سامي النصري لـ«الشرق الأوسط»: إدارة الصراع بين اليسار والإسلاميين كانت لعبة السلطة في تونس

أستاذ جامعي ومؤلف ومخرج مسرحي تونسي: أحاول التأسيس لمسرح يكون قريبا من المواطن

سامي النصري.
TT

سامي النصري مخرج مسرحي وممثل وأستاذ جامعي بالمعهد العالي للمسرح والموسيقى بالكاف، خريج المعهد العالي للمسرح بتونس، سنة 2000، شارك في كثير من الأعمال المسرحية، منها على وجه الخصوص مسرحية «الضحك تحت المراقبة المشددة» و«تصفيات» مع فتحي العكاري، وغيرها من النشاطات المسرحية، إلى جانب محاولات شعرية.

ولا تقف نشاطات سامي النصري، عند التدريس الجامعي، والإخراج والتمثيل، بل تتعداها إلى التأليف، وله نصوص مسرحية قام هو بإخراجها مثل مسرحيتي «التنين، والذئاب» التي حصلت على استحسان الجمهور، وقد تم عرضها أول مرة سنة 2002، ثم «الريح والفرس» وكلتا المسرحيتين لم تحظ بدعم وزارة الثقافة في عهد الرئيس المخلوع بن علي. وفي سنة 2010، قدم النصري مسرحيته «هلال ونجمة» في إشارة إلى العلم التونسي.

وربما تكون مشاركة النصري، في العمل المسرحي لفاضل الجعايبي «خمسون» سنة 2005 محطة فارقة في مشواره الثقافي، حيث شارك (العمل) في كثير من التظاهرات الثقافية داخل تونس وخارجها. وهو نشاط مسرحي يجسد بطريقته علاقة النظام السياسي السابق بالتيارات السياسية في تونس، سواء في علاقته باليسار، أو الحركة الإسلامية، لا سيما في مرحلة تسعينات القرن العشرين.

وطرحت «خمسون» تصورها للتصور الإسلامي في العلاقة مع المجتمع، والمعالجة الأمنية للحد من انتشار الحالة التي خمدت قليلا في فترة المخلوع ثم انبعثت بعد الثورة كطائر الفينيق. وكان الهدف من مشاركة النصري في «خمسون» هو الدفع باتجاه تغيير الأساليب في التعاطي مع الحالة الإسلامية والكف عن تخويف الناس من التوجه الإسلامي بطريقة أثبتت الانتخابات الأخيرة التي جرت في تونس فشلها. وكان هدف النصري، فتح حوار في جو ديمقراطي يسمح فيه للجميع بالتعبير عن نفسه وترك الحكم للجماهير، وليس تكريس صورة انطباعية عن فصيل مهم في الساحة السياسية والمجتمعية بتونس. «الشرق الأوسط» التقت سامي النصري، أثناء مشاركته في أحد الاحتفالات في أعقاب انتخابات 23 أكتوبر (تشرين الأول) ليتحدث هو بنفسه عن أعماله وعن الإبداع في الحقبة الماضية وعن تطلعاته المستقبلية في ظل روح الثورة، وانتصارات تونس الكبرى. وكانت البداية «هلال ونجمة»، ذلك العمل المسرحي الذي قدمه كما سلف سنة 2010 وهو من إنتاج المركز الوطني للفنون الدرامية والركحية بالكاف. وهو يتحدث «عن النضال الوطني خلال الخمسينات، وتحديدا سنة 1952 وهي المرحلة التي كان فيها المجتمع التونسي موحدا للدفاع عن هويته وثقافته وعن أرضه ومطالبا باستقلاله، وسنقدمه خلال شهر ديسمبر (كانون الأول)، كما سنشارك به في أيام قرطاج المسرحية في يناير (كانون الثاني) 2012».

وعودة لمسرحية «الضحك تحت المراقبة المشددة» مع فتحي العكاري، حيث اشتركا في كتابة النص، وكان فيه النصري ممثلا والعكاري مخرجا، حيث تحدث فيه الاثنان عن «علاقة المواطن التونسي بالسلطة، وتحديدا مشكلة الرقابة الذاتية خوفا من المؤاخذة الأمنية على الصدع بمواقفه السياسية وغيرها، وقدمنا العمل في شكل كوميدي، ومن بين من شارك في العمل المسرحي، خالد بوزيد، وسماح البشراوي، وسامي النصري، وسميرة بوعمود، وجميعهم من خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية». أما مسرحية «تصفيات»، فهي تتحدث عن الصراع الآيديولوجي السياسي في تونس ودور السلطة في توجيه هذا الصراع. ومساهمتها في تضارب القوى المشكلة للمجتمع الأهلي ومنها اليسار والإسلاميون، والدفع باتجاه الصدام الآيديولوجي لمنع وجود حوار بين الطرفين، فقد كانت عملية إدارة الصراع بين مكونات المجتمع التونسي، لعبة السلطة في تونس. ومنذ أكثر من عقدين من تحالف جل اليسار مع السلطة في مواجهة الإسلاميين، وسخر كل إمكاناته لصالح السلطة في تلك المواجهات. في مسرحية «التنين»، تولى النصري كتابة النص والإخراج وفيها طرح «إشكالية المثقف»، والأزمة التي كان يعيشها في تونس حتى 14 يناير. وهي قصة أستاذ جامعي يدخل في صراع مع طلبته، بل حتى مع أسرته. ويؤكد فيها أن أزمة المثقف ليست أزمة تفكير بقدر ما هي أزمة فهم وأزمة تعايش مع المجتمع الذي يعيش فيه.. وكان لها صدى كبير، وحصلت على بعض الجوائز».

وتختلف مسرحية «الريح والفرس» لسامي النصري عن كثير من أعماله فقد تم تقديمها في فضاء «التياترو» في تونس وفي إطار«ملتقى مسرحيي الغد». وطرحت فيها إشكالية الفساد والسرقة التي أضرت بالبلاد ودفعت الشعب للثورة. وتعرض المسرحية لقصة عسكري يتم إقالته من منصبه، ثم يسجن ثم يجري تتبعه أمنيا لأن شكوكا تحوم حول امتلاكه لوثائق تكشف عن مؤامرات وسرقة وفساد في صلب جهاز السلطة. ولم يتم عرض المسرحية سوى مرة واحدة، حيث امتنعت الجهات الرسمية عن تمويل العمل. ومن خلال أعمال سامي النصري، فهم النقاد في تونس وخارجها أن الرجل يميل إلى المسرح «السياسي»، حيث أعطاه منذ عام 2000 كل الاهتمام على الرغم من الأجواء القاتمة التي كانت سائدة في تونس. ويعتقد النصري أنه ساهم في إثراء مسرح حي بعيدا عن الانغماس في السخرية من المجتمع دون السياسة التي تساهم، بل تمعن في تشكيله. وكان التوجه نحو فضاء العمل السياسي والطرح السياسي لمواضيع المسرح. ولم تخل أعمال النصري من مشاهد المراقبة والمحاكمات والسجن والتعذيب. ودشن بذلك، كما يقول كثيرون، مرحلة جديدة أو مدرسة جديدة في المسرح السياسي تطرح فيها، كما يقول، القضايا الفكرية والسياسية بأسلوب أقرب ما يكون لفهم المواطن «مسرح يقترب من الناس ويفهم الناس ولا يكون بعيدا عن فهمهم وتصوراتهم وأفكارهم».