مواد جديدة لتعزيز الطاقة والإضاءة وتطوير أجهزة الكومبيوتر وقدرات الإنترنت

يدخل في تكوينها عنصر الإربيوم الكيميائي الأرضي النادر ذو الصفات المميزة

TT

تمكن فريق بحثي في معمل الفوتونات النانوية بكلية هندسة الكومبيوتر والطاقة والكهرباء في جامعة ولاية أريزونا الأميركية، من تخليق مواد جديدة بلورية أحادية، واعدة في الكثير من الأغراض العلمية والتكنولوجية، من بينها تعزيز الطاقة، وأجهزة الكومبيوتر وتكنولوجيا الإضاءة، وتعرف هذه المواد باسم «إربيوم كلوريد سيليكات»(Eribium Chloride Silicate)، الداخل في تكوينها عنصر الإربيوم الكيميائي الأرضي النادر. وقد نشرت الدراسة في عدد شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي من مجلة المواد البصرية التي تصدرها الجمعية الأميركية للبصريات.

فوفقا لموقع جامعة ولاية أريزونا، يقول البروفسور كون - زنغ نينغ، أستاذ الهندسة الكهربائية بالجامعة، بأن «مادة إربيوم كلوريد سيليكات، سوف تفيد في تطوير الأجيال الجديدة من أجهزة الكومبيوتر وتحسين قدرات الإنترنت وزيادة كفاءة الخلايا الشمسية (الخلايا الفولتية الضوئية) المعتمدة على تقنية السليكون في تحويل ضوء الشمس إلى طاقة كهربائية، وكذلك في تحسين نوعية الإضاءة في الحالة الصلبة وفي تكنولوجيا الاستشعار».

وتقنية الإضاءة في الحالة الصلبة، هي التي تقوم على استخدام تقنية الصمامات الثنائية الإضاءة، المعروفة بـ«إل إي دي LED) (Light - Emitting Diode)، التي تستخدم كمية أقل من الطاقة مع توفير الأداء المتفوق عن تصاميم الإضاءة التقليدية. فهي عبارة عن لمبة ضوء إلكترونية تصدر الضوء من خلال حركة الإلكترونات في داخل مواد مصنعة من أشباه الموصلات (مواد شبه موصلة للكهرباء ومصنعة من مواد ضعيفة التوصيل للتيار الكهربائي ومطعمة بمادة أخرى خلال عملية تسمى التطعيم) فالأجهزة الداخل في تصنيعها تقنية الصمامات الثنائية الإضاءة، لا تحتوي على فتيل أو سلك ولا تسخن كالمصابيح الكهربائية التقليدية. والصمام الثنائي الباعث للضوء، اخترعه عام 1962 الأميركي نيك هولنياك الابن، المولود في 1928، والملقب بأبو الصمام الثنائي الباعث للضوء، وصاحب 41 براءة اختراع، والذي أدخل عام 2008 ضمن القاعة الوطنية لمشاهير المخترعين الأميركيين. والصمام الثنائي الباعث للضوء، ينتج في مجموعة متنوعة من الأشكال والأحجام، ويستخدم في تطبيقات إلكترونية متعددة، منها إضاءة إشارات المرور، وإضاءة السيارات في مصابيح الفرامل وإشارات ومؤشرات الدوران والإضاءة الخلفية، ومصابيح الحالة الصلبة، والكثير من الأجهزة الحديثة كالساعات الرقمية والريموت كنترول وشاشات العرض في التلفزيونات الكبيرة. وتمتاز الصمامات الثنائية المضيئة بالكثير من الخصائص فهي تمتاز بكفاءتها العالية، ولا تنبعث منها طاقة حرارية مفقودة، واستهلاكها للكهرباء أقل، وتعيش فترة أطول، مقارنة مع تقنيات الإضاءة الأخرى التقليدية التي تستخدم اللمبات ذات الفتيل السلكي.

