انتشار ظاهرة الحارسات الشخصيات في الهند

كيفية تفادي المواقف الخطرة دون الاضطرار إلى العنف من بين المكونات الرئيسية

هنديات يتدربن على فنون القتال الشخصي بسبب ازدياد الإقبال على توظيفهن في حماية أبناء الأثرياء («الشرق الأوسط»)
TT

هن النسخة الهندية من «ملائكة تشارلي»، اللاتي يقمن بما قد تفشل الشرطة في بعض الأحيان في القيام به، مما يجعل المدن السيئة مكانا آمنا للسيدات.

لا تحب شاذيا، الأم لطفل في الثانية عشرة من العمر، الإدلاء بالكثير من المعلومات عن طبيعة عملها، كحارسة شخصية. حيث تلتزم شاذيا التي تتمتع بالذكاء وتجيد اللغة الإنجليزية، الحذر في الإجابة عن الأسئلة بشأن علمها كما هو الحال في مواجهة التهديدات التي تعن لعملائها. تشير شاذيا إلى أنها تصاحب في أغلب الأوقات الأطفال الأثرياء إلى المدارس والجامعات أو إلى أي مكان آخر يرغبون في الذهاب إليه. وأن الآباء عادة ما يرغبون في الاستعانة بحارس شخصي لأن الأطفال يكونون مدللين، أو لأنهم يرغبون في حماية أبنائهم خشية التعرض لبعض المشكلات. وعندما سئلت عن المشاهير أو الشخصيات المهمة الذين عملت معهم، قالت: «لا أسماء».

هناك ما لا يقل عن عشر وكالات أمنية في الهند تحتكر تقديم الحماية الأمنية الخاصة للسيدات، من خلال استخدام العناصر النسائية. وهن لسن سيدات عاديات، فهؤلاء السيدات يجدن الكاراتيه، توجيه اللكمات، في كل ما يتعلق بعملهن.

في الساعة التاسعة مساء على طريق رديء الإضاءة في دلهي، عاصمة الهند، كانت بعض مصابيح الشارع تومض بشكل متقطع في محاولة يائسة للبقاء على قيد الحياة. كانت ساريتا مهرا، المديرة التنفيذية في شركة دولية، تقود سيارتها عائدة إلى منزلها من عملها، وفجأة مر رجلان على دراجتين ناريتين إلى جوارها، وقاما ببعض الإشارات البذيئة وهما يسرعان. وتقول ميهرا: «هذا الأمر يحدث منذ فترة. هؤلاء الرجال دائما ما يضايقون النساء اللاتي يقدن السيارات».

بيد أنه في اليوم التالي، كانت ساريتا مستعدة. فما إن لمحت هؤلاء الأفراد حتى توقفت إلى جانب الطريق. وتوقف راكبو الدراجات واقتربوا من سيارتها بنوع من التهديد. ما لم يتوقعه هؤلاء الحمقى هو المرأة التي كانت تجلس إلى جوارها تخرج وتقاتلهم؛ فركلت الأول في فخذه والثاني في وجهه.

وتقول جيوتي سنغ، المرأة التي أذاقت هؤلاء المضايقين الألم: «اتصلنا بالشرطة بعد ذلك، وخلال دقائق كان قد تم القبض على هذين الشخصين». تنتمي سنغ إلى فئة آخذة في التوسع من الحارسات الشخصيات اللائي يحاولن جعل المدينة أكثر أمنا بالنسبة للنساء الأخريات.

قد لا ترتدي هذه الفئة من النساء الأحذية ذات الكعوب العالية أو أزياء مموهة، أو يضعن طلاء أظافر أحمر، أو يحملن بنادق آلية مثل الحارسات الشخصيات للعقيد الليبي معمر القذافي، وهن أيضا على السيدات المدربات تدريبا حرفيا، اللاتي يقمن بحماية السياسيين والقادة، مثل رئيسة وزراء بنغلاديش، الشيخة حسينة، ونظيرتها رئيسة الوزراء التايلاندية، يونغلوك شيناواترا، فالحارسات الشخصيات في الهند أكثر احتمالية أن لا يحملن أسلحة نارية، ما لم يكن كوماندوز سابقات، ولديهن ترخيص بحمل أسلحة.

أخذت ظاهرة الحارسات الشخصيات في الانتشار على مستوى العالم وكان رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون والأميرة كيت ميدلتون بين أحدث من ترصدهم عدسات الكاميرا يستعينون بحراسة شخصية من السيدات.

