رسامو الكاريكاتير العراقيون: نمشي وسط ألغام من خطوط حمراء متشابكة

قالوا لـ «الشرق الأوسط»: حريتنا يحددها الرقيب الداخلي

كاريكاتير للفنان عبد الرحيم ياسر حول الحواجز الكونكريتية ببغداد
TT

على الرغم من شعور رسامي الكاريكاتير العراقيين بأجواء من الحرية أفضل مما كانت عليه خلال النظام السابق، فإنهم ما زالوا يحتكمون إلى «الرقيب الداخلي الذي يمنعنا من أن نتناول كل المواضيع التي نفكر بها»، حسبما يوضح الفنان عبد الرحيم ياسر، معاون المدير العام لدار ثقافة الأطفال التي بدأ العمل بها منذ بداياته في مستهل السبعينات، الذي يعد واحدا من أبرز رسامي الكاريكاتير في العراق، بل وفي العالم العربي، وهو بصدد ترؤس «جمعية الكاريكاتير العراقية» التي أعلن عن تأسيسها مؤخرا، ويقول: «كان في العراق أول تجمع لرسامي الكاريكاتير برئاسة الفنان الراحل نزار سليم، وضم هذا التجمع، الذي تشكل في منتصف السبعينات من القرن الماضي، أسماء بارزة في فن الكاريكاتير، أمثال مؤيد نعمة ورائد الراوي وبسام فرج وأنا»، منوها بأن «هذا التجمع انفرط عقده بسبب الظروف التي كانت سائدة آنذاك وسفر بعض أعضائه؛ حيث تشكلت بدلا منه لجنة الكاريكاتير في نقابة الصحافيين العراقيين التي ضمت الفنان الراحل مؤيد نعمة وضياء الحجار بالإضافة لي».

ويصر ياسر على أن «تكون جمعيتنا مستقلة تماما وغير خاضعة أو مرتبطة بأي شخصية أو حزب سياسي أو حكومة حتى نستطيع العمل بحريتنا وبلا ضغوط»، مشددا على أن «تكون هناك ضوابط إبداعية مشددة لاختيار أعضاء الجمعية، نعم هناك كم كبير ظهر من رسامي الكاريكاتير، وعلينا أن نهتم بالنوع وليس بالكم».

ويؤكد ياسر لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك فنانين مبدعين في العراق في مجال رسم الكاريكاتير؛ حيث كنا قد أقمنا أهم معرضين لهذا الفن عامي 2009 و2010، إضافة إلى معرض أقيم في 2008، وقد عرضنا أعمالا لرسامين شباب مبدعين مثل أمير عجام وهو من خريجي مدرسة (مجلتي) التي تصدرها منذ نهاية الستينات دار ثقافة الأطفال؛ حيث أغنت هذه المجلة الثقافة العراقية برسامي كاريكاتير متميزين، ولا تزال على الرغم من إمكاناتها المالية الحرجة لعدم تمويلها من قبل الحكومة على الرغم من أنها تابعة لوزارة الثقافة».

ويتحدث ياسر، الذي ينشر رسومه بصحيفة «الصباح» شبه الحكومية، عن فضاء الحرية المتاح لرسامي الكاريكاتير في العراق قائلا: «لو قلت لكم إن الحرية مطلقة عندنا فسأكون كاذبا؛ لأن هناك محددات وموانع هي خارج حدود سيطرة الدولة أيضا، خاصة موضوع الدين، مع أن أي رئيس تحرير عملت معه لم يستطع منع رسومي، ومن حاول لم ينجح لأنني أفكر بصوت عال ولا أسمح لأي شخص بتحديد أفكاري ولن أرسم بتوجيه أو بضغوط من الآخرين فأنا أرسم ما أفكر به فقط، هناك محددات لحريتي وهذه يفرضها عليَّ الرقيب الداخلي؛ فأنا من يحدد حريتي وليس الآخر».

ويشير الفنان علي المندلاوي إلى المشكلة بوضوح، قائلا: «مشكلة الحرية لا تتعلق برسام الكاريكاتير وتفكيره، بل بتفكير المجتمع عامة والمسؤول الحكومي أو السياسي خاصة؛ فالعقلية العربية لا تتقبل النقد، ومهمة الكاريكاتير هي النقد بسخرية، وشخصية المواطن العربي عامة والعراقي خاصة لم تنضج لتتقبل نقد الكاريكاتير، ولم تواكب تطور رسامي الكاريكاتير في العراق».