ويتضمن الاكتشاف الجديد، تخليق ولأول مرة مركب إربيوم جديد في شكل سلك نانوي (متناهي الصغر) أحادي البلورة، يتمتع بخواص فائقة بالمقارنة بالأشكال الأخرى لمركبات الإربيوم. وتلعب بنية البلورة دورا مهما في تحديد خصائصها، مثل الخصائص البصرية والخصائص المغناطيسية والتوصيل الكهربائي ونطاق الطاقة وقابليتها للانشقاق أو الانفلاق، ففي البلورة الأحادية يتم ترتيب صفوف ذراتها في نفس الاتجاه ويكون منتظما، حيث تتميز بامتداد الشبكة البلورية فيها (مسافة محددة بين الذرات في البلورة) مكونة بلورة كبيرة منتظمة، وللبلورات الأحادية أهمية وتطبيقات كبيرة في الصناعة، مثل صناعة الشرائح الإلكترونية الرقيقة المستخدمة في صناعة الدوائر والمكونات الإلكترونية الدقيقة.

والإربيوم، أحد العناصر الأرضية النادرة في جدول التصنيف الدوري للعناصر الكيميائية، المعروف بجدول مندليف الذي وضعه عام 1869 عالم الكيمياء الروسي ديمتري مندليف (1834 - 1907). ومفهوم الدورية، يشير إلى تكرار أنماط من الخصائص الكيميائية والفيزيائية للعناصر بعد فترات محددة ومنتظمة، وتصبح الدورية أكثر وضوحا بترتيب العناصر المتشابهة الخصائص في أعمدة، ويسمى الخط الأفقي في هذا الترتيب «الدور».

والإربيوم (Erbium) اسمه مشتق من قرية يتربي (Ytterby) السويدية، التي يوجد فيها بكثرة، وقد اكتشفه عالم الكيمياء السويدي كارل غوستاف موساندير (1797 - 1858) عام 1843، وهو عنصر فلزي فضي اللون، ورمزه «Er»، وهو أحد عناصر سلسلة «اللانثانيدات» الفلزية الأرضية النادرة، التي تلعب دورا مهما في الكثير من التقنيات الحديثة، مثل استخدامها في الأجهزة ومعدات التقنية العالية كالإلكترونيات الضوئية والموصلات فائقة التوصيل التي تسمح بمرور الكهرباء خلالها دون أي مقاومة تقريبا، فعند درجة حرارة منخفضة نسبيا تصبح قدرتها على التوصيل فائقة، ومقاومتها للكهرباء منعدمة.

ويذكر أنه في يوليو (تموز) الماضي، أعلن خبراء جيولوجيا يابانيون عن اكتشافهم كميات ضخمة من العناصر والخامات الطبيعية النادرة مختلطة مع الطين في قاع المحيط الهادي، قدر حجمها بنحو مائة مليون طن، ويشار إلى أن الصين تنتج حاليا نحو 97 في المائة من هذه العناصر النادرة.

ويمتاز الإربيوم بالكثير من الصفات والخصائص الكيميائية والفيزيائية المميزة، فالإربيوم النقي فلز طيع يمكن تشكيله بسهولة، وثابت في الهواء، ولا يتأكسد في الهواء بنفس السرعة التي يتأكسد بها بعض الفلزات الأرضية الأخرى النادرة، ويتميز بطيف امتصاص واضح في الضوء المرئي وفوق البنفسجي والأشعة قرب تحت الحمراء. وتستخدم بلورات الإربيوم في عمل أشعة الليزر والمضخمات البصرية أو الضوئية وبخاصة عند الطول الموجي 1550 نانومترا، الذي يعد مهما في الاتصالات الضوئية أو البصرية، إذ إن للألياف البصرية أو الضوئية فقدا ضئيلا عند هذا الطول الموجي، فمن خلال تركيب ثنائي الليزر أو ليزر الصمام الثنائي (ليزر ديود) أو ليزر أشباه الموصلات في أماكن مختارة من الكابل البصري، يحدث أن يشع ضوء بطول موجي معين يجعل أيونات عنصر الإربيوم في الكابل البصري المطعم به، تتهيج لمستوى طاقة أعلى ثم تعود لمستوى الطاقة السابق لتشع فوتون، وتتكرر هذه العملية لتوليد الكثير من الفوتونات في منطقة معينة من الكابل لتعطي ما يعرف بالمضخم البصري أو الضوئي التي تمتاز بقدرتها على التعامل مع المعلومات المختلفة.