رغم أساليب القتال العسكرية المضنية، والقتال باليد ونزع السلاح والمصارعة والقتال الأرضي والتدريب على السلاح، وأساليب المراقبة الشرطية ونقاط الضغط، تأتي كيفية تفادي وتهدئة المواقف الخطرة دون الاضطرار إلى اللجوء إلى العنف، من بين المكونات الرئيسة في تدريب هؤلاء السيدات.

النساء اللواتي يتميزن بالتكوين العضلي في هذه المجموعة الفريدة من نوعها يبدون أشبه بحراس الحانات، من الشعر القصير والفظاظة ولغة جسد مخيفة ممتزجة بزي ذكي يتكامل مع المظهر.

بعض من يتقدمن للعمل ضمن هذه الوظيفة هن من الرياضيات السابقات وعدد قليل ممن مارسن رياضة كمال الأجسام، بحسب كرمان صديقي، مدير شركة «رويال ديتكتيف آند سكيوريتاس» في دلهي. وأضاف، غالبية النساء من هيريانا وأوتارا باراديش ممن لديهن بنية جسدية وقادرات على الحديث بشكل قوي. ونظرا لأنهن سيضطررن إلى قضاء وقت مع المشاهير والأغنياء، دائما ما يقدم لهن معلومات عن الملابس ولغة الجسد ولغة العيون وكيفية الحديث.

وتقول تارونا شارما، الحاصلة على الحزام الأسود في الجودو: «هذا العمل يعطيني الفرصة لاستخدام قدراتي القتالية في حماية نفسي والنساء الأخريات غير القادرات على الدفاع عن أنفسهن. فعملي يعطيني ميزة هائلة».

وعلى الرغم من الرضا التام الذي تقدمها لها الوظيفة، تشير تارونا إلى أن الأفراد من حولها لم يتقبلوا مهنتها الجديدة بحماسة، فتضيف: «أنت بحاجة إلى دعم متواصل من والديك عندما تعملين في مهنة تخالف كل أعراف المجتمع. ولحسن الحظ فقد دعمني والداي في هذا المسعى، على الرغم من شعور الكثير من أقاربي بالفضيحة من المهنة التي أردت العمل بها». ارتفاع الدخل والنزاعات بين الشركات أو العقارات والخوف من الاختطاف وارتفاع معدلات الجريمة ضد المرأة، وآلية النظام والقانون المتراخية أبرز أسباب زيادة الطلب على الحارسات الشخصيات.

وتتفق شذا التي تدربت على الكونغ فو على ذلك، وتقول إن الأمر يرجع إلى الثقة في النفس. ففي البداية كانت عائلتي ضد عملي، لكني لم أواجه أي مشكلة رئيسية في العمل. إلى جانب ذلك أشعر أن الحارسات الشخصيات يقدمن تقارير صائبة إلى العملاء كآبائهن. والعامل الأكبر الذي يساندنهن في ذلك هو الراحة التي يشعر بها العملاء معهن. فالفتيات اللاتي يذهبن إلى الجامعة لا يمانعن في حضور امرأة معهن في الوقت الذي يتحدثن فيه عبر الهاتف. وتؤكد شاذيا على أن الآباء يثقن في الحارسات الشخصيات بصورة أكبر عندما يكن بصحبة الأطفال.

وتوفر هذه المهنة المال أيضا، فراتب الحارسة الشخصية يتراوح ما بين 25000 إلى 30000 روبية شهريا. وتجني شاذيا ما يصل إلى 30000 روبية شهريا، حيث تتقاضى 15000 روبية مقابل نوبة عمل لثماني ساعات.

وبحسب تقديرات القطاع، هناك ما يقرب من ست وكالات أمنية في كل من دلهي ومومباي، وتعمل فيها ما بين 30 إلى 50 حارسة شخصية. ويقول صديقي: «بدأنا قبل عامين بعدد محدود، والآن هناك 60 حارسة شخصية يعملن بنشاط عبر الهند، 45 منهن يعملن في مومباي وحدها».

الحارسات الشخصيات مثاليات أيضا للتغطية الأمنية السرية عندما لا يرغب العملاء في لفت الانتباه إليهم. تقول لينا شاه، سيدة الأعمال التي استعانت بحارسة شخصية تقف كمساعدة شخصية لها: «الرجل مفتول العضلات قد لا يرهب المعتدين فقط، بل قد يرهب الزملاء والمعارف أيضا».

