الجانب الخفي تحت الأرض في العاصمة الأميركية واشنطن

غرف طوارئ وأنفاق ومتاحف ومواقف سيارات بعيدة عن الأنظار

أنفاق ودهاليز تحت الأرض وبوابات محكمة من الصلب.. جانب لا يعرفه الكثير من سكان العاصمة الأميركية
TT

دعونا للحظات نتجنب الرواية الرسمية التي تخفي أكثر مما تكشف ويروج لها البيت الأبيض حول الحفرة الهائلة التي تقطع المرج المحيط بالبيت الأبيض.

ودعونا نقُل إننا نشك في أن طواقم العمل التي تضرب بجرافاتها في أكثر المناطق تحصينا في العالم الحر تقوم بشيء أكثر تعقيدا من مجرد العمل العادي. فربما يزعم الفيدراليون أنه مجرد «تحديث وصيانة للبنية التحتية» بحجم وتعقيد يتطلب تنقيب حفرة هائلة تتسع لكافة العاملين بالحكومة وربما أعضاء الكونغرس كذلك. فذلك غامض على نحو غريب. ولذلك فإننا نتساءل: هل هو مخبأ؟ يجب أن يكون ذلك مخبأ.

ربما يكون مخبأ آخر. فهناك بالفعل غرفة للطوارئ تقع تحت الأرض تم تجديدها وتوسيعها في عام 2007 حتى أصبحت مساحتها تبلغ 5000 قدم مربع. وملجأ للحماية من القنابل النووية يقع تحت الجناح الشرقي وهو الملجأ الذي أخذ إليه نائب الرئيس ريتشارد تشيني في صبيحة الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001. ومن يدري ماذا أيضا يقع تحت البيت الأبيض؟ نفق إلى وزارة الخارجية؟ ممر سري لوزارة الخزانة؟

في إطار تلك المساحة تحت الأرض، يجب أن ننظر إلى البيت الأبيض ليس فقط باعتباره قصرا كلاسيكيا عمره 200 عام، ولكن باعتباره أيضا قمة جبل الجليد. فيجب التفكير فيما لا يظهر منه. فهو بناء له جذور وهو أمر غير مألوف في واشنطن العاصمة.

ولكن ربما يكون «تحت الأرض» هو ما تحتاجه واشنطن – وليس فقط الرئيس الذي يتخذ أكثر قراراته أهمية وهو على ارتفاع طفيف عن الأرض، نظرا للقيود على الارتفاع التي تبقي خط الأفق ظاهرا على غرار الكاتدرائية الوطنية بواشنطن، وهي أعلى بناء في المدينة، حيث لا توجد مبان ترتفع مائة طابق حيث يمكنك أن ترى الناس من على الأسطح وكأنهم دمى وليس نملا. على أي حال، فإن العمق في واشنطن هو ما يهم وليس الارتفاع. وذلك صحيح ليس فقط على سبيل الاستعارة – فالمعرفة والمعلومات وليس المال والبريق هما ما يوصلان للنفوذ هنا – بل بالمعنى الحرفي أيضا.

فمعظم واشنطن تقع تحت الأرض وبعيدا عن الأضواء، وهناك جانب من ذلك العالم نعرفه جيدا ونزوره عادة مثل المترو أو الأنفاق التي تصل مباني الكونغرس. بالإضافة إلى أن معظم معرض ساكلر سميثسونيان يقع تحت الأرض. كما تقع حديقة الأسماك الوطنية أسفل مبنى وزارة التجارة. وهناك أنفاق البخار الخاصة بالمترو وملاجئ تعود لفترة الحرب الأهلية ومواقف للسيارات تحت الأرض.

ويقول توماس لوبكي، أمين اللجنة الأميركية للفنون الجميلة، وهي الهيئة المسؤولة عن التصميمات والتي تشرف على تطوير «المركز التجاري»: «يمكنك أن تضع أشياء بعيدا عن الأنظار التي لا تحتاج إلى الوجود في الشوارع – مثل مواقف انتظار السيارات، التي تسيء إلى التجربة المدنية».

تخيل بعد مائتي عام من الآن، فإن واشنطن ما بعد نهاية العالم، وفقا للوبكي، سوف تصبح «مهجورة وعلى وشك الانهيار». تخيل أن كل شيء اختفى، الكونغرس، آثار واشنطن، ومباني وسط المدينة. فما الذي سوف يبقى؟ يقول لوبكي: «سوف يتبقى مشهد الشوارع المحاطة بالحفر». حيث إن الحفر هي التي سوف تدوم، على غرار غابات الأردين في بلجيكا التي لا تزال تعج بمخابئ الحرب العالمية الثانية.

تعالَ وادخل مركز زوار الكونغرس تحت الأرض. اتبع المسار الذي يميل ببطء للأسفل حتى إنك لن تلحظ أنك تتجه نزولا. بالداخل، تتلألأ الأدوار، ويتسلل الضوء عبر كوات إضاءة.