يقول الباحثون بجامعة ولاية أريزونا، بأنه تنبعث من الإربيوم فوتونات ذات طول موجي يبلغ مداه 1.5 ميكرومترا، يمكن استخدامها في الألياف البصرية الضرورية للحصول على أداء ذي جودة عالية للإنترنت والهواتف، حيث يستخدم الإربيوم لتطعيم الألياف البصرية لتضخيم أو لتكبير إشارة الإنترنت والهواتف في نظم الاتصالات السلكية واللاسلكية.

والتطعيم (Doping)، مصطلح يستخدم ليصف عملية إدخال عناصر مختلفة بتركيزات منخفضة في مواد أخرى، في محاولة لتغيير الخصائص الضوئية والكهربائية لها، للحصول على نتائج مرغوبة، والعناصر التي يتم استخدامها في مثل هذه العمليات يطلق عليها مطعمات.

يقول البروفسور نينغ، «حيث إنه لا يمكننا إدماج الكثير من ذرات عنصر الإربيوم في الألياف البصرية كما نشاء، فالألياف يجب أن تكون طويلة جدا حتى تكون مفيدة في تكبير إشارة الإنترنت، ولهذا كان من الصعب جدا إدماج اتصالات الإنترنت والحوسبة الكومبيوترية على شريحة واحدة». ويضيف أنه «من خلال مركب الإربيوم الجديد (إربيوم كلوريد سيليكات) المحتوي على ذرات إربيوم أكثر بألف مرة، يمكن إدماج الكثير من الأجهزة على نظام مقياس الشرائح، ولذلك فمواد المركب الجديد المحتوية على عنصر الإربيوم، يمكن إدماجها مع السليكون لربط الحوسبة بوظائف الاتصالات على نفس اللوح السليكوني الرخيص، لزيادة سرعة الحوسبة الكومبيوترية وتشغيل الإنترنت في نفس الوقت».

ويقول الباحثون بجامعة ولاية أريزونا، بأنه يمكن أيضا استخدام مواد الإربيوم لزيادة فاعلية تحويل الطاقة للخلايا الشمسية المعتمدة على تقنية السليكون، فالسليكون لا يمتص الإشعاع الشمسي ذا الموجات البالغ طولها أكثر من 1.1 ميكرون، التي ينتج عنها هدر أو فاقد في الطاقة، مما يجعل الخلايا الشمسية أقل كفاءة، ولكن مواد الإربيوم يمكنها أن تعالج هذه المشكلة، وذلك بتحويل 2 فوتون أو أكثر والتي تحمل مقادير من الطاقة، إلى فوتون واحد من شأنه أن يحمل مقدارا كبيرا من الطاقة، وعند ذلك يمكن للسليكون أن يمتص هذا الفوتون الواحد الأكثر قوة، مما يزيد من كفاءة الخلايا الشمسية. كما تساعد مواد الإربيوم أيضا في امتصاص الضوء فوق البنفسجي من الشمس وتحويله إلى فوتونات تحمل مقادير صغيرة من الطاقة يمكن تحويلها بكفاءة إلى كهرباء بواسطة الخلايا السليكونية. كما أن وظيفة تحويل الألوان لتغيير الضوء فوق البنفسجي إلى ضوء ذي ألوان مرئية، تعتبر وظيفة مهمة أيضا لمواد الإربيوم للحصول على ضوء أبيض للأجهزة ذات الإضاءة في الحالة الصلبة.

