استطاع علماء البيولوجيا في هذه الدراسة أن يؤخروا من تقدم عمر الأمعاء في ذبابة الفاكهة، وبالتالي إطالة حياتها بنسبة تصل إلى 50 في المائة.

ويذكر أن ذبابة الفاكهة واسمها العلمي «دروسوفيلا ميلانوغاستر» (Drosophila melanogaster)، يستخدمها العلماء نموذجا رئيسيا في الدراسات البيولوجية كالتجارب الجينية، وخاصة في مجال بحوث الشيخوخة والتقدم في العمر، لتشابهها الجيني مع البشر ولسهولة توالدها في المختبر. حيث يقول ووكر إن «ذبابة الفاكهة، لها مدى عمري يصل إلى شهرين تقريبا، وتبدأ في إظهار علامات العمر أو الشيخوخة بعد نحو شهر واحد، ويقل نشاطها، وبعد ذلك تموت. لهذا تعتبر نموذجا مفيد جدا في دراسة الشيخوخة والتقدم في العمر، لأن العلماء يعرفون كل أنواع جيناتها بأكملها وبإمكانهم التحكم في كل جين على حدة».

والسؤال المطروح، ما هي آثار هذه الدراسة على شيخوخة البشر؟

يقول ووكر «كثيرا ما نفكر في حماية المخ والقلب، ولكن الأمعاء تعتبر نسيجا حيويا ومهما للعمر الصحي، فإذا حدث ضرر ما أو خطأ ما في ميتوكوندريا الخلايا، ستكون النتائج وخيمة جدا، وإذا حدث خطأ ما في أمعائنا، فهذا ربما يؤدي إلى نتائج وخيمة بالنسبة لأنواع الأنسجة الأخرى والأعضاء، الأمعاء ليست فقط مهمة لامتصاص المواد الغذائية، التي تعتبر مصدرا حيويا ومهما للطاقة، ولكنها أيضا حاجز مهم لحمايتنا من السموم والجراثيم الموجودة في البيئة، فالأمعاء يجب أن يتم رعايتها بشكل مستمر».

ويضيف ووكر: «لا أحد يعرف حتى الآن ما الذي يسبب الشيخوخة على مستوى الخلية أو النسيج، ولكن مع تقدمنا في العمر، تصبح الميتوكوندريا لدينا أقل كفاءة وأقل نشاطا، وهذا له عواقب بعيدة المدى، لأنه عندما يحدث تراجع في الميتوكوندريا، فجميع وظائفنا الخلوية تتعرض للخطر، ومع ذلك فإنه من الصعب القول بأن هذا هو سبب الشيخوخة».

يقول ووكر إن «الجين(PGC - 1)، ينشط ميتوكوندريا الخلايا وينظم نشاط الميتوكوندريا في الثدييات والذباب، والجين يعتبر هدفا محتملا في مجال الأدوية لمكافحة الأمراض المرتبطة بالعمر».

وتثير الدراسة مسألة ما إذا كان زيادة نشاط الميتوكوندريا، يعتبر استراتيجية فعالة لإبطاء الشيخوخة، وإذا كان الأمر كذلك، فإن الجين (PGC - 1)، قد يكون المفتاح في ذلك.

ويطرح ووكر وزملاؤه سؤالا، عما إذا كان نوع جين (PGC - 1)، لدى ذبابة الفاكهة، لديه نفس وظيفة نفس نوع الجين في الثدييات، ووجدوا أن له نفس الوظيفة.

وقد قام العلماء البيولوجيون في هذه الدراسة، بزيادة مستويات التعبير الجيني (Gene expression) في نسخة الجين (PGC - 1) لدى ذبابة الفاكهة، ووجدوا أن ذلك يجعل الميتوكوندريا أكثر نشاطا، ثم اختبروا ما إذا كان تعزيز نشاط هذا الجين، يبطئ الشيخوخة والتقدم في العمر، فوجدوا أنه يمكنه أن يؤدي إلى ذلك، عندما ركزوا على الجهاز الهضمي لذبابة الفاكهة.

ويقصد بالتعبير الجيني، العملية التي يتم بها استخدام المعلومات الجينية في تخليق منتجات جينية وظيفية.

وحيث إن الدراسات السابقة، قد أشارت إلى أنه، يتم صيانة أمعاء ذبابة الفاكهة عن طريق الخلايا الجذعية البالغة، لهذا فقد تساءل العلماء البيولوجيون في هذه الدراسة، ماذا يحدث إذا استخدموا أدوات جينية وجزيئية لتعزيز نشاط جين (PGC - 1) في الخلايا الجذعية فقط والخلايا المتفرعة منها (الوليدة) مباشرة.

يقول ووكر، الذي درس الآليات الأساسية الكامنة وراء عملية الشيخوخة، إنه «بالتعاون مع مجموعة بحث الخلايا الجذعية في معهد سالك للدراسات البيولوجية في لا جولا بولاية كاليفورنيا الأميركية، عززنا من التعبير الجيني على مستوى الخلايا الجذعية والمتفرعة منها (الوليدة) مباشرة، ووجدنا أن هذا كان كافيا لإطالة المدى العمري للذباب».

وقد أظهرت أيضا هذه الدراسة الجديدة، أن زيادة نسخة جين (PGC - 1) لدى ذبابة الفاكهة، يؤخر ظهور التغيرات الخلوية داخل الأمعاء، ويؤكد ذلك أن هناك علاقة بين الميتوكوندريا والخلايا الجذعية للأنسجة والشيخوخة.

يقول ووكر إن «الكثير من العلماء الذين درسوا أمراض الشيخوخة، يفعلون ذلك بشكل انفرادي، مجموعة تدرس مرض ألزهايمر (خرف الشيخوخة)، ومجموعة تدرس أمراض القلب الوعائية، ومجموعة تدرس السرطان، كلنا يأخذ نهجا مختلفا. أما نحن فلا ننفرد بدراسة أي من هذه الأمراض الخاصة بالشيخوخة، نحن ندرس عملية الشيخوخة نفسها، فالشيخوخة تعتبر عامل الخطر الأول بالنسبة لمعظم أنواع السرطان وأمراض القلب ومرض ألزهايمر ومرض باركنسون (الشلل الرعاش) وأمراض أخرى كثيرة».

يذكر أن هذه الدراسة، قد تم تمويلها من قبل معاهد الصحة الوطنية الأميركية، ومؤسسة إليسون الطبية الأميركية، التي تدعم البحوث الطبية الحيوية الأساسية المرتبطة بالشيخوخة لفهم عملية تطور النمو والأمراض المرتبطة بالعمر والإعاقة.