أما جيتانجالي فتعمل حارسة شخصية منذ ثلاث سنوات ونصف السنة، وتشير إلى أنها انتقلت من فنون القتال العسكري إلى الانخراط في عدد من التدريبات الأخرى، مثل القيادة الدفاعية وقياس البيئة وتخطيط الإخلاء وتحليل المخاطر.... إلخ، التي قد تكون مفيدة للمرء في وقت الخطر. وتشرح جيتانجالي بالقول: «تلقينا تدريبا عبر سلسلة من الاختبارات العملية للتفاعل مع كل موقف مفاجئ، بصورة سرية أيضا. فدورنا غالبا ما يختلط بدور حافظ النظام أو الحراس الأمنيين، الذي لا معنى له». وترد على حقيقة أن الرجال أقوى من الناحية البيولوجية بالقول: «هذه ليست مصارعة المحترفين. إذا ما قست فعليا كنه المواقف الخطرة التي يمكن أن يتعرض لها العميل، ستجد أن القدرة على رفع الأثقال لا تتدخل كثيرا في هذه المهنة».

وتقول كونوار فيكرام سنغ، من الاتحاد المركزي لقطاع الأمن الخاص: «المستعين الأساسي بالحارسات الشخصيات هم النساء».

إن عالم النساء يتغير بسرعة كبيرة، فسيدات الأعمال والمستثمرات والمصرفيات، وممثلات السينما والمشاهير من النساء كلهن قد أصبحن الآن بحاجة إلى حراسة شخصية نسائية، فهن لا يشعرن بالراحة مع الحراس الشخصيين من الذكور، ثم هناك النساء الأجانب اللاتي لا يرغبن في أن يصيبهن مكروه بعد قيامهن بالسياحة في البلاد والاستمتاع بجوها الغريب الساحر، وهناك أيضا زوجات المحامين والمديرين التنفيذيين ونجوم السينما، اللاتي يتعرضن للتهديد من أولئك الذين يستهدفون أزواجهن، حيث تقول سينغ: «إن الاعتبارات الأمنية المتعلقة بالحراسة الشخصية تستلزم مراعاة راحة العميل».

ونظر لأن البعض يرهبه منظر الحراس الشخصيين ضخام الأجسام والحراس مفتولي العضلات، فإن الحراسات الشخصيات قد يشكلن حلا فعالا لهذه المشكلة، حيث إنه من السهل بالنسبة لهن التواؤم مع الأسر، فالفتيات الصغار والمشاهير من النساء يشعرن براحة أكبر معهن، كما يقول راميش آير، المدير التنفيذي لمجموعة شركات «توبس غروب»، التي تعد أكبر مجموعة أمنية في الهند.

ويوضح آير أن هناك الكثير من النواحي الشخصية في حياة العميل التي تكون متاحة بشكل أقل نسبيا بالنسبة للحراس الشخصيين، مثل المراحيض المشتركة أو غرف النوم الخاصة، من الحارسات من النساء، حيث يضيف آير قائلا: «أضف إلى ذلك عامل الراحة، الذي يعد عنصرا أساسيا في علاقة العميل بحارسة الشخصي».

ولكن الراحة ليست السبب الوحيد، فهناك بعض العمليات الأمنية المعينة التي تحتاج أن تتم بشكل سرى، ويمكن بسهولة في مثل هذه الحالات أن يتعرف المهاجمون في كثير من الأحيان من مسافة بعيدة على الحراس الشخصيين من الذكور من خلال انتفاخ عضلاتهم وسلوكهم العسكري، مما يعرض العملية برمتها للخطر ويحذر العدو من الخطة التي تدبر ضده، حيث توضح مونغا، من شركة «توبس سيكيورتى»، قائلة: «من الممكن أن تتنكر الحراسات الشخصيات التابعات لنا في شخصيات خادمات أو مربيات أطفال أو سكرتيرات، وهذا هو السبب في أننا لا نسمح بعرض صورهن في وسائل الإعلام».

وقد أدلى معظم المسؤولين في وكالات الحراسة الشخصية بتعليقات شريطة عدم الكشف عن أسمائهم، وذلك بسبب مخاوف أمنية مماثلة، حيث قال رئيس إحدى الوكالات: «لا يعرف الكثير من الناس أننا نقوم بتوفير حارسات شخصيات، والسبب الوحيد الذي يدفعني للتحدث إليكم هو الأعمال العظيمة التي تقوم بها أولئك الفتيات، فهن أفضل من نعتمد عليه في العمليات الأمنية السرية».