والفوتون (photon)، هو الجسيم الأولي المسؤول عن الظواهر الكهرومغناطيسية والوحدة الأساسية للضوء وجميع أشكال الإشعاع الكهرومغناطيسي الأخرى. وينشأ الفوتون الضوئي في الغلاف الذري الإلكتروني. فعندما تثار الذرة بفعل الحرارة مثلا، ويصبح أحد الإلكترونات التي تدور حول نواة الذرة في مدارات مختلفة (كل مدار عبارة عن مستوى طاقة)، في مستوى طاقة للذرة عال، ولا يستطيع البقاء في ذلك المستوى، فسرعان ما ينتقل لمستوى طاقة أقل. ويطلق فارق الطاقة على هيئة فوتون له طول موجي محدد، فالفوتونات الضوئية الخارجة من الذرة تنشأ عن الانتقالات الإلكترونية من مستويات ذرية أعلى إلى أخرى أقل.

ويقول نينغ، بأنه «لكون الإربيوم ذا أهمية معروفة ومعترف بها، كان التوصل لإنتاج مواد إربيوم ذات جودة عالية، يمثل تحديا بالنسبة لنا، فالطريقة المتعارف عليها هي إدخال الإربيوم كمطعم في مواد مختلفة مضيفة مثل أكسيد السليكون والسليكون والكثير من الكريستال والزجاج». ويضيف أنه «ثمة مشكلة كبيرة تمثلت في أننا لا نستطيع إدخال ذرات إربيوم كثيرة في الكريستال والزجاج، دون إحداث تأثير سلبي على الجودة الضوئية، ولأن وجود أنواع من المطعمات المختلفة يؤدي إلى تداخلها وتكتلها، بما يؤدي إلى تقليل الجودة الضوئية».

والفريد بالنسبة لمادة الإربيوم الجديدة التي خلقتها المجموعة البحثية لنينغ، هو أن الإربيوم لم يعد يقدم أو يضاف بطريقة عشوائية كمطعم، إذ يعد جزءا من مركب واحد متكامل.

ويقول الفريق البحثي، بأن زيادة عدد ذرات الإربيوم يعطي نشاطا ضوئيا أكثر، مما يساعد على إنتاج إضاءة قوية، وكذلك يعزز من تحويل ألوان مختلفة من الضوء إلى ضوء أبيض، للحصول على جودة عالية في الإضاءة ذات الحالة الصلبة، كما يمكن الخلايا الشمسية من تحويل وبشكل فعال ضوء الشمس إلى طاقة كهربائية، ولأن ذرات الإربيوم منظمة في تجميع دوري، فإنها لا تتكتل في هذا المركب الجديد.

يقول نينغ، بأن «مادة الإربيوم الجديدة، تم إنتاجها في شكل كريستالي (بلوري) أحادي ذي كفاءة عالية، الأمر الذي يجعل الكفاءة الضوئية تفوق بكثير المواد المطعمة الأخرى». ويضيف «مثلما يقوم به الباحثون الآخرون، كنا نحاول في بداية الأمر إضافة الإربيوم للأسلاك النانوية السليكونية لتطعيمها، ولكن الخواص التي أظهرتها المادة أذهلتنا، لقد توصلنا إلى مادة جديدة لم نكن نعرف ما هي، ولم يكن هناك مصادر منشورة وصفتها، لقد استغرقنا أكثر من عام، حتى ندرك في النهاية أننا توصلنا إلى مادة بلورية أحادية لم يتوصل إليها أحد». والآن، يحاول نينغ وفريقه البحثي، استخدام مركب الإربيوم الجديد في تطبيقات كثيرة، منها زيادة فاعلية أو كفاءة الخلايا الشمسية السليكونية وتصنيع مكبرات أو مضخمات ضوئية متناهية الصغر لأنظمة الفوتونات على مقياس الشرائح لأجهزة الكومبيوتر والإنترنت العالية السرعة.

يقول نينغ، بأن «دراستنا الأولية حول خصائص هذه المادة، قد أوضحت أنها تتمتع بالكثير من الخصائص المدهشة والكفاءة الضوئية الفائقة. وهناك اكتشافات مثيرة ما زالت تنتظر أن نقوم بها».