وفي مقارنته لما كان سائدا في ظل النظام السابق وما هو الحال عليه اليوم، يقول المندلاوي، وهو أحد أبرز رسامي البورتريه بأسلوب كاريكاتيري، بل أقام معارض كثيرة في هذا الفن، لـ«الشرق الأوسط»: «في السابق كانت هناك خطوط حمراء واضحة ونعرفها، لهذا نلجأ إلى رسم المواضيع التي تهم الناس بعمومية وتمويه، أما اليوم فهناك خطوط حمراء متشابكة وغير واضحة، لهذا يكون الوضع أكثر تعقيدا على رسام الكاريكاتير بكثير، فنحن نتحرك في مساحة ملغومة بالخطوط الحمراء»، مضيفا: «أضع الرقيب الداخلي دائما نصب عيني وأنا أرسم، على الرغم من أنه لم يرفض لي أي رسوم، إلا بنسبة لا تكاد تذكر».

المندلاوي، الذي ينشر رسومه بمجلة كردية «كهب» التي تعني «مزحة»، الصادرة في إقليم كردستان «وهي أول وأهم مجلة تهتم بالكاريكاتير في العراق، ولي صفحة أسبوعية أكتبها بجريدة (الصباح الجديدي) بعنوان (بسامير) تهتم بفن الكاريكاتير»، يعتبر أن «الصحافة العراقية اليوم أعطت دفعا جديدا لفن الكاريكاتير».

ويؤكد المندلاوي أن «هناك إبداعات شابة وجديدة في فن رسم الكاريكاتير، فأنا اكتشفت أمير عجام وهو فنان متميز والآن هناك رسام شاب من مدينة العمارة اسمه ميثم، هناك رسامون متطورون ومبدعون، لكن المشكلة في تطور ذهنية المتلقي لتقبل هذه الأفكار النقدية».

وبعد 35 عاما قضاها في رسم الكاريكاتير لا يزال خضير الحميري أحد أبرز رسامي الكاريكاتير في العراق يحلم بمستقبل فيه «انتقالة غير متوقعة نحو الأحسن» للوضع السياسي العراقي عله يستطيع من خلاله أن يعبر فيه عن ذاته ويخط رؤيته كرسام كاريكاتيري.

وعلى الرغم من مرور ما يقارب 9 سنوات على إسقاط نظام حكم الرئيس السابق صدام حسين، الذي حكم العراق لعقود بقبضة من حديد، وهو الحدث الذي ظن فيه الكثير من العراقيين أنه سيكون إيذانا ببدء عهد جديد من الديمقراطية والحرية، فإن الحميري، وآخرين، والكثير من أقرانه يجدون أنفسهم مرغمين على اتباع أسلوب «التحايل» في رسومهم من خلال رسم «شخوص عامة» لتجنب الاصطدام مع الحاكم والمسؤول، وهو أسلوب يقول إنه، بعد عقود قضاها في رسم الكاريكاتير، أصبح جزءا من ذاته وصفة مميزة ليس فقط لرسومه بل للكثير من رسامي الكاريكاتير في العراق.

وقال الحميري لوكالة «رويترز» للأنباء: «كان من المفترض أن تكون هنالك انطلاقة حقيقية لرسام الكاريكاتير العراقي بعد عام 2003 في أن يكون صريحا ومباشرا في النقد، لكن اكتشفنا أن هذا غير ممكن».

ويصمت قليلا ويضيف بضحكة ساخرة وتهكم: «ربما الوضع السياسي العراقي يشهد انتقالة أخرى غير متوقعة نحو الأحسن.. ربما».

وأضاف الحميري: «بعد أكثر من 35 أو 40 سنة، كرسام كاريكاتيري، ما زلت أتمنى أن تحدث هذه النقلة في الوضع السياسي، أشعر أنني حتى الآن لم أعبر عن ذاتي كرسام كاريكاتير حقيقي. بعد كل هذه السنوات ما زلت أنتظر أن أقول في رسوماتي كل ما أريد قوله».