إنه فسيح وجيد التهوية – ثلاثة أرباع مساحة الكونغرس نفسه. خلال بنائه، رفعت طواقم العمل نحو 65 ألف حمولة من التربة لتشييد ذلك المبنى الخفي. وعلى الرغم من أنه تحت الأرض، فلا يمكن أن يصيبك رهاب الأماكن المغلقة.

فمن السهل أن تنسى أنك تحت الأرض حتى تبدأ في اتباع خطوات مرشدك صعودا لدخول الكونغرس وتلحظ عبر النوافذ أنك تصعد إلى سطح الأرض.

وذلك الإحساس هو ما يسعى مصممو مركز الزائرين بالنصب التذكاري لمقاتلي فيتنام لتصديره. فهم يخططون أيضا للبناء أسفل الأرض.

في البداية كانوا يرغبون في بناء – توسيع المبنى بإضافة بناء صغير لا يزيد على 1500 قدم مربع. ولكن نظرا لصعوبة التشييد في «المركز التجاري»، يصبح حتى ذلك البناء الصغير صعب المنال. ولكنهم أصبح بإمكانهم بناء 30 ألف قدم مربع أو ما يزيد تحت الأرض. وبدلا من توسيع المبنى، بدأوا التفكير في إنشاء متحف.

كما أنه سوف يمنع أيضا مركز الزائرين من الطغيان على باقي المركز التجاري الذي أصبح مكتظا. حيث يتخوف الناس من أن شيئا ستتم إضافته الآن سوف يؤثر على الأشياء الموجودة بالفعل.

ويوضح دان رييس من صندوق النصب التذكاري لفيتنام: «لقد كان تخطيط المدينة يعتمد على المساحات المفتوحة والشوارع العريضة. فهناك قيود على الارتفاع وإحساس بالامتداد في تلك المدينة لا يقارن. وبالتالي يبدو الاتجاه للبناء تحت الأرض منطقيا للحفاظ على تلك الروح».

ثم هناك الأماكن تحت الأرض التي من المفترض ألا نعلم بشأنها – أو تلك التي سوف نكتشفها بعد عدة سنوات. حيث يعد مخبأ الحرب الباردة الذي تم بناؤه أسفل منتجع غرينبراير في ولاية ويست فيرجينيا مكانا للجذب السياحي. تعالَ لكي ترى أين سوف تصبح الحكومة في حالة تعرض واشنطن لهجوم – تتكلف الجولة 30 دولارا فقط.

في 2001، تم اعتقال العميل السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي، روبرتن بي هنسن، واتهامه بالتجسس لصالح الروس، حيث اتهمه المسؤولون الأميركيون بأنه سرب العديد من الأسرار. وكان من أكثر الأشياء إحراجا هو الوجود المزعوم لنفق سري تحت السفارة الروسية في حديقة غلفر أقامته وكالة الأمن الوطني ومكتب التحقيقات الفيدرالي بغرض التجسس الإلكتروني.

ثم في 2002، بدأ السكان على مقربة من المرصد البحري التذمر من الانفجارات اليومية المتعلقة بالبناء حيث إنها كانت صاخبة لدرجة حطمت النوافذ وخلعت المرايا من على الجدران. وطالب السكان بأن يعرفوا ما الذي يحدث في مقر إقامة نائب الرئيس؟

ولكنهم لم يحصلوا سوى على إجابة حذرة؛ حيث خاطب المشرف على المرصد في ذلك الوقت المفوض الاستشاري للحي قائلا: «نظرا لطبيعته الحساسة في دعم الأمن الوطني والدفاع الداخلي، فإن المعلومات المحددة حول المشروع سرية ولا يمكن الإفصاح عنها».

رسميا، استمرت البحرية في الإصرار على رواية أن المشروع يقتصر على «تحديث وتطوير للبنية التحتية والخدمية».

تحديث للبنية. يبدو ذلك مألوفا. فقد بدأ مشروع تحديث البنية الخدمية للبيت الأبيض في مايو (أيار) 2009، وفقا لإدارة الخدمات العامة. حيث كانت أطقم العمل تقوم بتغيير الشبكة الكهربائية القديمة وشبكات التبريد والتدفئة ومعدات إنذار الحرائق، وفقا لما قاله متحدث رسمي.

ولكن من يعملون بالبيت الأبيض أيضا لا يصدقون تلك الرواية. فقد قال أحدهم لـ«نيويورك تايمز» إن ذلك العمل «له علاقة بالأمن»، فربما ينشئون مركزا كبيرا لعمليات الطوارئ تحت الأرض.

ومن جهتها، تؤكد إدارة الخدمات العامة أنه بغض النظر عن طبيعة ما يحدث أسفل الجناح الغربي فإن طواقم العمل سوف تنتقل في النهاية إلى المرج الشمالي عند الجناح الشرقي وتبدأ في الحفر هناك أيضا. ووفقا للمتحدث الرسمي باسم إدارة الخدمات العامة: «عندما يوشك العمل على الانتهاء، سوف يتم إعادة الأرض إلى وضعها الطبيعي». بمعنى آخر، سوف تصبح وكأن شيئا لم يكن.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»